(الصفحة 377)
هذا ، ولكن مقتضى هذا الدليل ثبوت ملكيّة البائع وإن لم يدّع الملكيّة أصلا، بل كان شاكّاً في كونه مالكاً له ، ومن الواضح أنّ المستدلّ لا يلتزم بذلك .
هذا، مضافاً إلى أنّ ثبوت اليد على ما في جوف الدابّة بحيث يترتّب عليها آثار الملكيّة كسائر الموارد التي يحكم بترتّب الملكيّة بمجرّد ثبوت اليد ممنوع ; لعدم تبعية ما في جوف الدابّة لنفس الدابّة في اليد عند العرف والعقلاء حتى يحكم بتبعيته لها في الملكيّة ، كما أنّ الحكم بشمول المقام لقاعدة المدّعي بلا معارض ـ المقرّرة في كتاب القضاء(1)ـ ممنوع ; لأنّ مورد تلك القاعدة ما إذا كان مال بين أشخاص لهم اليد عليه ، ولكن لا يدّعيه إلاّ واحد منهم ، كما يظهر من الرواية التي هي المدرك لها(2) ، فلا ارتباط لها بالمقام .
فالإنصاف أنّ ظاهر الرواية الواردة هنا أنّه لا يكفي مجرّد ادّعاء البائع الملكيّة ، كما أنّه لا يحتاج إلى إقامة البيّنة ، كما في باب اللقطة ، بل يكفي الإدّعاء بضميمة التوصيف وبيان الخصوصيات .
هذا ، ويمكن الاستناد لكفاية مجرّد الادّعاء بصحيحة محمّد بن مسلم(3)الظاهرة في الحكم بملكية الأهل فيما إذا وجد الورق في الدار المعمورة ، فإنّ أمر مفادها يدور بين أن يكون المراد جعل الحكم الظاهري ; وهي الملكيّة الظاهرية للأهل ، وبين أن يكون المراد بيان أحقّية الأهل ولزوم التعريف لهم ، كما تشهد به قرينة المقابلة مع الحكم بأحقّية الواجد فيما إذا وجد الورق في الدار غير المعمورة ،
- (1) راجع شرائع الإسلام 4 : 109 ، رياض المسائل 9 : 376 ـ 377 ، مستند الشيعة 17 : 358 ـ 359 ، جواهر الكلام 40 : 398 .
- (2) الكافي 7 : 422 ح5 ، التهذيب 6 : 292 ح810 . الوسائل 27 : 273 ، كتاب القضاء، أبواب كيفيّة الحكم ب17 ح1 .
- (3) الكافي 5 : 138 ح5 ، التهذيب 6 : 390 ح1169 ، الوسائل 25 : 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 .
(الصفحة 378)
كما نفينا البُعد عن هذا الاحتمال فيما سبق .
فعلى التقدير الأوّل يكون مقتضى الصحيحة ثبوت الملكيّة للأهل ولو لم يدّعوا الملكيّة، فضلا عمّا إذا ادّعوها ، ولازمه الانتقال إلى ورثتهم مع موتهم قبل التعريف وادّعاء الملكيّة ووجوب الصرف إلى ديّانهم فيما لو كان عليهم دين وغير ذلك .
وعلى التقدير الثاني يكون مقتضاها وجوب الدفع إلى الأهل بمجرّد الادّعاء ; لأنّه مقتضى أحقيّتهم ، وبالجملة: مفاد الصحيحة ـ بعد عدم إمكان الحمل على بيان الحكم الواقعي المسبّب عن علله الواقعية، أو عن خصوص اليد كما عرفت ـ هو كون الأهل أحقّ ، نظير أحقّية الواجد فيما إذا وجد الورق في الدار الخربة ، وهذا لا يحتاج إلى التوصيف ولا اليمين ولا إقامة البيّنة .
وعليه فيحمل العرفان الوارد في غير هذه الرواية على مجرّد الادّعاء لا على التوصيف وإن كان هو في نفسه ظاهراً في التوصيف ، كما ذكرنا .
وكيف كان، فقد انقدح من جميع ما ذكرنا في حكم صور الكنز أنّ مقتضى الأدلّة الواردة في الكنز الجاعلة إيّاه في سياق ما يجب فيه الخمس ، كالغنائم والغوص والمعدن ، ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان ، وأنّ التفصيل الذي ذكره الشيخ في المبسوط ـ من الفرق بين ما يوجد في دارالحرب ، وبين ما يوجد في دار الإسلام ، وأنّ ما يوجد في دار الحرب يجب فيه الخمس مطلقاً ، بخلاف ما يوجد في دار الإسلام، فإنّه فيه تفصيل عرفته(1) ـ ممّا لا شاهد له في الروايات ، بل مقتضى ظاهر ما ورد منها في الكنز(2) ثبوت الملكيّة للواجد مطلقاً وأنّ عليه الخمس كذلك .
- (1) في ص367 .
- (2) الوسائل 9 : 495 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب5 .
(الصفحة 379)
اللهمّ إلاّ أن يناقش في ذلك بأنّ الروايات الواردة في الكنز لا تكون بصدد بيان ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان ، بل غاية مفادها أنّ الكنز الذي صار ملكاً للواجد يجب عليه إخراج خمسه ، فهي واردة بعد الفراغ عن ثبوت الملكيّة ، واللازم حينئذ استكشاف حكم الملكيّة من دليل آخر ، بل لو قلنا بدلالة تلك الروايات على ثبوت الملكيّة في المعدن ونحوه بمجرّد الإخراج لا يسعنا القول بذلك في الكنز ; لأنّه مال ادّخره صاحبه تحت الأرض لبعض الأغراض ، وليس كالمعدن المتكوّن تحت الأرض الذي يكون إخراجه من الطرق العقلائية للاكتساب والمعيشة ، فالحكم بثبوت الملكيّة للمخرج في المعدن لا يكون قرينة على الحكم بثبوت الملكيّة للواجد في الكنز بعد عدم كون العثور عليه وإخراجه من الطرق المعمولة للمعيشة ، وكونه مالا لإنسان ادّخره قصداً لبعض الأغراض .
(الصفحة 380)
الرابع : الغوص
لا إشكال ولا خلاف في وجوب الخمس فيه وتعلّقه بما يخرج به(1) ، بل حكي دعوى الاجماع عليه عن ظاهر الانتصار(2) وصريح الغنية(3) والمنتهى(4) .
ويدلّ عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن مهزيار ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال : عليه الخمس(5) .
ورواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(6) .
وكذا الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ الخمس من خمسة أشياء ، كمرسل حمّاد(7) ، وكذا ابن أبي عمير(8) وغيرهما ، حيث عدّ فيها الغوص في عِداد ما يجب فيه الخمس .
- (1) راجع الحدائق الناضرة 12 : 343 ، وجواهر الكلام 16 : 39 .
- (2) الانتصار : 225 .
- (3) غنية النزوع : 129 .
- (4) منتهى المطلب 1 : 547 .
- (5) التهذيب 4 : 121 ح346 ، الكافي 1 : 548 ح28 ، الوسائل 9 : 498 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب7 ح1 .
- (6) الكافي 1: 547 ح21، الفقيه 2 : 21 ح72 ، التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
- (7) الكافي 1 : 539 ح4 ، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح4 .
- (8) تقدّمت في ص357 .
(الصفحة 381)
وبالجملة : فلا إشكال في هذه الجهة ، وكذا في اعتبار النصاب فيه وأنّ نصابه دينار واحد وإن حكي عن المفيد في عزّيته اعتبار العشرين(1) ، إلاّ أنّه ضعيف لم يعرف له مأخذ ، كما اعترف به غير واحد من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين(2) .
ثمّ إنّه لا إشكال في تعلّق الخمس فيما أُخرج من داخل البحر بالغوص ، من مثل الجواهر والدّرر ممّا اُعتيد خروجه منه ، وأمّا لو اُخذ شيء قد خرج عن البحر بنفسه عن ساحله ، بحيث كان المخرج له هو البحر لأجل اختلاف حاله من الجزر والمدّ ففي ثبوت الخمس فيه إشكال ، ومقتضى تعليق الحكم بالغوص في أكثر الروايات الواردة في هذا الباب عدم الوجوب فيه .
ولكن حكي عن الشهيد في البيان أنّه قال: لو أُخذ منه شيء بغير غوص فالظاهر أنّه بحكمه ، ولو كان ممّا ألقاه الماء على الساحل(3) . واحتمل في الجواهر استناده في ذلك إلى رواية محمّد بن عليّ بن أبي عبدالله ، حيث لم يعلّق الحكم فيها بالغوص ، بل بما يخرج من البحر ، واستشكل فيه باحتياجه إلى الجابر في ذلك ، وليس ، بل الموهن متحقّق على الظاهر(4) .
وكيف كان، فالظاهر أنّه لا يجوز الفتوى على طبق هذه الرواية مع احتمال انصرافها إلى المتعارف ، وهو الإخراج بالغوص ، فلم يثبت وجوب الخمس في هذه الصورة ، كما أنّه لا دليل على ثبوته فيما إذا اُخرج بالآلات لا بالغوص وإن كان
- (1) حكى عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 3 : 191 ، مسألة 148 .
- (2) كالعاملي في مدارك الأحكام 5 : 375 ، والبحراني في الحدائق الناضرة 12 : 344 ، والطباطبائي في رياض المسائل 5 : 251 ، والنراقي في مستند الشيعة 10 : 60 ، والنجفي في جواهر الكلام 16 : 41 .
- (3) البيان : 216 .
- (4) جواهر الكلام 16 : 41 .