(الصفحة 360)
الحاضرة ، وهذا بخلاف الكنز ، فإنّه ليس طريقاً للاكتساب ، بل قد يوجد على سبيل الإتّفاق والصُدفة ، وقد عرفت أنّه لا يكون من شؤون الأرض وتوابعها بخلاف المعدن الذي يعدّ من أجزائها ، فالحكم بثبوت الخمس فيه ظاهر في صيرورته ملكاً للواجد بمجرّد الوجدان ، غاية الأمر أنّه يجب عليه إخراج خمسه ، فالظاهر أنّه لا مجال لهذه المناقشة، فتأمّل .
الطائفة الثانية: الروايات الواردة في اللقطة الدالّة على عدم ثبوت ملكيّتها للملتقط بمجرّد الوجدان ، بل يجب عليه التعريف سنة فيما إذا كان زائداً على مقدار الدرهم ، وبعد ذلك يجعله كسبيل ماله أو يتصدّق به عن صاحبه(1) ، فإنّ هذه الروايات ظاهرة في لزوم رعاية الملكيّة لصاحب المال ، وأنّه لا يجوز فرضه بمجرّد الوجدان كالملك ، بل يعرّف سنة ، فإن يئس عن معرفة صاحبه وإيصال المال إليه يجعله كسبيل ماله أو يتصدّق به عن مالكه ، فإذا جاء ورضي بالتصدّق ، وإلاّ فهو له ضامن يجب عليه الخروج عن عهدته .
فمقتضى إطلاق هذه الروايات الشمول للمقام ، خصوصاً بعد ملاحظة بعضها الظاهر في الورود في خصوص المقام ، وهي رواية إسحاق بن عمّار الواردة فيما التقطه الرجل من بعض بيوت مكّة وكان مدفوناً فيها(2) .
هذا ، والظاهر عدم شمول هذه الروايات للمقام ; لأنّ موردها هو المال الضائع الذي قد وقعت الحيلولة بينه وبين صاحبه مع عدم شعوره بذلك حين الضلال ، وأين هذا من الكنز الذي عرفت أنّه عبارة عن المال المذخور تحت الأرض قصداً كما مرّ(3) ، فلا ارتباط لتلك الروايات بما نحن فيه .
- (1) الوسائل 25 : 441 ، كتاب اللقطة ب2 وص446 ب4 وص447 ب5 .
- (2) التهذيب 6 : 391 ح1171 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح3 .
- (3) في ص356 .
(الصفحة 361)
الطائفة الثالثة: ما ورد في حكم مجهول المالك وأنّه يتصدّق به(1) ، والظاهر حكومة أدلّة الكنز الظاهرة في ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان عليها ; لأنّ مورد هذه الطائفة ما إذا لم يكن ملكاً للواجد بل لمالكه الأصلي المجهول ، وأدلّة الكنز تحكم بثبوت الملكيّة بمجرّد الوجدان ، فلا يكون الكنز مجهول المالك أصلا .
الطائفة الرابعة : ما ورد فيما وجد في جوف دابّة مبتاعة من جوهر أو غيره :
مثل صحيحة عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلى الرجل(عليه السلام) أسأله عن رجل اشترى جزوراً أو بقرة للأضاحي ، فلمّا ذبحها وجد في جوفها صرّة فيها دراهم أو دنانير أو جوهرة ، لمن يكون ذلك؟ فوقّع(عليه السلام): عرّفها البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك الله إيّاه(2) .
هذا ، ولكن الظاهر خروج مثل مورد الرواية عن مفهوم الكنز عرفاً ولغة ، فلا يشمل الحكم المذكور فيها له ، بل الظاهر ما عرفت من أنّ الشامل للمقام هو الطائفة الاُولى الظاهرة في حصول الملكيّة بمجرّد الوجدان مطلقاً .
ثم إنّه يقع الكلام بعد ذلك في نصاب الكنز .
فنقول: مقتضى رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟ فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس(3) ، أنّ النصاب في باب الكنز هو النصاب في باب الزكاة ، وحيث إنّه وقع الإشكال في مفاد الرواية ومقدار دلالتها ، فلابدّ لنا من التكلّم فيها حتى يظهر الحال ويرتفع الإشكال .
فنقول وعلى الله الاتكال: إنّ الرواية ـ مع قطع النظر عن صحيحة اُخرى لابن
- (1) الوسائل 26 : 296 ، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب6 .
- (2) الكافي 5 : 139 ح9 ، التهذيب 6 : 392 ح1174 ، الوسائل 25 : 452 ، كتاب اللقطة ب9 ح1 .
- (3) الفقيه 2 : 21 ح75 ، الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 ح2 .
(الصفحة 362)
أبي نصر الواردة في نصاب المعدن(1) ، ومع قطع النظر عن مرسلة المفيد في المقنعة(2) ، التي تكون بحسب الظاهر نقلا لمضمون هذه الرواية على حسب ما استفاد منها ـ يحتمل فيها وجوه:
أحدها: أن يكون السؤال فيها عن النوع الذي يجب فيه الخمس من أنواع الكنوز ; من الذهب والفضّة والحديد والرصاص ، وغيرها من الأشياء المذخورة تحت الأرض المنكشفة للواجد ، فمرجع السؤال إلى أنّ الخمس الثابت في الكنز هل يكون ثابتاً في جميع أنواع الكنوز، أو أنّه يختصّ ببعض الأنواع، بل ربما يمكن أن يقال بظهور الرواية على هذا الوجه في أنّه كان من المسلّم عند السائل عدم ثبوت الخمس في جميع الأنواع ، بل ثبوته بالنسبة إلى البعض فقط ، غاية الأمر كون ذلك البعض مجهولا عنده ، ولذا تصدّى للسؤال عنه ، ومحصّل الجواب حينئذ أنّ ما يجب الزكاة في مثله من أنواع الكنز، هو الذي يثبت فيه الخمس ، ومن المعلوم أنّ الزكاة لا تكون ثابتة إلاّ بالنسبة إلى الذهب والفضّة لا مطلقهما ، بل المسكوكين منهما .
فحاصل الرواية على هذا التقدير اختصاص ثبوت الخمس بخصوص الذهب والفضّة وعدم ثبوته في غيرهما .
ثانيها: أن يكون السؤال فيها عن المقدار والنصاب الذي يكون البلوغ إليه موجباً لثبوت الخمس بعد مفروغيّة ثبوته في جميع أنواع الكنز من الذهب والفضّة وغيرهما ، وعدم اختصاصه بخصوص الأوّلين ، ويرجع الجواب حينئذ إلى أنّ النصاب المعتبر في باب الخمس في الكنز هو النصاب المعتبر في باب الزكاة ، كالبلوغ عشرين ديناراً ، فالمراد من المماثلة على هذا التقدير المماثلة
- (1) التهذيب 4 : 138 ح391 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .
- (2) المقنعة : 283 .
(الصفحة 363)
من حيث مقدار الماليّة ، كما أنّ المراد بها على الوجه الأوّل هو المماثلة في الجنس والنوع .
ثالثها: أن يكون المراد من السؤال هو السؤال عن النوع والمقدار معاً ، والجواب ناظر إلى أنّه لا يجب الخمس إلاّ فيما يثبت فيه الزكاة من الذهب والفضّة ، ولا يثبت الخمس فيهما أيضاً إلاّ إذا بلغا مقدار النصاب المعتبر بلوغه في وجوب الزكاة ، فالمراد من المثل حينئذ هو المماثل من جهة النوع والماليّة معاً .
هذا ، والظاهر أنّ الوجه الأوّل ـ الراجع إلى كون مورد السؤال هو تعيين النوع ، الذي يجب فيه الخمس من أنواع الكنوز بعد الفراغ عن عدم ثبوته في الجميع ـ بعيد عن مساق الرواية ; إذ المنساق منها كون السؤال ناظراً إلى المقدار فقط ، أو إليه وإلى النوع معاً ، وعلى أيّ حال فيدلّ على اعتبار النصاب في الكنز وأنّ النصاب فيه هو نصاب الزكاة .
وأمّا دلالتها على ثبوت الخمس في خصوص النوع الذي يجب فيه الزكاة فغير معلومة ، بل تصير الرواية مجملة من هذه الحيثية ، والقاعدة مع إجمال الدليل المقيّد تقتضي الرجوع إلى الإطلاق ، فلابدّ في المقام ـ بعد عدم ثبوت ما يدلّ على التقييد بالنسبة إلى النوع ; لأنّ المفروض إجمال الرواية من هذه الجهة ـ من الرجوع إلى الإطلاقات الواردة في الكنز الظاهرة في ثبوت الخمس في جميع أنواعها بلا اختصاص بخصوص الذهب والفضّة .
هذا كلّه مع قطع النظر عن الصحيحة والمرسلة ، وأمّا مع ملاحظتهما فلا محيص عن حمل السؤال على كون مورده هو تعيين المقدار والنصاب ; لأنّ الصحيحة هي التي وردت في المعدن، ورواها ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن(عليه السلام) ـ الظاهر في كونه هو أبا الحسن الرضا(عليه السلام) ـ قال: سألت أبا الحسن(عليه السلام) عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير ، هل فيه شيء؟ قال: ليس فيه شيء حتّى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة
(الصفحة 364)
عشرين ديناراً(1) .
فإنّ السؤال وإن لم يكن ظاهراً في السؤال عن الخمس ، بل يحتمل أن يكون المراد السؤال عن الزكاة بتخيّل ثبوت الزكاة في المعدن ، كما ذهب إليه بعض العامّة على ما عرفت(2) ، كما أنّ الجواب أيضاً لا يكون ظاهراً في ثبوت الخمس ، إلاّ أنّه باعتبار أنّ السائل هو ابن أبي نصر البزنطي الذي هو من أجلاّء الطبقة السادسة من الطبقات التي رتّبناها ، وكان من أرباب الجوامع الأوّليّة المأخوذة من الاُصول الكثيرة المشتملة على الأحاديث المروية عن الصادقين (عليهما السلام) .
ومن المعلوم أنّه لم يكن يخفى عليه مثل هذا الحكم; وهو ثبوت الخمس في المعدن عن الأئمة (عليهم السلام) ، فلابدّ من أن يكون المراد هو خصوص الخمس ، كما أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ سؤاله إنّما كان عن المقدار ، وأنّه هل يعتبر في المعدن نصاب معيّن يعتبر بلوغه في ثبوت الخمس أم لا؟
ولا مجال لتوهّم كون السؤال فيها عن خصوص النوع المستخرَج من المعدن ، وأنّه هل الخمس ثابت في أيّ نوع ; لأنّه ـ مضافاً إلى إباء ظاهر العبارة عن الحمل على ذلك ، خصوصاً بملاحظة قوله : «من قليل أو كثير» ـ يبعّده أنّ ابن أبي عمير كان عالماً بثبوت الخمس في جميع أنواع المعدن بعد صراحة الروايات المرويّة عن الصادقين (عليهما السلام) في عدم الاختصاص بالذهب والفضّة .
وحينئذ نقول : بعد ثبوت كون السؤال في هذه الصحيحة عن المقدار ، يفهم أنّ السؤال في الصحيحة الواردة في باب الكنز أيضاً إنّما هو عنه ، خصوصاً بعد قوّة احتمال كونهما صادرتين في مجلس واحد .
- (1) التهذيب 4 : 138 ح391 ، الوسائل 9 : 494 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب4 ح1 .
- (2) في ص344 .