(الصفحة 246)
بالباقي وربح زائداً على مؤونة السنة ، فإنّه يجب عليه الخمس ثانياً للأرباح ، كما لا يخفى .
هذا ، ويمكن أن يقال بشمول الإطلاقات ، خصوصاً موثّقة السكوني ـ المشتملة على التعليل بقوله : فإنّ الله قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال(1) ـ لصورة تبيّن زيادة الحرام على الخمس المدفوع; وذلك لأنّ مرجعها إلى ثبوت معاوضة شرعيّة قهريّة بين الحرام وبين مقدار الخمس مطلقاً ، وهذه المعاوضة ثابتة من ناحية من له الولاية الشرعية الكلّية ، وهو الله ـ تبارك وتعالى ـ الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، فإذا فرض أنّ الحرام أقلّ من الخمس بل عشر الخمس مطلقاً ، فكيف لا يجوز له استرداد الزيادة من وليّ الخمس ، كذلك لو تبيّن له بعد أداء الخمس أنّه أزيد منه ولو بكثير ، فإنّه على تقدير ثبوت المعاوضة الشرعيّة القهريّة لا فرق بين الموردين ، فأيّ فرق بين ما إذا تبيّن له بعد ذلك أنّ منّاً من الصبرة المشتملة على مائة منٍّ كان حراماً والباقي له في الواقع ، وبين ما إذا تبيّن له بعد ذلك أنّ منّاً واحداً منها كان حلالاً والباقي حراماً؟ ودعوى الانصراف مشتركة بين الصورتين ، كما أنّ دعوى الإطلاق كذلك .
وبالجملة: لا يرى فرق بين الموردين .
والحقّ أن يقال بأنّ الفرق بين هذا الأمر المتعلّق للخمس ، وبين سائر الاُمور المتعلّقة له وإن كان موجوداً من جهة أنّ ثبوت الخمس في هذا الأمر إنّما هو لتطهير المال وتحليله ، ولا دلالة له على ملكيّة الجميع مع قطع النظر عن الخمس كما في سائر الموارد ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ مقتضى الإطلاق الوارد في هذا القسم الشمول لما إذا
(الصفحة 247)
مسألة 33 : لو تصرّف في المال المختلط بالحرام بالإتلاف قبل إخراج الخمس تعلّق الحرام بذمّته ، والظاهر سقوط الخمس ، فيجري عليه حكم ردّ المظالم ، وهو وجوب التصدّق ، والأحوط الاستئذان من الحاكم ، كما أنّ الأحوط دفع مقدار الخمس إلى الهاشمي بقصد ما في الذمّة بإذن الحاكم ، ولو تصرّف فيه بمثل البيع يكون فضوليّاً بالنسبة إلى الحرام المجهول المقدار ، فإن أمضاه الحاكم يصير العوض ـ إن كان مقبوضاً ـ متعلّقاً للخمس; لصيرورته من المختلط بالحرام الذي لا يعلم مقداره ولم يعرف صاحبه ، ويكون المعوّض بتمامه ملكاً للمشتري . وإن لم يمضه يكون العوض المقبوض من المختلط بالحرام الذي جهل مقداره وعلم صاحبه ، فيجري عليه حكمه . وأمّا المعوّض فهو باق على حكمه السابق ، فيجب تخميسه ، ولوليّ الخمس الرجوع إلى البائع ، كما أنّ له الرجوع إلى المشتري بعد قبضه1 .
تبيّن له بعد ذلك مساواة الحرام الواقعي للخمس ، أو كونه أزيد منه ، أو أنقص ، بعدما أشرنا إليه من الظهور في معاوضة شرعية قهرية بين الحرام الواقعي والخمس مطلقاً .
وعليه ، فلا تصل النوبة إلى التصدّق ولو علم مقدار الزيادة ، كما لا يجوز له الاسترداد ولو علم مقدار النقصان ، فتأمّل .
إلاّ أن يقال بعدم ثبوت الإطلاق بالإضافة إلى شيء من الموردين ، وهو كما ترى . ودعوى كون إيجاب التخميس مراعىً بعدم تبيّن الخلاف ممنوعة جدّاً ، وعلى تقديرها فما الفرق بين تبيّن الزيادة وبين تبيّن النقيصة كما لا يخفى . اللّهم إلاّ أن يتشبّث في الفرق بسائر الوجوه ، كما لا يخفى .
1 ـ لو تصرّف في الحلال المختلط بالحرام قبل إخراج الخمس الموجب لحلّية
(الصفحة 248)
الباقي ، فتارةً يكون التصرّف بالإتلاف ، واُخرى يكون بمثل البيع ، فهنا صورتان :
أمّا الصورة الاُولى: فقد مرّ الكلام فيها(1) ، وأنّ إتلاف المال المختلط قبل اداء الخمس يوجب الانتقال إلى الذمّة بالإضافة إلى الحرام الواقعي; لأنّه قبل الإتلاف لم يؤدّ الخمس المأمور به لأجل تحليل الباقي وتطهيره ، وبعد الإتلاف لم يبق موضوع المال المختلط ، فمقتضى قاعدة الاتلاف ضمان الحرام الواقعي ، فهو مشغول الذمّة للمالك الواقعي المجهول ، فيجب عليه التصدّق له بعنوان ردّ المظالم . وقد عرفت(2) أنّ الأحوط الاستئذان من الحاكم بل الاحتياط هنا أشدّ من الاحتياط في مجهول المالك; لأنّ تعيّن المال الكلّي الثابت في الذمّة فيما يتصدّق به لا يتحقّق بدون إذن الحاكم الذي هو وليّ له لكونه مجهولاً .
ثمّ إنّه احتاط استحباباً بدفع مقدار الخمس إلى الهاشمي بإذن الحاكم بقصد ما في الذمّة ، يعني الأعمّ من الخمس والصدقة ، ولم يدلّ دليل على حرمة التصدّق إلى الهاشمي في غير باب الزكاة ، ولعلّ السرّ فيه احتمال عدم سقوط الخمس بمجرّد البيع ، وتحقّق الشركة بنحو الإشاعة بعد حصول الاختلاط .
ولكنّك عرفت عدم ثبوت هذا الاحتمال في هذا الأمر ، بل الخمس فيه إنّما هو لتطهير البقيّة وتحليلها في مقابل القاعدة الموجبة للاجتناب عن الجميع; لكونه من الشبهة المحصورة ، وعليه فلا مجال لهذا الاحتياط; لأنّه ما دام كونه مختلطاً لم يؤدّ خمسه لأن يصل إلى ذلك المنظور ، وبعد الإتلاف انتقل المثل أو القيمة إلى الذمّة ولم يبق موضوع الاختلاط ، كما لا يخفى .
- (1) في ص242 ـ 243 .
- (2) في ص229 ـ 230 .
(الصفحة 249)
ودعوى أنّه يمكن أن يكون الوجه في الاحتياط الأمر بالتصدّق بالخمس في نقل الوسائل للموثّقة(1) ، مدفوعة بعدم إشعار شيء من كلامه إلى هنا بذلك .
وأمّا الصورة الثانية : فالحكم بالإضافة إلى عدم ثبوت الخمس عليه كما مرّ في الصورة الاُولى ، لكن البيع يصير فضوليّاً بالإضافة إلى الحرام الواقعي المجهول المشتمل عليه المبيع; لعدم صدوره بإذن المالك . غاية الأمر أنّه حيث يكون المالك مجهولاً يتوقّف على إجازة الحاكم الشرعي وإمضائه ، فإن لم يمضه يثبت للمشتري خيار تبعّض الصفقة ، ومع عدم إعمال الخيار يكون المال في يده من الحلال المختلط بالحرام مع إحراز كونه كذلك قبل المعاملة ، وإن أمضاه يكون المبيع بتمامه ملكاً للمشتري ، ويصير العوض في صورة كونه مقبوضاً للبائع كالمعوّض قبل البيع في كونه من الحلال المختلط بالحرام ، فيترتّب عليه حكمه ، ولوليّ الخمس الرجوع إلى البائع في هذا الفرض ، كما أنّ له الرجوع إلى المشتري في الفرض الآخر الذي صار المبيع مقبوضاً له ، ولكن أصل جواز الرجوع إلى البائع أو المشتري مشكل; لمّا عرفت من أنّ تعلّق الخمس بهذا الأمر ليس كتعلّقه بسائر الاُمور المتعلّقة للخمس في ثبوت الشركة مثلاً ، بل الخمس إنّما يؤثِّر في تحليل الباقي وتطهيره في مقابل القاعدة المقتضية لوجوب الاجتناب عن الجميع ، فتأمّل .
- (1) أي موثّقة السكوني المتقدّمة في ص214 .
(الصفحة 250)