(الصفحة 270)
هذا ، ولكن ذكر صاحب العروة أنّه يجوز للمالك دفعه إليهم بنفسه ، ولكن الأحوط فيه أيضاً الدفع إلى المجتهد أو بإذنه(1) . وذكر بعض الأعلام (قدس سره) في شرحها ما يرجع محصّله إلى أنّ الظاهر أنّ للمالك مباشرة التقسيم بنفسه من دون مراجعة الحاكم الشرعي; لما ورد في الزكاة من ثبوت ولاية التعيين للمالك; معلّلاً بأنّه أعظم الشريكين ، ومع التنازل فهذا مال مشترك مع السادة لا حاجة في مثله إلى مراجعة الشريك ومطالبته بالقسمة; لأنّ الشركة من قبيل الشركة في المالية أو الكلّي في المعيّن . نعم ، بناءً على الإشاعة والشركة الحقيقيّة يطالب الشريك بالقسمة إن كان شخصاً خاصّاً ، وأمّا إذا كان عنواناً كلّياً كما في المقام ، فإنّه يراجع وليّه وهو الحاكم الشرعي إن أمكن ، وإلاّ فعدول المؤمنين .
وكيفما كان ، فالذي يتوقّف على المراجعة إلى مثل الحاكم على تقديره إنّما هي القسمة وأمّا الإعطاء والدفع إلى الفقير فلا يحتاج إلى الاستجازة من الحاكم الشرعي; لعدم الدليل على ذلك ، بل يمكن أن يقال كما لايبعد بأنّ الأمر كان كذلك حتّى في زمن الحضور ، فإنّ جواز الإعطاء إلى الإمام(عليه السلام) لا يكون مانع منه ، وأمّا وجوبه فكلاّ(2) ، انتهى .
وما تقدّم من الدليل على لزوم المراجعة إلى الحاكم من الدليل أو شبه الدليل كاف في إثبات ذلك بالنسبة إلى سهم السادة أيضاً ، فتدبّر .
لا يقال: إنّ العلّة المنصوصة الواردة في باب الزكاة لا يمكن التخلّف عنها ، فإنّه يقال: لا مجال للأخذ بها وإلاّ لكان اللازم تقديم أعظم الشريكين مطلقاً .
- (1) العروة الوثقى 2 : 405 مسألة 7 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 329 ـ 330 .
(الصفحة 271)
مسألة 8 : الأقوى جواز نقل الخمس إلى بلد آخر ، بل ربما يترجّح عند وجود بعض المرجّحات حتّى مع وجود المستحقّ في البلد; وإن ضمن حينئذ لو تلف في الطريق أو البلد المنتقل إليه ، بخلاف ما إذا لم يوجد فيه المستحقّ ، فإنّه لا ضمان عليه . وكذا لو كان النقل بإذن المجتهد وأمره ، فإنّه لا ضمان عليه حينئذ حتّى مع وجود المستحقّ في البلد ، وربما وجب النقل لو لم يوجد المستحقّ في البلد ولم يتوقّع وجوده بعدُ ، أو أمر المقلّد بالنقل ، وليس من النقل لو كان له دين على من في بلد آخر فاحتسبه مع إذن الحاكم الشرعي1.
1 ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لأمرين :
الأمر الأوّل : في جواز نقل الخمس إلى بلد آخر بالمعنى العام في مقابل العدم أي الحرمة ، وهو قد يكون مع وجود المستحقّ في البلد فعلاً أو قوّة بالقوّة القريبة ، وقد يكون مع عدمه كذلك أي لا بالفعل ، ولا يتوقّع وجوده بعدُ .
وقبل التعرّض لبيان هذا الحكم التكليفي لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّ تحقّق عنوان نقل الخمس موضوعاً إنّما يتوقّف إمّا على القول بجواز عزل الخمس لمن يجب عليه ، كما في باب الزكاة على ما نطقت به الروايات(1) ، وهو لم ينهض عليه دليل ولا يساعده قاعدة ، سيّما على القول بالإشاعة والشركة ، إذ التخصيص لابدّ من أن يقع بإجازة الجميع ، وإمّا على فرض تعيّنه في مال مخصوص بقبض الحاكم وتعيينه ثمّ الإبقاء تحت يده ليصرفه في مصرفه ، وإمّا على فرض نقل جميع المال المشتمل على الخمس ، كما لو فرض أنّ ما استخرجه من المعدن مع تعلّق الخمس به للبلوغ حدّ النصاب ـ على ما عرفت ـ نقل جميعه إلى بلد آخر ، وإمّا على
- (1) الوسائل 9 : 285 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب39 .
(الصفحة 272)
الفروض المشابهة .
وكيف كان ، فالدليل على الجواز وثبوت هذا الحكم التكليفي أمّا في فرض عدم وجود المستحقّ في البلد لا فعلاً ولا قوّة بالقوّة القريبة فواضح ; لعدم نهوض دليل على المنع ، مضافاً إلى استلزام المنع للتلف أحياناً ، وإلى محروميّة المستحقّين مع وجودهم في البلد الآخر ، والمسامحة في أداء الواجب غير جائزة ، ففي الحقيقة يكون النقل في مثل هذه الموارد واجباً ، لا أنّه غير محرّم فقط ، كما لا يخفى .
وأمّا في فرض وجود المستحقّ في البلد ـ خصوصاً فعلاً ـ فالمنع المتوهّم تارةً حصول المسامحة في أداء التكليف في فرض النقل ، واُخرى عدم رضى المستحقّين في البلد كما هو الغالب ، والأوّل غير مانع ، خصوصاً فيما لو كان النقل موجباً لأسرعيّة أداء الخمس إلى المستحقّ ، والثاني أيضاً كذلك; لعدم مدخلية رضى خصوص المستحقّين في البلد ; لأنّ المالك هو الطبيعي لا الشخص ، والمفروض الدفع إلى المستحقّ في البلد الآخر . نعم ، لا يبعد أن يكون وجوده في البلد مرجّحاً يكون الأولى ملاحظته ، لا أنّه واجب كما عرفت .
الأمر الثاني : في ثبوت الحكم الوضعي وهو الضمان وعدمه ، والظاهر أنّه لا وجه للضمان في صورة عدم وجود المستحقّ في البلد أصلاً كما عرفت ، كما أنّه لا وجه للضمان في صورة كون النقل بإذن الحاكم الشرعي .
وأمّا في غير هاتين الصورتين فقد استظهر ثبوت الضمان بقرينة صحيحة محمّد بن مسلم المشتملة على عطف الوصيّ ، وأنّه إذا وجد ربّ المال المأمور بدفعه إليه فأخّر ضمن وإلاّ فلا ، بدعوى أنّ الحكم جار في كلّ حقّ ماليّ يجب إيصاله إلى أهله ، حيث إنّه قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت ، هل عليه ضمانها حتّى تقسّم؟ فقال : إذا وجد لها موضعاً فلم يدفعها فهو
(الصفحة 273)مسألة 9 : لو كان المجتهد الجامع للشرائط في غير بلد الخمس يتعيّن نقل حصّة الإمام (عليه السلام) إليه ، أو الاستئذان منه في صرفها في بلده ، بل الأقوى جواز ذلك لو وجد المجتهد في بلده أيضاً لكنّه ضامن إلاّ إذا تعيّن عليه النقل ، بل الأولى والأحوط النقل إذا كان من في البلد الآخر أفضل ، أو كان هنا بعض المرجّحات ، ولو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مقلَّده يتعيّن النقل إليه ، إلاّ
لها ضامن ـ إلى أن قال : ـ وكذلك الوصي الذي يوصى إليه يكون ضامناً لما دُفع إليه إذا وجد ربّه الذي أمر بدفعه إليه ، فإن لم يجد فليس عليه ضمان(1) ، فإنّ مقتضى عطف الوصي ما ذكرنا .
ومن الواضح أنّ الحكم فيما إذا لم يكن هناك تعدّ ولا تفريط ، وإلاّ فلا إشكال في ثبوت الضمان ; لأنّ الأمين لا يكون ضامناً مع فرض عدم التعدّي والتفريط ، كما هو المبحوث عنه في الكتب الموضوعة في القواعد الفقهيّة .
نعم ، مقتضى بعض الروايات الواردة في الزكاة عدم ضمانها بعد عزلها ، لكنّها مختصّة بباب الزكاة ولا تجري في غيرها(2) .
ثمّ إنّه ذكر في الذيل أنّه لو كان له دين على المستحقّ في البلد الآخر فاحتسبه بإذن الحاكم الشرعي لا يكون هذا من النقل بوجه ; لأنّ مجرّد الاحتساب كذلك لا يوجب تحقّق النقل ولا يصدق هذا العنوان بوجه ، سواء قيل بالجواز في النقل أو بعدمه ، وسواء كان النقل موجباً للضمان أو عدمه ، وسواء كان المستحقّ موجوداً في البلد أم لا .
- (1) الكافي 3 : 553 ح1 ، التهذيب 4 : 47 ح125 ، الوسائل 9 : 285 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب39 ح1 .
- (2) الوسائل 9 : 286 ، أبواب المستحقّين للزكاة ب39 ح3 و4 .
(الصفحة 274)
إذا أذن في صرفه في البلد ، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده موافقاً مع نظر مقلَّده ، أو كان يعمل على طبق نظره1 .
1 ـ عمدة النظر في المسألة السابقة كانت بالإضافة إلى نصف الخمس الذي هو سهم للسادة العظام ، وأمّا في هذه المسألة يكون النظر إلى النصف الآخر الذي هو سهم الإمام(عليه السلام) ، وإن كان يبدو في النظر أنّه لا وجه لتكرير المسألة وجعلها متعدّدة ، خصوصاً مع عدم إشعار المسألة السابقة بالاختصاص بسهم السادة; للتعبير منها بالخمس الذي هو أعمّ من سهم الإمام(عليه السلام) ، ومع أنّ الأقوى في نظره أنّ أمر سهم السادة بيد الحاكم أيضاً ، وخصوصاً مع وجود بعض التهافتات في المسألتين ، مثل مسألة الضمان في بعض الفروض وعدمه مع اشتراك الدليل ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
وكيف كان ، فملخّصها أنّه لو كان المجتهد الذي في البلد الآخر مرجع تقليده ، إمّا لانحصاره ، أو لتعيّن تقليده عليه لكونه أعلم مثلاً ، أو جوازه بناءً على عدم تعيّن تقليد الأعلم مثلاً يتعيّن النقل إليه في صورة الإمكان ، إلاّ إذا أذِن في صرفه في البلد ، أو كان المصرف في نظر مجتهد بلده متّحداً معه ، أو كان يعمل على طبق نظره ، وقد مرّ أنّ المراد من اتّحاد المصرف هو الاتّحاد من جميع الجهات حتّى من جهة الكيفيّة والكمّية .
وإن لم يكن مرجع تقليده ، كما لو فرض أنّه أجاز له أن يصرف في أيّ مجتهد شاء ، فلو نقله لأن يصرفه في مجتهد في بلد آخر مع وجوده في البلد ، فالظاهر هو الجواز من جهة الحكم التكليفي .
وأمّا من جهة الحكم الوضعي أي الضمان فقد فصّل في المتن فيه بين صورة تعيّن النقل وعدمه ، كما إذا كان المال في بلده في معرض تلف السرقة ونحوها ولم يمكن