(الصفحة 370)
بعد التعريف أيضاً(1) .
ومنها: ما ورد في الشاة الضالّة من قول النبي(صلى الله عليه وآله): هي لك ، أو لأخيك ، أو للذئب . وفي البعير الضالّة من قوله(صلى الله عليه وآله) : معه حذاؤه وسقاؤه، حذاؤه خفّه ، وسقاؤه كرشه ، فلا تهجه(2) .
ومنها: ما ورد في ما يوجد في بطن الدابّة من المال ، من أنّه يجب تعريفه البائع ، فإن لم يكن يعرفها فالشيء للواجد رزقه الله إيّاه(3) ، وما ورد فيما يوجد في بطن السمكة ممّا ظاهره حصول الملكيّة بمجرّد الوجدان من دون أن يعرّف البائع(4) .
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم ـ التي جعلها في الجواهر(5) وغيره(6) روايتين ، والظاهر أنّها رواية واحدة ـ عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟ فقال: إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به(7) .
ومنها: موثّقة محمّد بن قيس ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قضى علي(عليه السلام) في رجل وجد ورقاً في خربة : أن يعرّفها ، فإن وجد من يعرفها ، وإلاّ تمتّع بها(8) .
هذا، ولا ينبغي توهّم المنافاة بين الموثقة والصحيحة ، نظراً إلى أنّ مقتضى الصحيحة الحكم بأحقّية الواجد فيما إذا كانت الدار خربة من دون لزوم التعريف ،
- (1) الوسائل 25 : 441 ، كتاب اللقطة ب2 .
- (2) الكافي 5 : 140 ح12 ، التهذيب 2 : 395 ح1184 ، الوسائل 25 : 457 ، كتاب اللقطة ب13 ح1 .
- (3) الوسائل 25 : 452 ، كتاب اللقطة ب9 .
- (4) الوسائل 25 : 453 ، كتاب اللقطة ب10 .
- (5) جواهر الكلام 16 : 29 .
- (6) كمسالك الأفهام 12 : 523 ، الحدائق الناضرة 12 : 335 ـ 336 .
- (7) الكافي 5 : 138 ح5 ، التهذيب 6 : 390 ح1169 ، الوسائل 25: 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 و2 .
- (8) التهذيب 6 : 398 ح1199 ، الوسائل 25 : 448 ، كتاب اللقطة ب5 ح5 .
(الصفحة 371)
وقضيّة الموثقة الحكم بوجوب التعريف أوّلا ، وجواز التمتّع مع عدم وجدان من يعرف في الدار الخربة أيضاً ، فظاهرهما ممّا لا يجتمع .
هذا ، ولكن التوهّم مدفوع ، بأنّ المراد بالخربة في الصحيحة بقرينة توصيفها بما إذا جلا عنها أهلها هي الخربة البعيدة عن المكان المعمور ، التي لا يحتمل بحسب العرف كون مالك الورق الذي وجد فيها موجوداً في ذلك المكان ; لعدم الارتباط بينهما أصلا ، والمراد بالخربة في الموثّقة هي الخربة القريبة من المكان المعمور ، التي يحتمل كون مالك الورق الذي وجد فيها موجوداً في ذلك المكان المعمور ; إذ الظاهر أنّه ليس المراد بوجوب التعريف وجوبه في المكان الذي لا يرتبط بالخربة أصلا ، بل المراد تعريفه بالنسبة إلى الساكنين حول الخربة ، الذين يحتمل أن يكون مالك الورق موجوداً بينهم ، فالحكم بوجوب التعريف في الخربة في الموثّقة لا ينافي الحكم بأحقّية الواجد في الخربة أيضاً في الصحيحة ، فلا وجه لتوهّم التنافي .
ثمّ انّ الحكم بملكيّة الورق لأهل الدار فيما إذا وجد في الدار المعمورة ـ التي يكون المراد بها بحسب الظاهر هو المكان الذي يسكنه جماعة من الناس ، مختلفون ويتردّدون فيه بالذهاب والاياب ، كالمكان المشتمل على البيوت الكثيرة ، المتعلّق كلّ واحد منها ببعض منهم ، لا الدّار التي ينحصر مالكها بشخص خاصّ ، كما في صحيحة محمّد بن مسلم ، حيث قال(عليه السلام): «فهي لهم» ـ هل المراد به الإخبار عن أمر واقعي مجهول بالنسبة إلى الواجد معلول عن علله الواقعيّة وهو الملكيّة الثابتة لأهل الدار ، المعلولة عن أسبابها الواقعية ، فيكون الحكم بها نوع إخبار عن الغيب ، ولا يرتبط ببيان الأحكام الشرعية ، الذي هو من وظائف الإمام(عليه السلام) .
أو أنّ المراد به الحكم بثبوت الملكيّة للأهل ; لأجل الأمارة الدالّة على ثبوتها ، وهو اليد والتسلّط الذي يكون أمارة على الملكيّة عند العقلاء أيضاً . فمحصّله حينئذ ثبوت حكم ظاهري معلول عن علّة واحدة ، وهي اليد التي تكون أمارة
(الصفحة 372)
على الملكيّة في موارد لم يعلم خلافها .
أو أنّ المراد جعل الملكيّة الظاهريّة لهم بنفس هذه الرواية مع قطع النظر عن ثبوت اليد والتسلّط؟
ومقتضى هذه الاحتمالات الثلاثة ثبوت الملكيّة للأهل ولو لم يعلموا ولم يدّعوا الملكيّة بالنسبة إلى الورق ، بل كانوا شاكّين فيها .
أو أنّ المراد بثبوت الملكيّة لهم لزوم تعريف الورق لهم وإظهار وجدانه حتى لو عرفوه كان ملكاً لهم ، فالملكية تتوقّف على عرفان الورق وادّعائهم الملكيّة له . ويؤيّد ذلك الحكم بأحقّية الواجد فيما إذا كانت الدار خربة قد باد عنها أهلها ، فإنّ قرينة المقابلة تقتضي الحكم بأحقّية الأهل فيما إذا كانت الدار معمورة ، وذلك لايقتضي ثبوت الملكيّة ، كما أنّ المراد بأحقيّة الواجد ليس ثبوت الملكيّة لها بنفس الوجدان في الدار الكذائية ، بل المراد أنّه حيث تكون الدار خربة ليس لها أهل ، فالواجد أحقّ بالمال ويجوز له أن يتملّك ، لا أنّه يصير ملكاً له قهراً ، فأحقّية الأهل في الدار المعمورة ترجع إلى أنّه يجوز لهم أن يتملّكوا الورق بشرط العرفان وبيان خصوصيّات الورق وعلاماته .
ويؤيّد ما ذكرنا أيضاً الحكم بوجوب التعريف في الموثّقة في الدار الخربة التي يكون من أفراد الدار المعمورة ، كما عرفت أنّه مقتضى الجمع بين الصحيحة والموثّقة ، فالمراد بثبوت الملكيّة للأهل هو لزوم رعاية حقّ الأهل بتعريف الورق لهم ، واستكشاف حالهم من حيث العرفان وعدمه ، وقد انقدح من ذلك أنّ المراد بقوله(عليه السلام) : «تمتّع بها» في الموثّقة ليس هو الحكم بلزوم التمتّع من حيث صيرورته ملكاً للواجد مع عدم العارف ، بل المراد الحكم بجواز التمتّع وإباحة التملّك لنفسه ; لعدم وجود من هو أحقّ منه .
وقدتحصّل من ملاحظة الروايات الواردة في غيرالكنز ـ على اختلاف تعابيرها،
(الصفحة 373)
بل ومواردها ـ أنّ غرض الشارع بالنسبة إلى المال الذي وقعت الحيلولة بينه وبين مالكه بالضلال ، أنّه لا ينبغي أن يكون متعطّلا عن الانتفاع ، وأن يصير بالضلال كالذي لا ينتفع به ، بل يجوز الإنتفاع به في هذه الحال وإن لم يكن مالكه معروفاً .
غاية الأمر أنّه لم يسلب أولويّة المالك الأصلي بمجرّد وقوع الحيلولة ، بل قد رُوعي حقّها بالحكم بوجوب التعريف في الورق الموجود في الدار المعمورة أو ما هي بحكمها ، وهو الدار الخربة القريبة من المكان المعمور كما عرفته(1) ، وفي الجوهر الموجود في بطن الدابّة بالنسبة إلى البائع ; لاحتمال كونه هو المالك ، وبوجوب تعريف سنة في اللقطة التي كانت بقدر الدرهم فما زاد .
ويستفاد من مجموع ذلك أنّ الشارع لم يحكم بنفي ملكية المالك بمجرّد وقوع الحيلولة ، بل قد راعى حقّه كمال الرعاية ، ومع ذلك لم يرض بتعطّل المال عن الانتفاع ، فجمع بين الأمرين بوجوب التعريف والحكم بجواز التملّك أو الصدقة عن المالك ، كما في مورد اللقطة ، ومن ذلك يستفاد جواز التملّك في الجملة ، كما أنّه يستفاد أحقّية الواجد بالنسبة إلى غيره كالناظر .
وحينئذ يقع الكلام في اختصاص هذا الحكم بالمال الذي وجد في ظاهر الأرض ممّا وقع الحيلولة بينه وبين مالكه مع عدم شعوره بذلك ، أو أنّه يشمل الكنز الذي هو عبارة عن المال المذخور تحت الأرض قصداً ، التحقيق أنّه لو لم يكن هنا الروايات الواردة في الكنز ، وأنّه يجب الخمس فيه كما يجب في الاُمور الاُخر التي وقع الكنز في سياقها ، لكان الحكم المذكور الوارد في الروايات الواردة في غير الكنز سارياً فيه أيضاً .
إمّا لأجل دعوى عدم اختصاص موردها بغير الكنز ، كما لا يبعد هذه
(الصفحة 374)
الدعوى بالنسبة إلى صحيحة محمّد بن مسلم وموثّقة محمّد بن قيس المتقدّمتين ; لعدم ظهور الروايتين في ما إذا كان الورق الموجود في الدار موجوداً في ظاهرها ، بل مقتضى الإطلاق وترك الاستفصال الشمول للكنز أيضاً .
وإمّا لأجل أنّ موردها وإن كان مختصّاً بغير الكنز ، إلاّ أنّ المتفاهم بنظر العرف عدم الاختصاص بمفهوم الموافقة الذي هو عبارة عن إلغاء الخصوصية ، فلو لم يرد في باب الكنز بالخصوص رواية لكان حكمه حكم اللقطة من وجوب التعريف وجواز التملّك بعده ، إلاّ أنّه مع ورود الرواية في مورده خصوصاً مع ذكره في سياق المعدن والغوص والغنائم التي يجب فيها الخمس ، فهل اللازم تقييد أدلّة الكنز الدالّة على وجوب الخمس فيما إذا صار الواجد مالكاً له بالأدلّة الواردة في غيره الظاهرة في توقّف جواز التملّك على التعريف ، بحيث كان ثبوت الخمس بعد التعريف وجواز التملّك ، أو أنّه حيث كان المورد في الدليلين مختلفاً ، حيث إنّ مورد أدلّة الكنز هو الكنز بالمعنى الذي عرفت(1) ، ومورد أدلّة غيره هو المال الموجود في ظاهر الأرض ، وقد وقعت الحيلولة بينه وبين مالكه بدون قصد ولا إرادة ، فلا منافاة بين توقّف جواز التملّك في الثاني على التعريف، وعدم توقّفه عليه في الأوّل ، بل ثبوت الملكيّة بمجرّد الوجدان ، غاية الأمر لزوم إخراج الخمس لأربابه ؟ وجهان .
لا مجال لتوهّم التقييد في الكنز الذي وجد في بطن الأرض وكانت الآثار شاهدة على تعلّقه بالاُمم الماضية التي ليس منهم في زمان الوجدان عين ولا أثر ; إذ لا وجه للحكم بوجوب التعريف بالنسبة إلى مثل ذلك الكنز الذي لا يحتمل عند العرف وجود مالك فعلي بالنسبة إليه .
وأمّا في غيره من الكنوز التي يوجد ويحتمل ثبوت المالك لها وبقاؤه في حال