(الصفحة 337)
لا ينبغي مع وجودها الرجوع إلى القياس والاستحسان ، كما فصّل الكلام فيه بما لا مزيد عليه سيِّدنا الاُستاذ دام ظلّه العالي في مقدّمة الوسائل المرتّبة ، مستنداً في ذلك إلى ما يستفاد من كلماتهم في باب الرجوع إلى القياس وشرائطه(1) .
وكيف كان، فما يجب فيه الخمس اُمور:
- (1) جامع أحاديث الشيعة 1 : 326 .
(الصفحة 338)
الأوّل : غنائم دار الحرب
تدلّ على ثبوت الخمس فيها مطلقاً ـ مضافاً إلى الآية الشريفة(1) ـ الروايات الواردة فيها(2) ، مضافاً إلى عدم الخلاف فيه بين المسلمين وإن وقع الاختلاف في كيفيّة تقسيم الخمس المتعلّق بها ، كما عرفت .
وليعلم أنّ الخمس المتعلّق بالغنيمة يغاير الخمس المتعلّق بالمعدن والغوص ونحوهما ممّا يجب فيه الخمس، فإنّ الغنيمة تقسّم من أوّل الأمر أخماساً : خمسه للأصناف المذكورة في الآية، وأربعة أخماسه للغانمين ، وأمّا غيرها ممّا يجب فيه الخمس فهو بأجمعه ملك لمالكه ، غاية الأمر أنّه يجب عليه إخراج خمسه وصرفه في مصارفه .
ثمّ إنّه استثني من الغنائم أشياء:
منها : صفايا الإمام من فرس وجارية ونحوهما ; لصحيح ربعي، عن الصادق(عليه السلام)(3) .
ومنها: الجعائل; وهي مايجعله الإمام (عليه السلام) على فعل مصلحة من مصالح المسلمين، ومن جملة الجعائل السَلَب ; لعدم استحقاق القاتل إيّاه بدون إذن الإمام(عليه السلام).
ومنها : الرضائح(4) المجعولة للعبيد والنساء الحاضرين في الحرب لأجل بعض
- (1) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (2) الوسائل 9 : 485 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 .
- (3) التهذيب 4 : 128 ح365 ، الاستبصار 2 : 56 ح186 ، الوسائل 9 : 510 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح3.
- (4) وظاهر «المنجد» أنّ الرضح بالحاء وبالخاء ، بمعنى العطاء اليسير ، (المقرّر).
(الصفحة 339)
المصالح ، والمراد منها المال القليل والعطاء اليسير .
ومنها : النفل ، وهو العطاء لبعض الغانمين .
ومنها : المؤن التي تنفق في مصالح الغنيمة من حفظ وحمل ورعي ونحوها، كما في سائر الاُمور التي يجب فيها الخمس .
والدليل على استثناء ما ذكر ـ مضافاً إلى بعض الروايات الواردة في بعضها(1)وموافقة الفتاوى(2) ـ ظاهر الآية الشريفة ، حيث إنّها تدلّ على ثبوت خمس المقدار من الغنيمة ، الذي يقسّمه الغانمون بينهم; للراجل سهم وللفارس سهمان ، ومن المعلوم أنّ التقسيم بالنحو المذكور كان بعد استثناء ما ذكر .
ثم إنّ مقتضى تعلّق الخمس بالغنيمة التي اغتنمها الغانمون . ولابدّ أن تقسّم بينهم أنّ الحرب لابدّ لأن يكون بإذن الإمام(عليه السلام) ; لأنّه لو لم يكن بإذنه يكون الجميع للإمام(عليه السلام) ولا حظّ لغيره منها ; لما ورد في هذا الباب من خبر الورّاق(3) .
ثم إنّ المعروف بين الشيخ (قدس سره) ومن تأخّر عنه كالفاضلين(4) والشهيدين(5)وغيرهم(6) أنّ الغنائم التي يجب فيها الخمس أعمّ ممّا حواه العسكر ممّا يحوّل وينقل ، وما لم يحوه من أرض وغيرها ، وحكي عن صاحب الحدائق أنّه أنكر ذلك على
- (1) الوسائل 9 : 524 ، أبواب الأنفال ب1 ح4 وص528 ب1 ح15 وج15 : 112 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 ح6 وج9 : 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1 .
- (2) راجع جواهر الكلام 21 : 186 و191 و195 .
- (3) التهذيب 4 : 135 ح378 ، الوسائل 9 : 529 ، أبواب الأنفال ب1 ح16 .
- (4) شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، قواعد الأحكام 1 : 361 ، تحرير الأحكام 1 : 433 ، إرشاد الأذهان 1 : 292 ، منتهى المطلب 1 : 544 .
- (5) البيان : 213 ، الروضة البهيّة 2 : 65 .
- (6) كالشيخ في النهاية: 198، والقاضي في المهذّب 1: 178 ، وابن ادريس في السرائر 1 : 485 ، والكيدري في إصباح الشيعة: 126، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد 3: 50 ، والسيّد العاملي في مدارك الأحكام 5 : 360.
(الصفحة 340)
الأصحاب وقصّر الخمس على ما يحوّل وينقل(1) ، ولعلّه موافق لمقتضى الآية الشريفة الواردة في الخمس ، والروايات الواردة في أحكام الأراضي المفتوحة عنوة(2) ، وكذا الروايات الواردة في قسمة الغنائم أخماساً أو أسداساً على الطوائف المذكورة في الآية وعلى الغانمين(3) .
أمّا الآية، فلأنّ ظاهرها وجوب الخمس فيما اغتنمها الغانمون المحاربون من كلّ شيء ، من قليل أو كثير ، ثوباً كان أو ذهباً ، أو غيرهما من الأمتعة ، والنقود ، ووسائل الحرب ، والحيوانات وغيرها .
ومن المعلوم أنّ الأراضي والمساكن لا يصدق عليها الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين ، بل غاية الأمر أنّ النسبة والإضافة التي كانت بينها وبين السلطان المغلوب في الحرب قد زالت وحدثت بالنسبة إلى السلطان الغالب ، وله أن يتصرّف فيها ويصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين ، فلا تشملها الآية الظاهرة في وجوب الخمس فيما يصدق عليه عنوان الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين .
وبالجملة : فظاهر الآية الشريفة أنّ ما يملكه الغانمون ويكون ملكاً لهم بأجمعه لولا وجوب الخمس الثابت بالآية يجب تخميسه لأرباب الخمس ; ومن الواضح أنّ الأراضي لا تكون مملوكة للغانمين ولا تعدّ غنيمة بالنسبة إليهم ، بل هي مملوكة لجميع المسلمين ، فهي خارجة عن الآية الكريمة .
وأمّا الروايات الواردة في أحكام الأراضي الخراجيّة ، فمفادها أنّها موقوفة على المسلمين ; من كان موجوداً منهم حال الحرب ، ومن يوجد منهم بعد إلى يوم القيامة . وليس المراد من ذلك كونها مملوكة لهم على حسب الإشاعة ، بل المالك لها
- (1) الحدائق الناضرة 12 : 324 ـ 325.
- (2) الوسائل 15 : 157 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب72 .
- (3) الوسائل 9 : 509 ، أبواب قسمة الخمس ب1 .
(الصفحة 341)
هو الإسلام، ولابدّ من صرف عوائدها في مصالحه التي هي مصالح المسلمين لا محالة ، ولا يجوز بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غيرها من التصرّفات الناقلة ، وليس في شيء منها ، التعرّض لوجوب الخمس فيها، خصوصاً ما ورد في حكم أرض خيبر ، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قبّلها لزرّاع خيبر وصرف عوائدها في نوائب الإسلام ومصالح المسلمين(1) .
وبالجملة : فبعد التأمّل في الأخبار الواردة في حكم الأراضي المفتوحة عنوة(2) لم يظهر من شيء منها إشعار بوجوب الخمس فضلا عن الدلالة ، حتى أنّ ما فتحت منها في زمان خلفاء الجور ـ كأرض السواد المفتوحة في زمان خلافة عمر ـ لم يقع مورداً للتخميس ، ومن ذلك يستفاد عدم كون ذلك معهوداً بين المسلمين أصلا ، كما لايخفى .
وأمّا الروايات الواردة في قسمة الغنائم(3) فظاهرٌ أنّ موردها ما عدا الأراضي ; لعدم اختصاصها بالغانمين ، بل قد عرفت أنّها مملوكة للإسلام ويصرف في مصالحه ، ولا يجوز أن يتصرّف فيها بشيء من التصرّفات الناقلة .
ومجمل الكلام في هذا المقام أنّ ما ورد من الأخبار في حكم الأراضي الخراجيّة المفتوحة عنوة مقتضى إطلاقها كون الجميع ملكاً للمسلمين بالمعنى المذكور ، الذي يرجع إلى كونه ملكاً للإسلام ويصرف في نوائبه ومصالح المسلمين
- (1) الكافي 3 : 512 ح2 ، التهذيب 4 : 38 و118 ح96 و341 ، الوسائل 15 : 157 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب72 ح1 ، سنن أبي داود 3 : 271 ـ 273 ، السنن الكبرى 13 : 481 ـ 483 .
- (2) الوسائل 15 : 110 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب41 ح2 ، وص155 ـ 157 ب71 و72 وج19 : 435 ، كتاب إحياء الموات ب18 ، ومستدرك الوسائل 11 : 124، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب60 .
- (3) الوسائل 15 : 110 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 .