(الصفحة 340)
الأصحاب وقصّر الخمس على ما يحوّل وينقل(1) ، ولعلّه موافق لمقتضى الآية الشريفة الواردة في الخمس ، والروايات الواردة في أحكام الأراضي المفتوحة عنوة(2) ، وكذا الروايات الواردة في قسمة الغنائم أخماساً أو أسداساً على الطوائف المذكورة في الآية وعلى الغانمين(3) .
أمّا الآية، فلأنّ ظاهرها وجوب الخمس فيما اغتنمها الغانمون المحاربون من كلّ شيء ، من قليل أو كثير ، ثوباً كان أو ذهباً ، أو غيرهما من الأمتعة ، والنقود ، ووسائل الحرب ، والحيوانات وغيرها .
ومن المعلوم أنّ الأراضي والمساكن لا يصدق عليها الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين ، بل غاية الأمر أنّ النسبة والإضافة التي كانت بينها وبين السلطان المغلوب في الحرب قد زالت وحدثت بالنسبة إلى السلطان الغالب ، وله أن يتصرّف فيها ويصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين ، فلا تشملها الآية الظاهرة في وجوب الخمس فيما يصدق عليه عنوان الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين .
وبالجملة : فظاهر الآية الشريفة أنّ ما يملكه الغانمون ويكون ملكاً لهم بأجمعه لولا وجوب الخمس الثابت بالآية يجب تخميسه لأرباب الخمس ; ومن الواضح أنّ الأراضي لا تكون مملوكة للغانمين ولا تعدّ غنيمة بالنسبة إليهم ، بل هي مملوكة لجميع المسلمين ، فهي خارجة عن الآية الكريمة .
وأمّا الروايات الواردة في أحكام الأراضي الخراجيّة ، فمفادها أنّها موقوفة على المسلمين ; من كان موجوداً منهم حال الحرب ، ومن يوجد منهم بعد إلى يوم القيامة . وليس المراد من ذلك كونها مملوكة لهم على حسب الإشاعة ، بل المالك لها
- (1) الحدائق الناضرة 12 : 324 ـ 325.
- (2) الوسائل 15 : 157 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب72 .
- (3) الوسائل 9 : 509 ، أبواب قسمة الخمس ب1 .
(الصفحة 341)
هو الإسلام، ولابدّ من صرف عوائدها في مصالحه التي هي مصالح المسلمين لا محالة ، ولا يجوز بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غيرها من التصرّفات الناقلة ، وليس في شيء منها ، التعرّض لوجوب الخمس فيها، خصوصاً ما ورد في حكم أرض خيبر ، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قبّلها لزرّاع خيبر وصرف عوائدها في نوائب الإسلام ومصالح المسلمين(1) .
وبالجملة : فبعد التأمّل في الأخبار الواردة في حكم الأراضي المفتوحة عنوة(2) لم يظهر من شيء منها إشعار بوجوب الخمس فضلا عن الدلالة ، حتى أنّ ما فتحت منها في زمان خلفاء الجور ـ كأرض السواد المفتوحة في زمان خلافة عمر ـ لم يقع مورداً للتخميس ، ومن ذلك يستفاد عدم كون ذلك معهوداً بين المسلمين أصلا ، كما لايخفى .
وأمّا الروايات الواردة في قسمة الغنائم(3) فظاهرٌ أنّ موردها ما عدا الأراضي ; لعدم اختصاصها بالغانمين ، بل قد عرفت أنّها مملوكة للإسلام ويصرف في مصالحه ، ولا يجوز أن يتصرّف فيها بشيء من التصرّفات الناقلة .
ومجمل الكلام في هذا المقام أنّ ما ورد من الأخبار في حكم الأراضي الخراجيّة المفتوحة عنوة مقتضى إطلاقها كون الجميع ملكاً للمسلمين بالمعنى المذكور ، الذي يرجع إلى كونه ملكاً للإسلام ويصرف في نوائبه ومصالح المسلمين
- (1) الكافي 3 : 512 ح2 ، التهذيب 4 : 38 و118 ح96 و341 ، الوسائل 15 : 157 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب72 ح1 ، سنن أبي داود 3 : 271 ـ 273 ، السنن الكبرى 13 : 481 ـ 483 .
- (2) الوسائل 15 : 110 ، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب41 ح2 ، وص155 ـ 157 ب71 و72 وج19 : 435 ، كتاب إحياء الموات ب18 ، ومستدرك الوسائل 11 : 124، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب60 .
- (3) الوسائل 15 : 110 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 .
(الصفحة 342)
وأمرها بيد الإمام ، والآية الشريفة(1) وإن كان يمكن دعوى الإطلاق فيها ، نظراً إلى أنّ هذه الأراضي غنيمة لا للغانمين بل للمسلمين ، والخطاب فيها لا يكون مختصّاً بالغانمين، بل يعمّ كلّ من اغتنم شيئاً من قليل أو كثير ، إلاّ أنّ إطلاقها ليس من القوّة بمكان يقاوم إطلاق الأخبار الواردة في حكم الأراضي ، خصوصاً بملاحظة ما عرفت من عدم معهوديّة إخراج الخمس في شيء من تلك الأراضي ، لا في زمان النبي(صلى الله عليه وآله) ولا في زمان الخلفاء بعده .
نعم، يبقى الإشكال من جهة معروفيّة التعميم وعدم الاختصاص بخصوص ما حواه العسكر بين الأصحاب كالشيخ(2) ومن بعده(3) ، ولكن التأمّل في كلام الشيخ يفيد أنّ حكمه بالتعميم لم يكن لأجل نصّ دالّ على ذلك ، بل كان المستند في ذلك هو ظاهر الآية الشريفة ، حيث قال في كتاب المبسوط :
والذي يقتضيه المذهب أنّ هذه الأراضي وغيرها من البلاد التي فتحت عنوة أن يكون خمسها لأهل الخمس ، فأربعة أخماسها يكون للمسلمين قاطبة ، الغانمين وغير الغانمين في ذلك سواء ، ويكون للإمام(عليه السلام) النظر فيها وتقبيلها وتضمينها بما شاء ، ويأخذ ارتفاعها ويصرفه في مصالح المسلمين وما ينوبهم . . . ولا يصحّ بيع شيء من هذه الأرضين ولا هبته ولا معاوضته ولا تمليكه ولا وقفه ولا رهنه ولا إجارته ولا إرثه ، ولا يصحّ أن يبنى دوراً ومنازل ومساجد وسقايات ، ولا غير ذلك من أنواع التصرّف الذي يتبع الملك ، ومتى فعل شيء من ذلك كان التصرّف باطلا وهو باق على الأصل .
- (1) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (2) النهاية : 198 ، المبسوط 1 : 236 .
- (3) كالقاضي في المهذّب 1 : 178 ، وابن ادريس في السرائر 1 : 485 ، والمحقّق في شرائع الإسلام 1 : 179 ، والعلاّمة في تذكرة الفقهاء 5 : 409 .
(الصفحة 343)
ثمّ قال : وعلى الرواية التي رواها أصحابنا ، أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام(عليه السلام) فغنمت يكون الغنيمة للإمام(عليه السلام) خاصّة(1) ، هذه الأرضون وغيرها ممّا فتحت بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) إلاّ ما فتح في أيّام أمير المؤمنين(عليه السلام) ، إن صحّ شيء من ذلك يكون للإمام خاصّة ، ويكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره(2) . انتهى ، فإنّ جعل وجوب الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة مقتضى المذهب ، من دون أن يتمسّك فيه بنصّ دالّ على ذلك ، خصوصاً مع التمسّك بالنصّ في الحكم الذي ذكره في ذيل كلامه ـ وهو اختصاص الأراضي المفتوحة بغير إذن الإمام(عليه السلام) به ـ يدلّ على أنّ مستنده في ذلك لم يكن إلاّ الآية الشريفة الدالّة بإطلاقها على ذلك ، وقد عرفت ما في التمسّك بإطلاق الآية ، فلا يكون مخالفة الشيخ بقادحة، خصوصاً بعد وجود الموافق لنا بعده ، كالحلبي في الكافي(3) وبعض آخر(4) .
- (1) التهذيب 4 : 135 ح378 ، الوسائل 9 : 529 ، أبواب الأنفال ب1 ح16 .
- (2) المبسوط 2 : 34 .
- (3) الكافي في الفقه : 170 .
- (4) كسلاّر في المراسم : 141 و143 ، والراوندي في فقه القرآن 1 : 242 و350 ، والفيض الكاشاني في النخبة : 135 والبحراني في الحدائق الناضرة 21 : 324 .
(الصفحة 344)
الثاني : المعادن
لا إشكال ولا خلاف عندنا في وجوب الخمس فيها مطلقاً(1) ، سواء كانت منطبعة كالذهب والفضّة والصفر والحديد والنحاس ، أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجد والعقيق ، أو كانت مائعة كالنفط وغيره .
وقد وقع الخلاف بين أنواع المعدن بين علماء العامّة ، فعن بعضهم تخصيص وجوب الخمس بخصوص الذهب والفضّة ، كما عن أبي حنيفة(2) ، وعن بعض آخر عدم الاختصاص بهما(3) ، لكن الظاهر أنّ حكمهم بوجوب الخمس الذي هو عبارة عن الكسر المشاع إنّما هو من باب الزكاة والصدقة المطهّرة للمال ، لا من باب الخمس المجعول في الآية الشريفة للأصناف المذكورين فيها ، بخلاف ما عليه أصحابنا الإماميّة .
وكيف كان، فلا إشكال عندنا في وجوب الخمس في المعادن ، والمراد بها عند الأصحاب ما يخرج من الأرض ممّا كانت الأرض أصله ، وقد تغيّرت صورته النوعيّة وتبدّلت إلى الصورة الذهبيّة ونحوها من صور الأشياء المعدنية بإيجاد الله تعالى وإنباته ، أو لم تكن الأرض أصله، لكنّه كان مائعاً على الأرض ونفذ في
- (1) راجع الخلاف 2 : 116 ـ 117 مسألة 138 ، والسرائر 1 : 488 ـ 489 ، وتذكرة الفقهاء 5 : 409 ، ومدارك الأحكام 5 : 361 ـ 362 .
- (2) كذا في النسخة، ولكن الظاهر أنّ هذا القول للشافعي، راجع الشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 والخلاف 2 : 116 ـ 117 مسألة 138 وغيرهما .
- (3) راجع المبسوط للسرخسي 2 : 211 ، والشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 ، والمجموع للنووي 6 : 68 ، وحلية العلماء 3 : 112 ، والمبدع لابن مفلح 2 : 350 ـ 351 .