(الصفحة 343)
ثمّ قال : وعلى الرواية التي رواها أصحابنا ، أنّ كلّ عسكر أو فرقة غزت بغير أمر الإمام(عليه السلام) فغنمت يكون الغنيمة للإمام(عليه السلام) خاصّة(1) ، هذه الأرضون وغيرها ممّا فتحت بعد الرسول(صلى الله عليه وآله) إلاّ ما فتح في أيّام أمير المؤمنين(عليه السلام) ، إن صحّ شيء من ذلك يكون للإمام خاصّة ، ويكون من جملة الأنفال التي له خاصّة لا يشركه فيها غيره(2) . انتهى ، فإنّ جعل وجوب الخمس في الأراضي المفتوحة عنوة مقتضى المذهب ، من دون أن يتمسّك فيه بنصّ دالّ على ذلك ، خصوصاً مع التمسّك بالنصّ في الحكم الذي ذكره في ذيل كلامه ـ وهو اختصاص الأراضي المفتوحة بغير إذن الإمام(عليه السلام) به ـ يدلّ على أنّ مستنده في ذلك لم يكن إلاّ الآية الشريفة الدالّة بإطلاقها على ذلك ، وقد عرفت ما في التمسّك بإطلاق الآية ، فلا يكون مخالفة الشيخ بقادحة، خصوصاً بعد وجود الموافق لنا بعده ، كالحلبي في الكافي(3) وبعض آخر(4) .
- (1) التهذيب 4 : 135 ح378 ، الوسائل 9 : 529 ، أبواب الأنفال ب1 ح16 .
- (2) المبسوط 2 : 34 .
- (3) الكافي في الفقه : 170 .
- (4) كسلاّر في المراسم : 141 و143 ، والراوندي في فقه القرآن 1 : 242 و350 ، والفيض الكاشاني في النخبة : 135 والبحراني في الحدائق الناضرة 21 : 324 .
(الصفحة 344)
الثاني : المعادن
لا إشكال ولا خلاف عندنا في وجوب الخمس فيها مطلقاً(1) ، سواء كانت منطبعة كالذهب والفضّة والصفر والحديد والنحاس ، أو غير منطبعة كالياقوت والزبرجد والعقيق ، أو كانت مائعة كالنفط وغيره .
وقد وقع الخلاف بين أنواع المعدن بين علماء العامّة ، فعن بعضهم تخصيص وجوب الخمس بخصوص الذهب والفضّة ، كما عن أبي حنيفة(2) ، وعن بعض آخر عدم الاختصاص بهما(3) ، لكن الظاهر أنّ حكمهم بوجوب الخمس الذي هو عبارة عن الكسر المشاع إنّما هو من باب الزكاة والصدقة المطهّرة للمال ، لا من باب الخمس المجعول في الآية الشريفة للأصناف المذكورين فيها ، بخلاف ما عليه أصحابنا الإماميّة .
وكيف كان، فلا إشكال عندنا في وجوب الخمس في المعادن ، والمراد بها عند الأصحاب ما يخرج من الأرض ممّا كانت الأرض أصله ، وقد تغيّرت صورته النوعيّة وتبدّلت إلى الصورة الذهبيّة ونحوها من صور الأشياء المعدنية بإيجاد الله تعالى وإنباته ، أو لم تكن الأرض أصله، لكنّه كان مائعاً على الأرض ونفذ في
- (1) راجع الخلاف 2 : 116 ـ 117 مسألة 138 ، والسرائر 1 : 488 ـ 489 ، وتذكرة الفقهاء 5 : 409 ، ومدارك الأحكام 5 : 361 ـ 362 .
- (2) كذا في النسخة، ولكن الظاهر أنّ هذا القول للشافعي، راجع الشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 والخلاف 2 : 116 ـ 117 مسألة 138 وغيرهما .
- (3) راجع المبسوط للسرخسي 2 : 211 ، والشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 ، والمجموع للنووي 6 : 68 ، وحلية العلماء 3 : 112 ، والمبدع لابن مفلح 2 : 350 ـ 351 .
(الصفحة 345)
أعماقها ، ثم تبدّلت صورته فيها لأجل الحرارة الخاصّة الموجودة فيها بإذن الله تعالى .
فالمراد من المعدن هو الشيء الذي تصوّر بالصورة الفعليّة المعدنيّة في الأرض بعدما لم يكن كذلك ، فلا يشمل الكنز الذي هو عبارة عن الشيء الذي يركزه الإنسان في بطن الأرض ويخفيه فيه لأجل بعض الأغراض ، فيخرجه مخرج مع بقاء الصورة التي كانت عليها قبل الدفن والإخفاء .
وأمّا الركاز الوارد في بعض الأخبار(1) فالمراد به هو المعدن أيضاً ; لأنّ الركز عبارة عن الإثبات والإقرار ، يقال: ركز الرمح في الأرض; أي أثبته فيها ودفنه ، فالركاز عبارة عمّا ركزه الله وأحدثه ودفنه في الأرض من الذهب والفضّة وغيرهما(2).
وبالجملة : فالأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة جدّاً(3) ، والتصريح في بعضها بالتعميم وعدم الاختصاص بالذهب والفضّة إشارة إلى ردّ ما عليه أبو حنيفة من التخصيص كما عرفت ، فلا إشكال بمقتضى الروايات في أصل الحكم ، وإنّما الإشكال في اشتراط بلوغ النصاب في تعلّق الخمس بالمعادن وفي مقدار النصاب ، وقد نقل العلاّمة في محكي التذكرة(4) عن الشيخ (رحمه الله) في كتبه أقوالا ثلاثة:
- (1) الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح3 ، وص : 497 ب6 ح1 ، وج29 : 272 ، كتاب الديات، أبواب موجبات الضمان ب32 ح5 .
- (2) راجع مجمع البحرين 2 : 727 ـ 728 ، والنهاية لابن الأثير 2 : 258 .
- (3) الوسائل 9 : 491 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 . أفاد سيّدنا العلاّمة الاُستاذ دام ظلّه أنّ المراد بـ «محمّدبن علي بن أبي عبدالله» الواقع في سند الرواية الخامسة من الروايات المذكورة في هذا الباب هو «محمّد بن عليّ بن جعفر» المعروف ، لكن لابدّ من الرجوع إلى كتب الرجال، سيّما جامع الرواة 2 : 152 ـ 153 ، (المقرّر).
- (4) تذكرة الفقهاء 5 : 426 ـ 427 مسألة 316 ، لكن يستظهر من كلام العلاّمة في التذكرة استناد القولين إلى الشيخ: أحدهما : عدم اشتراط النصاب في المعادن ، ثانيهما : اعتبار النصاب فيها وأنّه عشرون ديناراً . بل صرّح في التحرير 1 : 434 ، والمختلف 3 : 189 ـ 190 مسألة 147 بأنّ للشيخ قولين ، ولم نعثر على قول ثالث للشيخ في كتبه .
(الصفحة 346)
أحدها: عدم اشتراط بلوغ النصاب، بل يجب فيها الخمس قليلا كان أو كثيراً بعد وضع مقدار مؤونة الإخراج والعلاج على تقدير الاحتياج(1) ، وهذا هو المشهور ، حيث نسبه في الدروس إلى الأكثر(2) ، وفي محكيّ السرائر قال في ردّ الشيخ القائل باعتبار النصاب : إجماع الأصحاب منعقد على وجوب إخراج الخمس من المعادن جميعها على اختلاف أجناسها، قليلا كان المعدن أو كثيراً ، ذهباً كان أو فضّة ، من غير اعتبار مقدار(3)، انتهى .
ثانيها: اشتراط بلوغ النصاب وأنّه مقدار قيمة دينار ، وقد حكي ذلك عن أبي الصلاح الحلبي(4) .
وثالثها: الاشتراط وأنّه ما يبلغ قيمته عشرين ديناراً(5) ، وقد اختار هذا القول غير واحد من المتأخّرين(6) .
هذا ، ولا يخفى أنّه ليس في مقابل الإطلاقات المتقدّمة الدالّة على وجوب
- (1) قاله الشيخ في الخلاف 2 : 119 مسألة 142 ، والاقتصاد : 427 ، والرسائل العشر (الجمل والعقود) : 207 ، وكذا ذهب إليه القاضي في المهذّب 1 : 178 ـ 179 ، وهو ظاهر جماعة من القدماء، كالمفيد في المقنعة : 276 ، وسلاّر في المراسم : 141 ، وابن زهرة في الغنية : 128 ـ 129 .
- (2) الدروس الشرعيّة 1 : 260 ، وكذا في شرائع الإسلام 1 : 179 .
- (3) السرائر 1 : 488 ـ 489 .
- (4) الكافي في الفقه : 170 .
- (5) قاله الشيخ في النهاية : 197 ، والمبسوط 1 : 237 ، والتهذيب 4 : 139 ذيل ح392 . وكذا ابن حمزة في الوسيلة : 138 ، والمحقّق في المعتبر 2 : 626 .
- (6) كالعلاّمة في إرشاد الأذهان 1 : 292 ، وتحرير الأحكام 1 : 434 ، وتبصرة المتعلّمين : 63 ، والشهيد الأوّل في البيان : 214، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد 3 : 52 ، والشهيد الثاني في الروضة البهية 2 : 70 .
(الصفحة 347)
الخمس في المعادن ، الظاهرة في عدم اعتبار بلوغ النصاب إلاّ روايتان : إحداهما واردة في خصوص المعدن ، والاُخرى في الغوص والمعدن معاً .
أمّا الاُولى: فهي ما رواه الشيخ باسناده عن محمّد بن الحسن الصفّار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين ديناراً(1) ، ولا ينبغي الارتياب في دلالته على عدم وجوب الخمس في شيء من المعادن ذهباً كانت أو غيرها من المعدنيّات ما لم يبلغ قيمته عشرين ديناراً ; لأنّ الظاهر أنّ فاعل «يبلغ» ضمير يرجع إلى ما اُخرج من المعدن ، وعشرين ديناراً عطف بيان لـ «ما» الموصولة في قوله: «ما يكون» .
فالمراد أنّه لا يجب فيما اُخرج من المعدن ذهباً كان أو غيره شيء حتّى يبلغ ذلك مقداراً يكون ثابتاً في مثله الزكاة ، وذلك المقدار هو عشرون ديناراً ، وليس المراد هو اعتبار النصاب في خصوص الذهب، بأن يكون فاعل «يبلغ» هو «ما» الموصولة بعد كون السؤال عن حكم مطلق المعادن لا خصوص الذهب ، خصوصاً بعد كون الدينار عبارة عن الذهب المسكوك الذي يساوي وزنه مثقالا ، والذهب المستخرج من الأرض لا يكون كذلك ، بل المستخرج هو التراب المشتمل على ذرّات الذهب ، ويحتاج إلى العلاج حتى يصير بالصورة الذهبية .
فلا ينبغي الإشكال في أنّ المراد من الرواية هو بلوغ ما أخرجه المعدن مقداراً يكون قيمته عشرين ديناراً ، فالمراد من المماثلة هو المماثلة من جهة القيمة لا المماثلة من حيث الجنس ، فضلا عن اعتبار الخصوصيات والأوصاف المصنّفة ، كما لا يخفى .
- (1) التهذيب 4 : 138 ح391 ، الوسائل 9 : 494، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .