(الصفحة 233)
مقدار الحرام معلوماً ، إمّا بمقدار الخمس أو أنقص منه أو أزيد مع معلوميّة مقدار النقصان أو الزيادة; لأنّك عرفت أنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي ذلك(1) ، مضافاً إلى استبعاد إيجاب الخمس مع العلم بكون الحرام في عشرة آلاف درهمين مثلاً ، وكذا من البعيد وجوب إخراج الخمس وكفايته مع العلم بكون الحرام نصف المبلغ المذكور مثلاً ، فهل الموثّقة تشمل ما لو علم أنّ الحرام أزيد من الخمس ولو كان مقدار الزيادة غير معلوم؟
استظهر في المتن ذلك ، والوجه فيه عدم التقييد بالعلم بمقدار الحرام وعدم استبعاد في هذا الفرض ، فإخراج الخمس كاف في التحليل والتطهير لدلالة الرواية ، ولكنّه (قدس سره)احتاط استحباباً أن يصالح ، مضافاً إلى إخراج الخمس مع الحاكم الشرعي بما يرتفع به اليقين بالاشتغال وإجراء حكم مجهول المالك عليه ، وأشدّ احتياطاً تسليم المقدار المتيقّن إلى الحاكم والمصالحة معه في المشكوك فيه ، غاية الأمر أنّ الحاكم يحتاط بالتطبيق على المصرفين صرف الخمس في مصرفه وصرف الزائد في الصدقة .
هذا ، وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) فيما يرتبط بأصل المسألة أنّ النصوص ـ وعمدتها روايتا عمّار والسكوني ـ منصرفة عن ذلك ـ أي عن صورة العلم الإجمالي بزيادة الحرام على الخمس أو نقيصته عنه ـ جزماً ، بل حكي عن الجواهر(2) أنّ تطهير مال الغير وتحليله من غير رضاه مخالف للضرورة ، فلا مناص من الرجوع حينئذ إلى أخبار الصدقة ، ولا وجه للخمس والتصدّق بالزائد(3) .
- (1) في ص210 .
- (2) جواهر الكلام 16: 74 ـ 75 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 150 .
(الصفحة 234)
مسألة 29 : لو كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله لا محلّ للخمس ، بل حينئذ لو علم مقداره ولم يعلم صاحبه حتّى في عدد محصور تصدّق بذلك المقدار عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعي أو دفعه إليه . وإن علم صاحبه في عدد محصور فالأقوى الرجوع إلى القرعة . وإذا لم يعلم مقداره وتردّد بين الأقلّ والأكثر أخذ بالأقلّ ودفعه إلى مالكه لو كان معلوماً بعينه . وإن كان مردّداً بين محصور فحكمه كما مرّ . ولو كان مجهولاً أو معلوماً في غير محصور تصدّق به كما مرّ ، والأحوط حينئذ المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بين الأقلّ والأكثر ، فيعامل معه معاملة معلوم المقدار1 .
وأنت خبير بأنّه بعد فرض الكلام فيما لو كان المقدار الزائد أو الناقص معلوماً بالإجمال لا مانع من الحكم بلزوم التخميس وأنّه مطهّر للمال تعبّداً . وقد عرفت التزام صاحب الحدائق به(1) ولو مع العلم التفصيلي ، لكنّ الانصراف عنه ظاهر كما مرّ ، فلا مانع من شمولها لصورة العلم الإجمالي وإن كان الظاهر فيه الانصراف أيضاً .
1 ـ غير خفيّ أنّ عنوان الحلال المختلط بالحرام هو ما إذا كان المال الخارجي كذلك ، وعليه فالروايتان المتقدّمتان(2) واردتان في هذا العنوان ، وأمّا إذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله فلا يشمله دليل الخمس بوجه ، لكنّ القدر المسلّم منه ما إذا كان حقّ الغير ثابتاً في الذمّة ابتداءً ، وأمّا إذا كان بعد الاختلاط الموضوع للخمس بأن أتلف المال المختلط ، فهو وإن كان لا يصدق عليه الحلال المختلط
- (1) في ص225 ـ 226 .
- (2) في ص209 ـ 210 و 214 .
(الصفحة 235)
بالحرام; لأنّ الاختلاط من أوصاف العين الخارجيّة ولا يعقل تحقّقه في الذمّة ، إلاّ أنّ المحكيّ عن الشيخ الأعظم الأنصاري(1) وجوب التخميس فيه كما لو فرض عدم تحقّق الإتلاف .
وعن المحقّق الهمداني (قدس سره)(2) أنّه يجري عليه حكم الثبوت في الذمّة ابتداءً ولا يتعلّق به الخمس .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ هذين الوجهين مبنيّان على أنّ الخمس في هذا القسم هل هو كسائر الأقسام والكلّ من سنخ واحد في أنّها ملك فعليّ لأرباب الخمس ، وأنّ المال المختلط مشترك بين المالك وأرباب الخمس بمجرّد الاختلاط ، أو أنّه في هذا القسم من سنخ آخر ومناط تشريعه تخليص المال وتطهيره بإخراج الخمس مكان إخراج الحرام لو كان معلوماً ، فالخمس لا يكون ملكاً لأربابه بمجرّد الخلط ، كما كان كذلك في سائر الاُمور المتعلّقة للخمس؟
فعلى الثاني لا وجه للتخميس; لأنّه لم يستقرّ في الذمّة قبل التصدّي للأداء خارجاً إلاّ نفس الحرام الواقعي قلّ أو كثر ، ولا تكون الذمّة مشغولة إلاّ به ، والمفروض عدم الأداء ، فلا يجب عليه إلاّ الخروج عن واقع ما اشتغلت به الذمّة ، وهذا بخلاف الأوّل من اتّحاد السنخ في الجميع ، وأنّ الشارع جعل الخمس لأربابه في المال المخلوط بالولاية الشرعيّة ، إذ عليه يكون حال هذا المال حال ما لو أتلف الكنز أو المعدن أو نحوهما في انتقال الخمس إلى الذمّة واشتغالها به وكونه ضامناً له ، كما كان يجب في العين الخارجية (3) .
- (1) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأنصاري) : 268 .
- (2) مصباح الفقيه 14 : 180 ـ 181 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 155 .
(الصفحة 236)
أقول : ويزيد في الإشكال لو لم نقل بأنّ أصل المسألة من الاُمور المتعلّقة للخمس ، بل قلنا بأنّ الواجب فيه هو التصدّق بالخمس ، كما في موثّقة السكوني على نقل الوسائل على ما تقدّم(1) ، فإنّه حينئذ لا يبقى مجال لاحتمال مثل الإشاعة والشركة في المال بنحوها ، وفي المثال لو فرض أنّه أتلف المال المختلط فاللازم أن يقال بانتقال مقدار الحرام الواقعي إلى ذمّته ، ولا معنى للتصدّق بالخمس بوجه بعد فرض الإتلاف .
وكيف كان ، لابدّ من فرض المسألة فيما إذا كان اشتغال الذمّة بالحقّ ابتداءً أو بالواسطة في مقابل الحلال المختلط بالحرام خارجاً; لاختصاص دليل الخمس أو التصدّق به به ، ولا وجه لإجرائه لما في الذمّة ، فتدبّر .
وحينئذ نقول : إنّ في المسألة صوراً :
الاُولى : ما إذا كان حقّ الغير معلوم المقدار غير معلوم الصاحب ولو في عدد محصور ، كما إذا علم أنّه مديون لغيره بمائة لكن لا يعرف ذلك الغير ولو في عدد محصور ، بل كان مجهولاً مطلقاً أو في ضمن عدد غير محصور ، ومقتضى ما ذكرنا من إلغاء الخصوصية من أدلّة مجهول المالك الواردة في المال المتميّز لزوم التصدّق بذلك المقدار عن صاحبه بإذن الحاكم الشرعي أو دفعه إليه ، والظاهر أنّ اعتبار الإذن هنا أقوى ممّا مرّ ممّا حكمنا فيه بالاحتياط(2) ; لأنّ شخص حقّ الغير في مال مخصوص مع عدم وجود الإذن منه يحتاج إلى إذن الحاكم الشرعي ، وبدونه لا دليل على تعيّنه في مال مخصوص .
- (1) في ص222 .
- (2) في ص224 .
(الصفحة 237)
الثانية : ما لو علم مقداره وعلم صاحبه في عدد محصور ، واللازم بمقتضى ما ذكرنا الرجوع إلى أدلّة القرعة; لأنّها لكلّ أمر مشكل بالإضافة إلى حقوق الناس ، كما لو كان المال المعيّن الخارجي كذلك; لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة أصلاً ، والظاهر منافاة ذلك من إيجاب الرجوع إلى القرعة مطلقاً مع ما تقدّم(1) من أنّ الأحوط التخلّص من الجميع مع إمكان الاحتياط ، فتأمّل .
الثالثة : ما إذا كان المالك معلوماً بعينه وتردّد الحقّ بين الأقلّ والأكثر ، فالحكم فيه كما مرّ من صاحب العروة(2) من أنّ الأقوى كفاية الأخذ بالأقلّ ودفعه إلى المالك ، ومن المعلوم أنّ المفروض هنا كما فيما سبق(3) ما إذا لم يكن هناك مدّع ومنكر ، بل كان المالك جاهلاً بمقدار حقّه كمن عليه الحقّ .
الرابعة : ما إذا كان المالك مردّداً بين محصور وتردّد الحقّ بين الأقلّ والأكثر ، فالحكم فيه كفاية الأخذ بالأقلّ والرجوع إلى القرعة في تعيين المالك كما مرّ(4) ، ومع التمكّن فالأحوط التخلّص من الجميع .
الخامسة : الفرض السابق مع تردّد المالك بين المجهول المطلق وعدد غير محصور والحكم فيه التصدّق به عنه بإذن الحاكم كما مرّ بمقدار الأقلّ(5) ، لكن جعل في المتن مقتضى الاحتياط الاستحبابي المصالحة مع الحاكم بمقدار متوسّط بين الأقلّ والأكثر ، والحاكم يعامل معه معاملة معلوم المقدار ، ولعلّه لأجل مراعاة كلا الحقّين بحيث لا يلزم ضرر في البين على كلّ واحد من الشخصين .
- (1) في ص224 .
- (2) في ص231 .
- (3) في ص232 .
- (4 ، 5) في ص224 ـ 225 .