(الصفحة 33)
ولكن صاحب العروة(1) قد صرّح بإلحاقهما بالفوائد المكتسبة، واحتاط فيهما بإخراج الخمس منهما مطلقاً .
أقول : أمّا دعوى إخراج الخمس من الغنيمة والسرقة غير ما مرّ سابقاً من جهة الغنيمة، لا من جهة الفائدة المكتسبة التي يراعى فيها زيادة المؤونة عن السنة مدفوعة، فإنّ الظاهر أنّ تعلّق الخمس بهما من جهة الفائدة، والآية الدالّة على ثبوت الخمس في الغنيمة وإن لم يظهر منها ما ذكر من زيادة المؤونة عن السنة ، بل ظاهرها تعلّق الخمس بنفس الغنيمة مطلقاً ، إلاّ أنّ الدليل الدالّ على التقييد إنّما وقع بالإضافة إلى أرباح المكاسب وشبهها لا مطلقاً، فلا وجه للحكم بثبوت الخمس فيهما كذلك ، بل الظاهر جواز رعاية ما زاد على السنة .
وأمّا الربا، فإن قلنا بجواز أخذها من الكافر الحربي كما هو المشهور(2) فالظاهر أنّها من الفوائد المكتسبة، ولا مجال لاحتمال كونها غنيمة وإن لم نقل بجوازه، كما عن المحقّق السبزواري(3) وتبعه بعض الأعلام (4); نظراً إلى إطلاق آية
{وَحَرَّمَ الرِّبَوا}(5) وكون المقيّد رواية ضعيفة، فالظاهر أنّ جواز التصرّف فيها مبنيّ على جواز استملاك مال الكافر الحربي بأيّ طريق ومن أيّ نحو كان، وإلاّ فلا يجوز الاستملاك ولا يتعلّق به الخمس ، والتحقيق في بحث الربا .
- (1) العروة الوثقى 2 : 368 مسألة 1 .
- (2) النهاية : 376 ، السرائر 2 : 252 ، المهذّب 1 : 372 ، شرائع الإسلام 2 : 46 ، رياض المسائل 8 : 306 ، تذكرة الفقهاء 10 : 207 .
- (3) كفاية الأحكام : 99 .
- (4) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 25 .
- (5) سورة البقرة 2: 275.
(الصفحة 34)
وعلى أيّ فعلى تقدير تعلّق الخمس لا مجال لدعوى كونها غنيمة غير مراعى فيها زيادة المؤونة عن السنة ، وأمّا الدعوى الباطلة في مقام الثبوت فالفرق بينها وبين الغيلة غير واضح ; لأنّها من مصاديق الغيلة، وعلى تقدير العدم فالفرق بينهما من حيث الحكم خال عن الملاك والوجه; لاشتراكهما في أخذ مال الحربي من غير حرب .
الجهة الثامنة : في اعتبار بلوغ النصاب في الغنيمة الاصطلاحية وهو بلوغ عشرين ديناراً وعدمه ، ففي المتن أنّ الأصحّ عدم اعتبار بلوغ النصاب، وقد تبع في ذلك المشهور(1) وخالف المفيد في العزّية(2)، ولم يعرف له موافق كما في الجواهر(3)، ولا مستند حتّى رواية ضعيفة، فالمتّبع حينئذ الإطلاقات الدالّة على لزوم التخميس من غير دلالة على اعتبار النصاب بوجه .
الجهة التاسعة : أنّه يعتبر في الغنيمة المتعلّقة للخمس أن لا يكون من مال مسلم أو ذمّي أو معاهد ممّن يكون ماله محترماً قد وقع تحت اختيار الكافر الحربي وسلطته; ضرورة احترام تلك الأموال، ولا يخرج عن الاحترام بمجرّد الوقوع تحت يد الكافر الحربي . نعم ، لو أخذ من كافر حربي آخر ولو لم يكن مرتبطاً بهذا الحرب ـ لما ذكرنا من جواز استملاك مال الكافر الحربي وعدم ثبوت الاحترام لأمواله ـ لكان الثابت فيه الخمس، وهذا هو المشهور(4)، ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى
- (1) مختلف الشيعة 3: 191، اللمعة الدمشقية: 25، ذخيرة المعاد: 477، مستند الشيعة 10: 57.
- (2) حكاه عنه في مختلف الشيعة 3 : 191 مسألة 148 .
- (3) جواهر الكلام 16 : 13 .
- (4) السرائر 1 : 485 ، شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، جواهر الكلام 16 : 13 .
(الصفحة 35)
الشيخ(1) والقاضي(2)، حيث ذهبا إلى أنّ الغنيمة حينئذ للمقاتلين، ويجب على الإمام ردّ الثمن إلى صاحبها الذي يكون من محترمي المال مسلماً كان أو ذمّياً أو غيرهما .
ويدلّ على المشهور ـ مضافاً إلى أنّه مقتضى القاعدة لوجوب ردّ مال المسلم ومثله إلى صاحبه، خصوصاً مع تعيّنه والعلم به ـ صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سأله رجل عن الترك يغيرون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم أيردّ عليهم؟ قال : نعم ، والمسلم أخو المسلم، والمسلم أحقّ بماله أينما وجده(3) .
وبإزاء هذه الرواية روايات :
منها : مرسلة هشام بن سالم، عن بعض أصحاب أبي عبدالله، عن أبي عبدالله(عليه السلام)في السّبي يأخذ العدوّ من المسلمين في القتال من أولاد المسلمين أو من مماليكهم فيحوزونه ، ثمّ إنّ المسلمين بعد قاتلوهم فظفروا بهم وسبوهم وأخذوا منهم ما أخذوا من مماليك المسلمين وأولادهم الذين كانوا أخذوهم من المسلمين ، كيف يصنع بما كانوا أخذوه من أولاد المسلمين ومماليكهم؟ قال : فقال : أمّا أولاد المسلمين فلا يقامون في سهام المسلمين، ولكن يردّون إلى أبيهم وأخيهم وإلى وليّهم بشهود ، وأمّا المماليك فإنّهم يقامون في سهام المسلمين فيباعون وتعطى مواليهم قيمة أثمانهم من بيت مال المسلمين(4) .
- (1) النهاية : 197 .
- (2) المهذّب 1 : 179 .
- (3) التهذيب 6 : 159 ح288 ، الاستبصار 3 : 4 ح7 ، الوسائل15 : 98 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح3 .
- (4) الكافي 5 : 42 ح1 ، التهذيب 6 : 159 ح287 ، الوسائل 15 : 97 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح1 .
(الصفحة 36)
واُورد عليها بالإرسال أوّلاً، وبكونها أخصّ من المدّعى ثانياً ; لدلالتها على حكم المماليك فقط دون سائر الأموال ، إلاّ أن يدّعى القطع بعدم الفرق. وبمعارضتها مع الصحيحة الاُولى ـ خصوصاً مع موافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين ـ ثالثاً .
ومنها : صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً ، ثمّ إنّ المسلمين أصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال : إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه ، وإن كانوا أصابوه بعدما حازوه فهو فيء المسلمين فهو أحقّ بالشفعة(1) .
وفي معناها احتمالان :
أحدهما : أن يكون المراد بالحيازة هو الجهاد والمقاتلة، والضمير في قوله : «أصابوه» راجع إلى الرجل ، والمراد أنّه إذا أصابوا الرجل قبل المقاتلة فاللازم ردّ المال إليه، وإن أصابوه بعد الجهاد فهو فيء للمسلمين .
ويرد على هذا الاحتمال أنّ جعل الحيازة بمعنى المقاتلة ممّا لم يعهد، ولعلّه غير صحيح أصلاً ، مع أنّ متاع الرجل لا يمكن أن يكون مفعولاً للحيازة بهذا المعنى في قوله : «قبل أن يحوزوا متاع الرجل» كما لا يخفى .
وثانيهما : ما عن الجواهر من أنّ الحيازة بمعنى المقاسمة(2)، وأنّ الضمير في قوله : «إذا كانوا أصابوه» راجع إلى الرجل صاحب المال والمتاع ، والمراد حينئذ أنّه إذا أصاب المسلمون صاحب المال قبل التقسيم ردّ إليه، وإن أصابوه بعد
- (1) الكافي 5 : 42 ح2 ، التهذيب 6 : 160 ح289 ، الوسائل 15 : 98 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح2 .
- (2) جواهر الكلام 21 : 224 .
(الصفحة 37)
القسمة فهو فيء للمسلمين .
والظاهر أيضاً أنّ هذا التفسير بعيد خلاف الظاهر; لأنّ جعل الحيازة بمعنى المقاسمة ممّا لا وجه له .
قال بعض الأعلام (قدس سره) ما ملخّصه : ولا يبعد أن يكون الأقرب من هذين الاحتمالين تفسير الحيازة بالاستيلاء على المال واغتنامه مع عود الضمير إلى الرجل ، فمعناه حينئذ إن عرف صاحب المال قبل أن يغتنم فهو له، وإلاّ فللمسلمين ، ويؤيّده ما هو المشهور بل المتسالم عليه بينهم من أنّ مجهول المالك لو عرف صاحبه بعد الصرف فيما قرّره الشارع من الصدقة ونحوها لم يستحقّ شيئاً، بخلاف اللقطة التي لو تصدّق بها ضمن على تقدير العثور على صاحبها وعدم رضائه بها، فيكون المال في المقام من قبيل مجهول المالك الذي عثر على صاحبه بعد التصدّق .
وقد اعترف في الذيل بأنّ هذا الاحتمال وإن كان أقرب، إلاّ أنّه بعد غير واضح، فلا تخلو الرواية مع كونها صحيحة من حيث السند من أنّها مضطربة من حيث الدلالة(1) .
ويرد عليه أنّ تفسير الحيازة بالاستيلاء والاغتنام وإن لم يكن خلاف الظاهر، إلاّ أنّ عود الضمير في قوله : «أصابوه» إلى الرجل خلاف الظاهر جدّاً، مع ذكر الإصابة في السؤال وتكرارها مرّتين وعدم تعلّقها إلاّ بالمال والمتاع ، ومن البعيد جدّاً أن تكون الإصابة الواقعة في الجواب مرّتين أيضاً يراد به غير الإصابة الواقعة في السؤال ، على أنّ عود الضمير إلى الرجل مع ذكره بصورة الاسم الظاهر في قوله : «قبل أن يحوزوا متاع الرجل». والمناسب له(عليه السلام) على هذا التقدير أن يقول : قبل أن
- (1) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 32 .