(الصفحة 394)
هو المال ، ويصير مفاد الذيل وجوب الاجتناب عن المال الذي كان صاحبه معلوماً ، وليس فيه حينئذ دلالة على أنّ المراد بقول السائل : «أصبت مالا» إلخ هو إصابة المال الكذائي من الشخص الآخر إليه ، وهذا بخلاف ما لو كان الصادر «يعمل» بدل «يُعلم» ، فإنّ فيه حينئذ دلالة على أنّ المراد من إصابة المال الكذائي إليه من أصابته من الشخص الآخر إليه بالإرث أو غيره .
غاية الأمر أنّه أغمض في طريق تحصيله ، وعليه فيكون المراد بالموصول ـ الذي يجب الاجتناب عنه ـ هو الطريق غير المشروع الذي حصل بعض المال منه .
ويؤيّد هذا الاحتمال صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال: أتى رجل أبي(عليه السلام) فقال: إنّي ورثت مالا وقد علمت أنّ صاحبه الذي ورثته منه قد كان يربي ، وقد أعرف أنّ فيه رباً واستيقن ذلك ، وليس يطيب لي حلاله لحال علمي فيه ، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا: لا يحلّ لك أكله ، فقال أبو جعفر(عليه السلام): إن كنت تعلم بأنّ فيه مالا معروفاً رباً ، وتعرف أهله فخذ رأس مالك وردّ ما سوى ذلك ، وإن كان مختلطاً فكله هنيئاً ، فإنّ المال مالك، واجتنب ما كان يصنع صاحبه، الحديث(1) .
وكيف كان، فلا بدّ من النظر في السؤال في رواية الحسن وتشخيص المراد من قوله: «لا أعرف حلاله من حرامه» ، وأنّه هل يختصّ هذا التعبير بما إذا لم تكن عين الحلال متميّزة عن عين الحرام ، بأن كان هنا عينان مثلا يعلم بكون إحداهما حلالا والاُخرى حراماً على سبيل الشبهة المحصورة ، من دون أن يكون النظر إلى جهالة مقدار الحرام ، أو يعمّ ما إذا كان مقدار الحرام الموجود على نحو الإشاعة في المجموع
- (1) الكافي 5 : 145 ح5 ، الفقيه 3 : 203 ح789 ، التهذيب 7 : 16 ح70 ، الوسائل 18 : 129 ، كتاب التجارة، أبواب الربا ب5 ح3 .
(الصفحة 395)
مجهولا أيضاً ، كما إذا لم يعلم أنّ الحرام هل هو ثلث المجموع أو ربعه أو غيرهما من الكسور المشاعة؟ وجهان :
فإن قلنا بالوجه الثاني تكون الرواية دالّة على ثبوت الخمس في جميع أفراد محلّ البحث ، وأمّا إذا قلنا بالوجه الأوّل فلا دلالة للرواية إلاّ على ثبوت الخمس في الشبهة المحصورة التي يكون مقتضى القاعدة فيها الاحتياط بالاجتناب عن الجميع .
هذا ، والظاهر هو هذا الوجه ، فإنّ التعبير بعدم عرفان الحلال عن الحرام ظاهر في عدم تميّز عين الحلال عن عين الحرام ، وليس فيه إشعار بالجهل من حيث المقدار وأنّ المراد بعدم العرفان هو عدم عرفان كسر الحرام المشاع الموجود في المجموع .
ودعوى أنّ الحكم بوجوب إخراج الخمس في الجواب لا يلائم إلاّ مع كون المراد الجهل بالمقدار ، خصوصاً مع التعليل بـ «أنّ الله قد رضي من ذلك المال بالخمس» في الجواب ، لا يلائم إلاّ أنّ مقدار الحرام وإن كان مجهولا لك ، وأنّه هل يكون بالغاً حدّ الخمس أو الأزيد أم لم يبلغ؟ إلاّ أنّه تعالى قد اختار الخمس ورضي به من بين الكسور المشاعة ، فإيجاب إخراج الخمس خصوصاً بملاحظة هذا التعليل لا ينطبق إلاّ على كون مراد السائل عدم العرفان من حيث المقدار ، كما لايخفى .
مدفوعة بأنّ إيجاب إخراج الخمس لا ينافي كون المراد ما ذكرنا من عدم تميّز عين الحلال عن عين الحرام ; لأنّ مرجع ذلك إلى أنّ اختلاط العينين وعدم تميّزهما يوجب الرجوع إلى الخمس من المجموع . غاية الأمر أنّه لابدّ من الالتزام بوقوع معاوضة قهرية بين المالين بحكم الشارع على تقدير عدم كون ما يدفع منهما بعنوان الخمس هو المال الحرام الذي قصد تخليص المال منه ، بل كان هو المال الحلال ، فانّه
(الصفحة 396)
لا محيص حينئذ عن الالتزام بوقوع هذه المعاوضة لأن يصير الباقي حلالا ، كما هو واضح .
وبالجملة : فدعوى عموم الرواية لكلتا الصورتين ممنوعة ; لأنّ الظاهر منها خصوص ما كان من قبيل الشبهة المحصورة .
ثالثتها : رواية السكوني التي رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ـ وهو حسين بن يزيد النوفلي ، الذي هو من نوفل قحطان لا من نوفل عدنان ، وهو الراوي لروايات السكوني لإبراهيم بن هاشم ـ عن السكوني . والشيخ عن الكليني . والصدوق باسناده عن السكوني . والبرقي في المحاسن عن النوفلي . والمفيد في المقنعة مرسلا عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: أتى رجل أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراماً ، وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام ، وقد اختلط عليَّ ، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): تصدّق بخمس مالك ، فإنّ الله قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال(1) .
وهنا مرسلة اُخرى للصدوق ، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه ، أفلي توبة؟ قال: إئتني بخمسه، فأتاه بخمسه ، فقال: هو لك ، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه(2) .
والظاهر أنّها لا تكون رواية اُخرى ، بل هي متخذة من الروايتين السابقتين .
وبعد ملاحظة روايات المسألة على ما عرفت ، لا يبقى الإشكال في ثبوت الخمس في الحلال المختلط بالحرام في الجملة ، ولكن لابدّ من النظر في أنّ مصرف
- (1) الكافي 5 : 125 ح5 ، الفقيه 3 : 137 ح499 ، التهذيب 6 : 368 ح1065 ، المحاسن 2 : 40 ح1130 ، المقنعة: 283، الوسائل 9: 506، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح4.
- (2) الفقيه 2 : 22 ح83 ، الوسائل 9 : 506 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح3 .
(الصفحة 397)
هذا الخمس هل هو مصرف الخمس المتعلّق بالاُمور المتقدّمة التي يجب فيها الخمس ; وهو الإمام وفقراء السادة ، فيكون الخمس الثابت في المقام هو الخمس المعهود المصطلح الذي عيّن مصرفه في الآية الشريفة الواردة في الغنيمة(1) ، أو أنّه لابدّ من صرف هذا الخمس في الصدقة التي مصرفها عموم الفقراء؟ وجهان :
من ظهور رواية عمّار المتقدّمة في كون هذا الخمس هو الخمس المعهود الذي له مصرف خاصّ ، حيث عدّ فيها الحلال المختلط بالحرام في سياق ما يجب فيه الخمس من الكنوز والمعادن وغيرهما ، ومن ظهور رواية السكوني في وجوب التصدّق بهذا الخمس ، حيث قال(عليه السلام): «تصدّق بخمس مالك» .
وقد عرفت سابقاً أنّ الخمس لا يكون له حقيقة شرعية ، بل ليس هو إلاّ الكسر المشاع المعهود ، فالحكم بثبوته في المقام كما في رواية عمّار لا دلالة فيه على وجوب الصرف إلى السادة ، بل غايته ثبوت هذا الكسر المشاع في الحلال الكذائي ، وهذا لا ينافي وجوب التصدّق به ولزوم صرفه بعنوان الصدقة عن المالك .
ويؤيّد ذلك أنّ الحكم فيما إذا كان مقدار المال معلوماً والمالك مجهولا هو وجوب التصدّق به عنه بمقتضى الروايات الواردة في مجهول المالك الدالّة على التصدّق عنه(2) ; لأنّه نوع إيصال إليه بعد تعذّر الردّ إلى شخصه ، فإن جاء بعد ورضي ، وإلاّ فيجب عليه الخروج عن عهدته بردّ مثله أو قيمته إليه ، والظاهر أنّ المنشأ لهذا الحكم ليس إلاّ مجرّد مجهوليّة المالك .
وأمّا عدم الجهل بالمقدار فلا دخل له في هذا الحكم على ما هو المتفاهم عند
- (1) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (2) راجع الوسائل 17 : 199 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب47 ح1 وج 25 : 450 ، كتاب اللقطة ب7 ح2 وج 26 : 297 ، كتاب الفرائض والميراث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب6 ح3 .
(الصفحة 398)
العرف ، فإذا كان المقدار أيضاً مجهولا فالظاهر أنّه لا يختلف الحكم بذلك ، بل الظاهر لزوم الصرف بعنوان الصدقة. وإن شئت قلت: إنّ إيجاب الخمس إنّما هو لأجل الجهل بالمقدار ، وإيجاب التصدّق به كما في رواية السكوني إنّما هو لأجل كون المالك مجهولا ، فيستفاد منه أنّ الجهل بالمالك يوجب التصدّق بالمال عنه .
غاية الأمر أنّه إذا كان المقدار معلوماً يجب صرف ذلك المقدار إليه ، وإذا كان مجهولا يجب صرف الخمس فيه ; لأنّ الله قد رضي بالخمس . ويؤيّد ما ذكرنا أنّ إفادة وجوب الخمس المصطلح تحتاج إلى مؤونة زائدة على إيجاب التصدّق بالخمس عن المالك .
توضيح ذلك: أنّه لا إشكال في دلالة الروايات الواردة في المسألة على أنّ تخليص المال من الحرام وتطهيره عنه يتوقّف على أداء الخمس واستثنائه منه ; لأنّه تعالى رضي منه أو من جميع الأشياء بالخمس ، وأنّه لا يجب بذل أزيد من مقدار الخمس ، ومرجع ذلك إلى وقوع معاوضة قهريّة بين المالين على تقدير كون الحرام أزيد من مقدار الخمس بحسب الواقع ; لأنّه على هذا التقدير لابدّ من الالتزام بوقوع هذه المعاوضة بحكم الشارع الذي اقتصر على الخمس .
وهذا المقدار المستفاد من الروايات يقيناً يتساوى فيه كلا الاحتمالين : احتمال الخمس المصطلح ، واحتمال الصدقة ، وفي الزائد عليه يختلفان ، حيث إنّه على تقدير كون مصرف الخمس هي الصدقة لا يحتاج إلى أزيد من وقوع المبادلة بين المالين ; لأنّ المفروض أنّ الخمس الذي وقع عوضاً عن المال الحرام يردّ إلى المالك ويتصدّق به عنه ; لأنّه نوع إيصال إليه بعد تعذّر الردّ إلى شخصه ، والصدقة صدقة عنه ، فلم تقع المبادلة إلاّ بين المالين فقط .
وهذا بخلاف ما لو كان المستحقّ لهذا الخمس هو بني هاشم ، فإنّه لابدّ مع ما ذكر من الالتزام بكون اختلاط الحرام بالحلال الموجب للخمس موجباً لتبدّل