(الصفحة 286)
منه ، كالجمع بين الملكيّة الاعتبارية لنا بالنسبة إلى مثل الثوب والدار ، مع أنّنا وجميع ما يتعلّق بنا ملك حقيقي لله تعالى على ما هو مفاد
{إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(1) وكان شائعاً في الأزمنة السابقة كتابة هذا الشعر الفارسي على جدار السيّارة حكاية عن مالكها :
- در حقيقت مالك اصلى خداست
در حقيقت مالك اصلى خداست
-
بهر روزى اين امانت نزد ماست
بهر روزى اين امانت نزد ماست
فكما أنّه لا مانع من أن يكون الشيء مملوكاً باعتبارين: الحقيقي والاعتباري ، كذلك لا مانع من اجتماع الجهتين بالإضافة إلى المالك ، والعلّة في عدم انتقال سهم الإمام(عليه السلام) إلى وارث الرسول أو الإمام إنّما هي كون المالك هي حيثيّة الرسالة والإمامة بالحيثيّة التقييديّة المانعة عن الانتقال إلى الوارث بما هو وارث ، فملكيّة الإمام لسهم الإمام وإن كانت ملكية اعتبارية ، إلاّ أنّها لا تنتقل إلى جميع الورثة كالدار المملوكة له مثلاً ، وإذا بنينا على ذلك يصير الطريق إلى ملكية السادة لسهم السادة سهلاً لا يكون مخالفاً لاتحاد السياق بوجه ; لأنّ المفروض كون الملكيّة في الجميع على نسق واحد .
وهذا بخلاف ما إذا قلنا بتغاير الملكيّتين ، فإنّه مخالف لاتحاد السياق ، وقد أشرنا في أوّل كتاب الخمس إلى هذه الجهة ، وهذا كما في التعبير بـ «اللاّم» و«على» الشائع استعماله فينا في مثل الدين ، كقوله: «لزيد على عمرو كذا» ولكن هذا التعبير وقع في الكتاب بالإضافة إلى بعض العبارات كالحجّ في قوله تعالى :
{وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ
- (1) سورة البقرة 2 : 156 .
(الصفحة 287)
الْبَيْتِ}(1) فإنّ المورد وإن كان فعلاً من أفعال المكلّف ، إلاّ أنّه لا ينافي مع كونه بجميع شؤونه وأفعاله ملكاً له تعالى ، ومع ذلك يكون المكلّف مديوناً له تعالى .
فانقدح أنّه لا مانع من أن تكون الملكية في الجميع ملكيّة اعتبارية ، كما لايخفى .
لكنّ الكلام في أنّه يجب البسط بالإضافة إلى الأصناف بل الأفراد ، فقد صرّح المشهور بعدم الوجوب في الأوّل ، والظاهر أنّه لا خلاف في عدم لزوم البسط في الثاني(2) ; لعدم إمكانه أصلاً ، ضرورة أنّ دفع الخمس إلى جميع أفراد الأصناف الثلاثة سواء كانوا في البلد أو غيره غير ممكن ، خصوصاً مع ما عرفت من الضمان في بعض مصاديق النقل من البلد إلى بلد آخر كما مرّ (3) . والظاهر عدم لزوم البسط على الأصناف أيضاً وإن كان ربما يتوهّم أنّ ظاهر الآية ذلك; لقلّة ابن السبيل في نفسه ، بل عدمه أحياناً وقيام السيرة على عدم الوجوب ، فيستفاد من ذلك أنّ المالك هو الكلّي الجامع بين الأصناف الثلاثة وهم الفقراء المحتاجون من أقرباء بني هاشم ، وعليه فيكون كلّ صنف مصرفاً له يجوز صرف نصف الخمس إليه بمقدار مؤونة سنته كما تقدّم .
ومنه يظهر عدم إمكان تحقّق الاستطاعة الموجبة لحجّة الإسلام من طريق أداء الخمس إليه; لعدم كونه جزءاً من المؤونة .
الأمر الرابع : في نقل جملة من أخبار التحليل :
منها : صحيحة الفضلاء ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم; لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ، ألا وإنّ
- (1) سورة آل عمران 3 : 97 .
- (2) كفاية الأحكام: 44 ، مستند الشيعة 10 : 99 ـ 100 .
- (3) في ص272 ـ 273 .
(الصفحة 288)
شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلٍّ(1) . وفي العلل(2) : وأبناءَهم بدل وآباءهم .
ومنها: صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) حلّلهم من الخمس ـ يعني الشيعة ـ ليطيب مولدهم(3) . والظاهر عدم كونها رواية اُخرى كما نبّهنا عليه مراراً في نظائرها .
ومنها : رواية الحارث بن المغيرة النصري قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فجلست عنده ، فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له ، فدخل فجثا على ركبتيه ، ثمّ قال : جعلت فداك إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة والله ما اُريد بها إلاّ فكاك رقبتي من النار ، فكأنّه رقّ له فاستوى جالساً ـ إلى أن قال ـ : اللّهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا . . . الخ(4) .
وقد وقع التعبير عنها في محكيّ الحدائق بالموثّقة(5) ، وهو يتمّ على أنّ الوقوع في أسناد كتاب كامل الزيارات كاف في اعتبار الرواية ووثاقة الراوي ، وقد مرّ البحث عنه مراراً .
وفي مقابلها طائفتان اُخريان من الروايات :
إحداهما : ما تدلّ على إباحة الخمس للشيعة إباحة مطلقة بلا قيد ولا شرط ، ومقتضاها الإباحة ولو انتقل إليهم من شيعة أُخرى ، مثل رواية داود بن كثير
- (1) التهذيب 4 : 137 ح386 ، الاستبصار 2 : 58 ح191 ، المقنعة : 282 ، الوسائل 9 : 543 ، أبواب الأنفال ب4 ح1 .
- (2) علل الشرائع : 377 ب106 ح2 .
- (3) علل الشرائع : 377 ب106 ح1 ، الوسائل 9 : 550 ، أبواب الأنفال ب4 ح15 .
- (4) التهذيب 4 : 145 ح405 ، الوسائل 9 : 549 ، أبواب الأنفال ب4 ح14 .
- (5) الحدائق الناضرة 12 : 431 .
(الصفحة 289)
الرقي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سمعته يقول : الناس كلّهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلاّ أنّا أحللنا شيعتنا من ذلك(1) .
ثانيتهما : ما تدلّ على عدم الإباحة مطلقاً ، مثل ما رواه المفيد في المقنعة عن أبي بصير ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله فإنّ لنا خمسه ، ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا نصيباً(2) .
نعم ، يوجد في الروايات(3) ما هو بمنزلة الطائفة الرابعة ، وهي ما تدلّ على التحليل بالإضافة إلى من انتقل إليه الخمس ، فيثبت في ذمّة من انتقل عنه بخلاف الزكاة الثابتة على من انتقل إليه .
ومقتضى الجمع بينهما ـ خصوصاً بعد ملاحظة آية الخمس وأنّ مشروعيّته لا تكون في مرحلة الإنشاء كما يدلّ عليه فعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وكما لعلّه يدلّ عليه التعبير بالإباحة الظاهر في أنّه لولا الإباحة لكان اللازم الأداء ، كما أنّ الإباحة بالنسبة إلى الخمس بأجمعه ظاهر في أنّ أمر سهم السادة أيضاً بيد الإمام ، وإلاّ لكان اللازم تخصيص دائرة الإباحة بسهم الإمام(عليه السلام) ، فتدبّر ـ ما أفاده في المتن من التحليل لخصوص الشيعة في صورة تحقّق الانتقال إليه من مثل المخالف الذي لا يعتقد الخمس ، من دون فرق بين الموارد المذكورة في المتن من المتاجر والمساكن والمناكح وغيرها .
هذا ، وأمّا مسألة جوائز السلطان وقبول عطاياه وتقبّل الأراضي الخراجية منه
- (1) الفقيه 2 : 24 ح90 ، التهذيب 4 : 138 ح388 ، الوسائل 9 : 546 ، أبواب الأنفال ب4 ح7 .
- (2) المقنعة : 280 ، الوسائل 9 : 542 ، أبواب الأنفال ب3 ح10 .
- (3) الوسائل 9 : 544 ، أبواب الأنفال ب4 ح4 .
(الصفحة 290)
والمقاسمة معه فتفتقر إلى مجال واسع ، وعمدة البحث فيها في باب المكاسب المحرّمة كما في متاجر الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)(1) .
الأمر الخامس : أنّه لا يكاد يتعلّق الخمس بالخمس ، ضرورة أنّ ظاهر الآية تعلّق الخمس بما ينطبق عليه عنوان «ما غنمتم» في نفسه ، وأمّا الغنيمة الحاصلة بلحاظ الخمس المتعلّق بالغنيمة فلا يكاد تشملها الآية بوجه .
وأمّا الاستطاعة المالية الموجبة لحجّة الإسلام فلا تكاد تتحقّق للسادة من ناحية سهمهم; لما عرفت من أنّه يعتبر فيه أن لا يكون زائداً على مؤونة السنة ، والحجّ لا يكون منها ، وأمّا بالإضافة إلى سهم الإمام(عليه السلام) فهو تابع لما يراه مرجعه مصلحة ومرضيّاً له(عليه السلام) ، فإذا رأى المصلحة في إعزام جمع أو جماعة خاصّة للحجّ لإراءة شخصيات الشيعة لسائر المسلمين ، أو لأن لا يخلو الحجّ من الأعمال الصحيحة المطابقة لمكتب الشيعة وفقه الأئمّة (عليهم السلام) ، فلا مانع من القول بحصول الاستطاعة الموجبة لحجّة الإسلام لهم ، وأمّا وجوب الحجّ من ناحية ذخيرة بعض لسهم الإمام والقناعة في أمر المعاش بمقدار تحصل الاستطاعة فالظاهر العدم ، ولذا نرى أنّ بعض المراجع من الماضين لم يتصدّ للحجّ مع ثبوت القدرة المالية له أضعاف الاستطاعة ، فتدبّر .
- (1) كتاب المكاسب «تراث الشيخ الأنصاري» : 165 ـ 210 .