(الصفحة 396)
لا محيص حينئذ عن الالتزام بوقوع هذه المعاوضة لأن يصير الباقي حلالا ، كما هو واضح .
وبالجملة : فدعوى عموم الرواية لكلتا الصورتين ممنوعة ; لأنّ الظاهر منها خصوص ما كان من قبيل الشبهة المحصورة .
ثالثتها : رواية السكوني التي رواها الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ـ وهو حسين بن يزيد النوفلي ، الذي هو من نوفل قحطان لا من نوفل عدنان ، وهو الراوي لروايات السكوني لإبراهيم بن هاشم ـ عن السكوني . والشيخ عن الكليني . والصدوق باسناده عن السكوني . والبرقي في المحاسن عن النوفلي . والمفيد في المقنعة مرسلا عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: أتى رجل أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: إنّي كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراماً ، وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام ، وقد اختلط عليَّ ، فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): تصدّق بخمس مالك ، فإنّ الله قد رضي من الأشياء بالخمس وسائر المال لك حلال(1) .
وهنا مرسلة اُخرى للصدوق ، قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه ، أفلي توبة؟ قال: إئتني بخمسه، فأتاه بخمسه ، فقال: هو لك ، إنّ الرجل إذا تاب تاب ماله معه(2) .
والظاهر أنّها لا تكون رواية اُخرى ، بل هي متخذة من الروايتين السابقتين .
وبعد ملاحظة روايات المسألة على ما عرفت ، لا يبقى الإشكال في ثبوت الخمس في الحلال المختلط بالحرام في الجملة ، ولكن لابدّ من النظر في أنّ مصرف
- (1) الكافي 5 : 125 ح5 ، الفقيه 3 : 137 ح499 ، التهذيب 6 : 368 ح1065 ، المحاسن 2 : 40 ح1130 ، المقنعة: 283، الوسائل 9: 506، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح4.
- (2) الفقيه 2 : 22 ح83 ، الوسائل 9 : 506 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب10 ح3 .
(الصفحة 397)
هذا الخمس هل هو مصرف الخمس المتعلّق بالاُمور المتقدّمة التي يجب فيها الخمس ; وهو الإمام وفقراء السادة ، فيكون الخمس الثابت في المقام هو الخمس المعهود المصطلح الذي عيّن مصرفه في الآية الشريفة الواردة في الغنيمة(1) ، أو أنّه لابدّ من صرف هذا الخمس في الصدقة التي مصرفها عموم الفقراء؟ وجهان :
من ظهور رواية عمّار المتقدّمة في كون هذا الخمس هو الخمس المعهود الذي له مصرف خاصّ ، حيث عدّ فيها الحلال المختلط بالحرام في سياق ما يجب فيه الخمس من الكنوز والمعادن وغيرهما ، ومن ظهور رواية السكوني في وجوب التصدّق بهذا الخمس ، حيث قال(عليه السلام): «تصدّق بخمس مالك» .
وقد عرفت سابقاً أنّ الخمس لا يكون له حقيقة شرعية ، بل ليس هو إلاّ الكسر المشاع المعهود ، فالحكم بثبوته في المقام كما في رواية عمّار لا دلالة فيه على وجوب الصرف إلى السادة ، بل غايته ثبوت هذا الكسر المشاع في الحلال الكذائي ، وهذا لا ينافي وجوب التصدّق به ولزوم صرفه بعنوان الصدقة عن المالك .
ويؤيّد ذلك أنّ الحكم فيما إذا كان مقدار المال معلوماً والمالك مجهولا هو وجوب التصدّق به عنه بمقتضى الروايات الواردة في مجهول المالك الدالّة على التصدّق عنه(2) ; لأنّه نوع إيصال إليه بعد تعذّر الردّ إلى شخصه ، فإن جاء بعد ورضي ، وإلاّ فيجب عليه الخروج عن عهدته بردّ مثله أو قيمته إليه ، والظاهر أنّ المنشأ لهذا الحكم ليس إلاّ مجرّد مجهوليّة المالك .
وأمّا عدم الجهل بالمقدار فلا دخل له في هذا الحكم على ما هو المتفاهم عند
- (1) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (2) راجع الوسائل 17 : 199 ، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به ب47 ح1 وج 25 : 450 ، كتاب اللقطة ب7 ح2 وج 26 : 297 ، كتاب الفرائض والميراث، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب6 ح3 .
(الصفحة 398)
العرف ، فإذا كان المقدار أيضاً مجهولا فالظاهر أنّه لا يختلف الحكم بذلك ، بل الظاهر لزوم الصرف بعنوان الصدقة. وإن شئت قلت: إنّ إيجاب الخمس إنّما هو لأجل الجهل بالمقدار ، وإيجاب التصدّق به كما في رواية السكوني إنّما هو لأجل كون المالك مجهولا ، فيستفاد منه أنّ الجهل بالمالك يوجب التصدّق بالمال عنه .
غاية الأمر أنّه إذا كان المقدار معلوماً يجب صرف ذلك المقدار إليه ، وإذا كان مجهولا يجب صرف الخمس فيه ; لأنّ الله قد رضي بالخمس . ويؤيّد ما ذكرنا أنّ إفادة وجوب الخمس المصطلح تحتاج إلى مؤونة زائدة على إيجاب التصدّق بالخمس عن المالك .
توضيح ذلك: أنّه لا إشكال في دلالة الروايات الواردة في المسألة على أنّ تخليص المال من الحرام وتطهيره عنه يتوقّف على أداء الخمس واستثنائه منه ; لأنّه تعالى رضي منه أو من جميع الأشياء بالخمس ، وأنّه لا يجب بذل أزيد من مقدار الخمس ، ومرجع ذلك إلى وقوع معاوضة قهريّة بين المالين على تقدير كون الحرام أزيد من مقدار الخمس بحسب الواقع ; لأنّه على هذا التقدير لابدّ من الالتزام بوقوع هذه المعاوضة بحكم الشارع الذي اقتصر على الخمس .
وهذا المقدار المستفاد من الروايات يقيناً يتساوى فيه كلا الاحتمالين : احتمال الخمس المصطلح ، واحتمال الصدقة ، وفي الزائد عليه يختلفان ، حيث إنّه على تقدير كون مصرف الخمس هي الصدقة لا يحتاج إلى أزيد من وقوع المبادلة بين المالين ; لأنّ المفروض أنّ الخمس الذي وقع عوضاً عن المال الحرام يردّ إلى المالك ويتصدّق به عنه ; لأنّه نوع إيصال إليه بعد تعذّر الردّ إلى شخصه ، والصدقة صدقة عنه ، فلم تقع المبادلة إلاّ بين المالين فقط .
وهذا بخلاف ما لو كان المستحقّ لهذا الخمس هو بني هاشم ، فإنّه لابدّ مع ما ذكر من الالتزام بكون اختلاط الحرام بالحلال الموجب للخمس موجباً لتبدّل
(الصفحة 399)
المالك وصيرورته هو بني هاشم ، فانّ المال الحرام قبل الاختلاط كان ملكاً لمالكه الواقعي ، وبعده قد عوّض عنه بالخمس ، ومع ذلك تبدّل مالكه وانتقل إلى مستحقي الخمس المصطلح .
ومن المعلوم أنّ هذا يحتاج إلى تعبّد زائد ، ولا يكفي فيه مجرّد إيجاب الخمس ، ولا دليل على استفادته من الروايات الواردة في المسألة لو لم نقل بظهور المشتمل على التعليل منها في خلافه ، فإنّ رضى الله تعالى من الأشياء بالخمس مرجعه إلى رضايته تعالى بدلا عن المالك الموجود ماله بين هذا المجموع ، وهذا لا يلائم إلاّ مع التصدّق به عنه ، فتأمّل .
إن قلت: ليس في الرواية الدالّة على التصدّق بالخمس في المقام إشعار بالتصدّق عن المالك ، فلعلّه كان المراد هو التصدّق لنفسه كما هو الظاهر ، وعليه فيتساوى الاحتمالان من جهة تبدّل المالك أيضاً ; لأنّ الصدقة عن النفس مسبوقة بصيرورته ملكاً لها وانتقاله عن المالك الواقعي إليه .
قلت: هذا الاحتمال موهون جدّاً بعد انسباق التصدّق عن المالك إلى الذهن من الأمر بالتصدّق ، كما لا يخفى .
وكيف كان، فلا ينبغي الإشكال في دلالة رواية السكوني على وجوب التصدّق عن المالك بالخمس ، كما أنّ ظاهر رواية عمّار هو كون الخمس في المقام هو الخمس المعهود المصطلح الثابت لأربابه ، ولابدّ من ملاحظة الظهورين وأنّ أيّاً منهما أقوى .
والظاهر بملاحظة ما عرفت ترجيح رواية السكوني ; لاحتياج إفادة ثبوت الخمس المصطلح إلى مؤونة زائدة ، خصوصاً مع أنّ إيجاب ذلك الخمس ربما يشكل الأمر من جهة أنّ استحقاق بني هاشم له في المقام هل يثبت حين الجهل وحصول الاختلاط ، بحيث كان الموجب لاستحقاقهم الراجع إلى تبدّل المالك هو
(الصفحة 400)
مجرّد الجهل وعدم تمييز المالك الحلال عن الحرام، أو أنّ الموجب له ليس هو الجهل فقط ، بل استحقاقهم إنّما يثبت حين الاداء؟ وكلاهما بعيدان .
ثمّ إنّ القدر المتيقّن من الحلال المختلط بالحرام الواجب فيه الخمس هو ما إذا كان القدر والمالك كلاهما مجهولين ; لأنّه ـ مضافاً إلى انصراف أكثر الروايات عمّا إذا كان المالك معلوماً كما هو واضح ـ تكون رواية عمّار دالّة على التقييد بما إذا لم يعرف صاحبه كما تقدّم .
وأمّا من جهة الاختلاط وعدم التميّز ، فمورد رواية حسن بن زياد المتقدّمة وإن كان هو الاختلاط الخارجي ، وعدم تميّز عين الحلال عن عين الحرام كما مرّ آنفاً ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم بهذه الصورة ، بل يشمل ما إذا كان الحرام كسراً مشاعاً بين المجموع بحيث يوجب الشركة .