(الصفحة 386)
حيث روى عن الصادق(عليه السلام) أنّه قال: الذمّي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس(1) .
هذا ، والظاهر أنّ المروي عنه هو أبو جعفر الباقر(عليه السلام) ، والرواية عن الصادق(عليه السلام)كما في المرسلة الظاهر أنّها اشتباه ; إذ ليس في المقام إلاّ رواية واحدة ، كما لا يخفى .
وكيف كان، فقد حكم في الجواهر بصحّة سند الرواية ، بل حكى كونه في أعلى درجات الصحّة(2)(3)، مع أنّ المذكور في ترجمة أحمد بن محمّد بن عيسى الذي روى عن الحسن بن محبوب في هذه الرواية أنّه لم يكن يروي عن الحسن بن محبوب; لمكان روايته عن أبي حمزة الثمالي ، ثمّ تاب ورجع وروى عنه(4) ، والظاهر أنّ المراد ممّا جعل علّة لعدم روايته عنه أنّ الحسن بن محبوب له روايات ربما تبلغ عشرين رواية عن أبي حمزة الثمالي من دون واسطة ، مع أنّ أباحمزة قد اتّفق وفاته في سنة 150(5) وابن محبوب في سنة 224 ، وقيل في مدّة حياته : إنّها كانت خمساً وسبعين سنة(6) ، وحينئذ فكانت أيّام وفاة أبي حمزة قريبة من أيّام ولادة ابن محبوب ، وحينئذ فكيف يمكن له النقل عنه من دون واسطة ؟
وبالجملة: فأبوحمزة من الطبقة الرابعة من الطبقات التي رتّبناها ، وابن محبوب من الطبقة السادسة من تلك الطبقات ، فلا يمكن له النقل عنه من دون واسطة ،
- (1) المقنعة : 283 .
- (2) جواهرالكلام16: 65، والمحكي عنه السيِّد العاملي في المدارك 5: 386قال:«إنّه في أعلى مراتب الصحّة».
- (3) جواهر الكلام 16 : 65 .
- (4) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي»: 512 رقم 989.
- (5) رجال الطوسي: 110 رقم 1083 وص174 رقم 2047.
- (6) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي»: 584 رقم 1094.
(الصفحة 387)
والظاهر أنّ هذا هو السرّ في ترك أحمد بن محمّد بن عيسى الرواية عن ابن محبوب ، لما رأى منه من روايته عن الثمالي من دون واسطة ، مع عدم إمكان ذلك منه ، إلاّ أنّ الذي يشكل الأمر أنّ الوجه لعدم روايته عنه إن كان هو الذي ذكرنا ، فهذا يوجب ترك الرواية عنه رأساً ، فلا وجه للتوبة والرجوع والرواية عنه .
نعم ، يمكن توجيه ذلك بأنّه يمكن أن يكون الوجه لرواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي من دون واسطة أنّه كانت تلك الروايات موجودة عند محبوب أبي الحسن مضبوطة محفوظة من الزيادة والنقصان ، لقراءته على الثمالي مثلا ، فاستجاز من الثمالي نقل تلك الروايات لابنه الحسن قبل أن يبلغ إلى حدّ يمكن له الرواية لصغر سنّه ، فأجازه في ذلك ، ثم بعد البلوغ إلى ذلك الحدّ روى الحسن عنه من دون واسطة ، نظراً إلى الإجازة الصادرة من الثمالي بعد استجازة أبيه وإن لم يكن الثمالي باقياً إلى ذلك الزمان ، ويؤيّده شدّة اهتمام محبوب بكون ولده من جملة المتحمّلين للحديث ، كما يظهر ممّا ذكر في ترجمته من أنّه كان يعطيه بإزاء حمل حديث واحد درهماً(1) .
ويؤيّده أيضاً ثبوت النظير له ، وهو رواية هارون بن موسى التلعكبري ، عن محمّد بن محمّد بن الأشعث كتاب الجعفريات ، فإنّ روايته عنه كانت مستندة إلى استجازة موسى أبي هارون عن محمّد رواية ذلك الكتاب لابنه وإجازته له ; ولذا رواه هارون قبل أن يبلغ إلى خمس عشرة سنة(2) .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا ينبغي الإشكال في الرواية في المقام من حيث السند ; لأنّ الحسن لم يروها عن الثمالي حتى تجري فيه المناقشة ، بل رواها عن
- (1) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 585 رقم 1095.
- (2) راجع الجعفريات (المطبوع مع قرب الإسناد) : 183 ، ورجال الطوسي : 442 رقم 6313 .
(الصفحة 388)
أبي أيّوب إبراهيم بن عثمان كما عرفت .
وأمّا دلالتها فلابدّ من البحث فيها تارة من حيث كون الخمس الذي حكم فيها بثبوته على عهدة الذمّي، هل هو خمس عين الأرض ، أو أنّ المراد به هو ضعف العشر الثابت في الأراضي العشرية المتعلّق بالعوائد والمنافع دون نفس العين؟ واُخرى من حيث اختصاص ذلك بخصوص ما إذا كان الانتقال إلى الذمّي بالاشتراء ، أو عدم الاختصاص به والشمول لسائر المعاوضات ، بل وجميع أنواع الانتقالات ولو لم تكن معاوضة ، بل ولو كانت قهرية كالإرث ونحوه ، وثالثة من جهة الاختصاص بخصوص أرض الزراعة ونحوها ، أو عدمه والشمول لغيرها من أراضي المساكن ونحوها .
أمّا من الجهة الاُولى : فنقول: يظهر من الشيخ (قدس سره) في كتابي النهاية والمبسوط وكتاب الاقتصاد والجمل أنّ الخمس الثابت في هذه الأرض هو الخمس المعهود الثابت بالنسبة إلى عينها ; لأنّه ذكرها في سياق ما يجب فيه الخمس من الغنائم والمعادن وغيرهما(1) .
ويظهر من كتاب خلافه أنّ الخمس في هذه الأرض هو ضعف العشر المتعلّق بعوائد الأراضي العشرية ، حيث قال في مسألة خمس وثمانين من كتاب الزكاة: إذا اشترى الذمّي أرضاً عشرية وجب عليه فيها الخمس ، وبه قال أبو يوسف، فإنّه قال : عليه فيها عشران ، وقال محمّد : عليه عشر واحد ، وقال أبو حنيفة: تنقلب خراجية ـ يعني يصير الاختيار في تعيين المقدار إلى وليّ المسلمين ، ولا مقدار معيّناً مع قطع النظر عن تعيينه ـ وقال الشافعي: لا عشر عليه ولا خراج(2) .
- (1) النهاية : 197 ، المبسوط 1 : 237 ، الاقتصاد : 427 ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : 207 .
- (2) راجع المجموع للنووي 5 : 455 ، والهداية للمرغيناني 1 : 119 ، وتبيين الحقائق للزيلعي 1 : 294 ، والمبسوط للسرخسي 3 : 6 .
(الصفحة 389)
دليلنا : إجماع الفرقة ، فانّهم لا يختلفون في هذه المسألة ، وهي مسطورة لهم منصوص عليها . روى ذلك أبو عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر(عليه السلام) يقول: أيّما ذمّي اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس(1) ، انتهى .
وأنت خبير بصراحة هذا الكلام في كون المراد من الخمس الذي اختاره ، وذكر أنّ أصحابنا الإمامية لا يختلفون في ذلك ، وأنّه الذي رواه أبو عبيدة الحذاء ، هو ضعف العشر الذي به قال أبو يوسف .
ومن الواضح أنّ المراد بالعشر الثابت في الأراضي العشرية هو العشر في غلّتها ومنافعها ، دون أصلها وعينها ، فيظهر من ذلك أنّه لم يكن مراد الأصحاب من هذا الخمس هو الخمس المعهود المصطلح المبحوث عنه في كتاب الخمس ، ويؤيّده عدم تعرّض جماعة من أعلام القدماء ممّن تقدّم لثبوت الخمس المعهود في المقام ، وظاهرهم عدم الثبوت ، ونقل المفيد الرواية في المقنعة(2) لا يدلّ على كون مراده ثبوت الخمس المصطلح ، خصوصاً مع عدم تعرّض سلاّر ـ الذي هو أكبر تلامذته ، ولذا تصدّى بعد المفيد الزعامة ، وكان متقدّماً على الشيخ ـ لذلك في كتاب المراسم ، مع اشتماله على أغلب فتاوى المفيد .
وكيف كان، فلابدّ من التأمّل في المراد من الخمس الوارد في الرواية ، وأنّ الراوي ـ وهو أبو عبيدة ـ هل فهم الخمس المصطلح أو ضعف العشر الثابت في الأراضي العشرية بعنوان الزكاة؟ والظاهر أنّ كلاًّ من الأمرين محتمل ولا معيِّن لواحد منهما ، فإنّه كما يحتمل كون المراد هو الخمس المعهود المصطلح ، كما يؤيّده حكم الشيخ بثبوته في المقام في أكثر كتبه من التهذيب(3)ـ الذي هو أوّل ما صنّفه
- (1) الخلاف 2 : 73 ـ 74 مسألة 85 .
- (2) المقنعة : 283 .
- (3) التهذيب 2 : 139 ح393 .
(الصفحة 390)
على ما تشهد به القرائن ـ والنهاية والاقتصاد والمبسوط(1) ، الذي هو آخر ما صنّفه في الفقه وإن كان التبيان الموضوع في التفسير هو آخر ما برز من قلمه الشريف ، كما أشار إليه الحلّي في السرائر(2) .
ولا ينافي ذلك عدم تعرّض من تقدّم من الأعلام ، وكذا بعض آخر كالسيّد في الانتصار لثبوت هذا الخمس ; لأنّه يحتمل أن يكون الوجه لعدم تعرّضهم له عدم عثورهم على الرواية التي هي الدليل الفريد في الباب ; لعدم العلم بحال أكثرهم وأنّهم هل كان نشؤهم في المجامع العلمية أو في غيرها ، مضافاً إلى أنّ الجوامع الثانوية كالكافي للكليني لم تكن موجودة في زمان بعضهم ، كابن أبي عقيل .
وكيف كان، فلم يعلم أنّهم بعد الاطلاع على الرواية تركوا التعرّض ، نظراً إلى عدم كون المراد منها هو الخمس المصطلح ، مضافاً إلى أنّ مثل كتاب الانتصار موضوع لإيراد متفرّدات الإمامية ، ومع ذلك لم يكن جامعاً لجميعها ، كما أفاد سيّدنا العلاّمة الاُستاذ دام ظلّه الوارف ، حيث ذكر أنّه في سالف الزمان قد جمع جملة من المتفرّدات غير المذكورة في كتاب الانتصار ، وكذلك يحتمل أن يكون المراد هو ضعف العشر الثابت بعنوان الزكاة في الأراضي العشريّة، نظراً إلى إسناد الشيخ ذلك إلى أصحابنا الإماميّة ، كما عرفت عبارته في كتاب الخلاف الذي صنّفه في أواسط اشتغاله بالتصنيف ، وإلى خلوّ الروايات ـ الحاصرة لما يجب فيه الخمس في الخمسة أو الأربعة أو الواحد وهي الغنائم ـ عن ذكر هذه الأرض ، فإنّها خارجة عنها ، ولا تكون مشمولة للغنائم أيضاً بناءً على كون المراد مطلق الفائدة والغنيمة ، كما أنّه لا بدّ من حمل الرواية الدالّة على انحصار الخمس فيها(3) على ذلك .
- (1) النهاية : 197 ، الاقتصاد : 427 ، المبسوط 1 : 237 .
- (2) السرائر 1 : 488 .
- (3) راجع الوسائل 9 : 485 و491 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح1 و15 .