(الصفحة 240)
متيقّن ، والمفروض أنّه أقل من خمس البقيّة بعد التحليل ; لأنّ خمسها بعده يصير مائة وستّين ، فيبقى له النصف الآخر ويخمّسه بالمائة ، فالخمس الذي دفعه بالإضافة إلى المجموع مائتان: مائة بالنسبة إلى المتيقّن من الحلال ، ومائة بالنسبة إلى الباقي ، مع أنّه على الطريقة الاُولى يخمّس المجموع بمائتين ثمّ يخمّس البقية بمائة وستّين ، فاتّضح الفرق بين الطريقين .
ثمّ إنّ بعض الأعلام (قدس سره) في الشرح على العروة ـ التي يظهر منها تعيّن المنهج الأوّل لعدم تعرّضه إلاّ له ـ قال ما ملخّصه : إنّه غير ظاهر ، ضرورة أنّ الخمس لأجل الاختلاط حسب ما يستفاد من الأدلّة خاصّ بالمال المختلط بالحرام ، فموضوعه المال المؤلَّف من هذين الصنفين ، وأمّا المشتمل على صنف ثالث بحيث لا يكون له ولا يكون من المال الحرام الذي لا يعرف صاحبه فهو غير مشمول لتلك الأدلّة ، والمقام من هذا القبيل ، إذ بعد كون حصّته من هذا المجموع متعلّقة للخمس كما هو المفروض ، فهو يعلم أنّ مقداراً من هذا المال المختلط ـ أعني الخمس من حصّته ـ لا له ولا من المال الحرام ، بل هو ملك للسادة والإمام . وعليه ، فلابدّ من إخراجه واستثنائه أوّلاً ليتمحّض المال في كونه حلالاً مخلوطاً بالحرام ثمّ يخمّس للتحليل وبعنوان الاختلاط ، فالنتيجة أنّ التخميس بعنوان الأرباح مثلاً مقدّم على التخميس من ناحية الاختلاط ، عكس ما ذكره في المتن .
وذكر بعنوان المثال أنّه إذا فرضنا أنّ مجموع المال خمسة وسبعون ديناراً ، فعلى الطريقة الاُولى يخرج أوّلاً خمس المجموع للتحليل فيبقى ستّون ، ثمّ يخرج خمس الأرباح مثلاً فيبقى له ثمانية وأربعون ديناراً ، وعلى الطريقة الثانية يخرج خمس المتيقّن الذي يفرض أنّه خمسون ، فيخرج خمسه أوّلاً وهي عشرة ، ثمّ يخرج خمس الباقي وهو ثلاثة عشر ، فتبقى له من مجموع المال اثنان وخمسون ديناراً ، فتختلف
(الصفحة 241)
عن الطريقة الاُولى بأربعة دنانير ، ولو فرضنا أنّ المتيقّن من الحلال أقلّ فالفرق أكثر إلخ(1) .
وكيف كان ، ففي المسألة احتمالات ثلاثة :
الأوّل : تعيّن الطريقة الاُولى كما يظهر من العروة(2) .
الثاني : تعيّن الطريقة الثانية ، كما هو ظاهر بعض الأعلام (قدس سره) في شرحها(3) .
الثالث : التخيير بين الطريقين ، كما هو ظاهر المتن .
والتحقيق يقتضي المصير إلى الاحتمال الثالث ، فإنّ موضوع أدلّة خمس الاختلاط ما إذا كان هناك مال حلال مختلط مع الحرام ، وأمّا كون الحلال مختصّاً بواحد والحرام لغيره بحيث لم يكن هناك أزيد من شخصين فلا اختصاص لتلك الأدلّة ، فلو فرض أنّ هنا مالاً حلالاً مشتركاً بين شريكين واختلط ذلك المال بالحرام ، وأراد الشريكان تخليص مالهما وتحليله ، فهل لا يجب عليهما التخميس للتحليل؟ كما لو فرض أنّ المال الحرام مشترك بين شريكين غير معلومين ، فهل يكون هناك طريق للتحليل غير التخميس؟
فما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) من الأمر المتقدّم غير ظاهر ، فإنّ تعلّق الخمس بسبب الأرباح أو غيرها يوجب تحقّق الشركة والإشاعة ، فالاختلاط بالحرام الذي لا يُعرف صاحبه لا يوجب الخروج عن أدلّة الاختلاط ووجوب تخميس التحليل بوجه . غاية الأمر أنّه حيث لا يكون مقدار غير الحرام معلوماً يمكن له التخميس للتحليل أوّلاً ، كما أنّه يمكن له تخميس القدر المتيقّن من الحلال أوّلاً ; لعدم
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 169 ـ 170 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 385 مسألة 36 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 170 .
(الصفحة 242)
مسألة 32: لو تبيّن المالك بعد إخراج الخمس ضمنه ، فعليه غرامته له على الأحوط ، ولو علم بعد إخراج الخمس أنّ الحرام أقلّ منه لا يستردّ الزائد ، ولو علم أنّه أزيد منه فالأحوط التصدّق بالزائد ، وإن كان الأقوى عدم وجوبه لو لم يعلم مقدار الزيادة1.
الاشتغال اليقيني إلاّ بالأقلّ كما عرفت(1) ، ولكن احتاط في المتن استحباباً بالمصالحة مع الحاكم في موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، والوجه فيه واضح .
هذا ، ويمكن الإيراد على الطريقة الثانية بأنّه بعد تخميس القدر المتيقّن من الحلال لا يبقى مجال لتخميس البقيّة بعد عدم إحراز وجود الحلال فيها; لاحتمال كونها بأجمعها حراماً .
اللّهم إلاّ أن يتشبّث في ذلك بالاستصحاب ، نظراً إلى أنّ التحليل كان متوقّفاً على التخميس فالآن هكذا ، إلاّ أن يقال بعدم جريان الاستصحاب; لأنّ المتيقّن كان وجوب تخميس المختلط والآن لا علم بالاختلاط ، فتدبّر . أو يقال بلزوم تخميس الحلال المخمّس مع البقيّة كما هو الظاهر .
1 ـ وجه الضمان قاعدة الإتلاف المتحقّق بإخراج الخمس إلى أربابه ، ومجرّد إذن الشارع لا يوجب سقوط الضمان ، كما في إيجاب الأكل من مال الغير فيما إذا توقّف حفظ النفس عليه ، فإنّه لا يلازم عدم الضمان بعد تحقّق الأكل والإتلاف ، خصوصاً بعد كون الإتلاف الموضوع في قاعدة الإتلاف أعمّ من المحرّم ، كالإتلاف في حال النوم أو باعتقاد أنّه مال النفس .
هذا ، ولكن ربما يقال بأنّ الرواية الواردة في المقام ـ وهي موثّقة السكوني
(الصفحة 243)
المتقدّمة(1) ـ ظاهرة بل صريحة في حلّية بقيّة المال بعد إخراج الخمس له ، فالمالك الحقيقي قد أوجب إخراج الخمس ولو مقدّمة لتطهير الباقي وحكم بثبوت الباقي له .
ويمكن المناقشة في ذلك بعدم ثبوت الإطلاق لها من هذه الجهة; لعدم كونها في مقام البيان من هذه الحيثية ، ولعلّه لأجل ما ذكر حكم في المتن بوجوب الغرامة له على سبيل الاحتياط الوجوبي وإن كان المذكور في كلام السيّد في العروة الضمان بنحو الفتوى(2) .
وقد ذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّه لا ضمان هنا للدليل المذكور ولا في مجهول المالك لعدم ورود الحكم بالضمان في شيء من روايات التصدّق بمجهول المالك ، ولا موجب له بعد أن كان الإتلاف مستنداً إلى إذن الوليّ الشرعي بالتصدّق من قبل المالك .
نعم ، قال في باب اللقطة ما ملخّصه: أنّه قد ورد الأمر بالتصدّق وأنّه لو ظهر المالك بعد التصدّق ، فإن رضي بالتصدّق فهو ، وإن طالبه ضمن ، إلاّ أنّ هذا الضمان يغاير الضمان الثابت بقاعدة الإتلاف ، كيف؟! وإلاّ لكان ضامناً حتّى قبل أن يوجد صاحبه ، ولكان اللازم الإخراج من التركة ريثما يوجد صاحبه ، فلابدّ من الإيصاء بذلك ، وهو كما ترى ، بل هذا الضمان إنّما يتحقّق بمجرّد مطالبة المالك وتعبّد من الشارع ، فلا ضمان قبل المطالبة ولا أثر للإتلاف الحاصل بالتصدّق بعد أن كان مستنداً إلى إذن الولي(3) .
قلت : إنّ مجرّد الاستناد إلى الإذن لا يوجب رفع الحكم الوضعي الثابت بقاعدة
- (1) في ص214 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 384 مسألة 33 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 161 ـ 162 .
(الصفحة 244)
الإتلاف كالمثال المتقدّم ، ونظيره مذكور في باب الحج(1); من أنّ جواز لبس المخيط للرجال لأجل الضرورة مثلاً لا يلازم عدم ثبوت الكفّارة له ، إلاّ أنّ العمدة في الدليل إطلاق الموثّقة المذكورة ، بل ظهور رواية عمّار(2) في أنّ الباقي بعد التخميس لأجل الاختلاط إنّما هو له كسائر الاُمور المتعلّقة للخمس المذكورة فيها ، بضميمة أنّ المراد من قوله : «إذا لم يعرف صاحبه» لا يكون هو عدم عرفانه أصلاً ولو للتالي ، وإلاّ فتحقّق موضوع الخمس غير معلوم; لعدم العلم بعدم عرفان الصاحب فيما بعد إلى آخر العمر ، بل وبعده أيضاً . اللّهمّ إلاّ أن يتمسّك في ذلك بالاستصحاب ، وهو كما ترى .
وكيف كان ; فالعمدة إنّما هي الإطلاق ، ولكن إحرازه مشكل كما عرفت ، فمقتضى الاحتياط الضمان كما أفاده في المتن .
بقي في أصل المسألة فرعان :
الأوّل : أنّه لو علم بعد إخراج خمس المختلط أنّ الحرام الواقعي كان أقلّ من الخمس ، فهل يجوز له استرداد الزيادة ممّن دفع الخمس إليه أم لا؟ ظاهر المتن عدم جواز الاسترداد ، وقد استدلّ لذلك بإطلاقات الأدلّة الشاملة لصورة انكشاف الزيادة ، مضافاً إلى أنّ التخميس كان لأجل جواز التصرّف في الباقي بعد أن كان مقتضى العلم الإجمالي الاحتياط بالاجتناب عن الجميع . وعليه فلم تذهب تلك الزيادة عبثاً وبلا عوض ، وإلى أنّ التخميس كان بأمر الشارع مع اعتبار قصد القربة فيه ، خصوصاً بناءً على اتّحاد السنخ في الجميع ، وقد ثبت من قولهم (عليهم السلام) : «إنّ
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب الحجّ) 4 : 77 .
- (2) تقدّمت في ص209 ـ 210 .