(الصفحة 398)
العرف ، فإذا كان المقدار أيضاً مجهولا فالظاهر أنّه لا يختلف الحكم بذلك ، بل الظاهر لزوم الصرف بعنوان الصدقة. وإن شئت قلت: إنّ إيجاب الخمس إنّما هو لأجل الجهل بالمقدار ، وإيجاب التصدّق به كما في رواية السكوني إنّما هو لأجل كون المالك مجهولا ، فيستفاد منه أنّ الجهل بالمالك يوجب التصدّق بالمال عنه .
غاية الأمر أنّه إذا كان المقدار معلوماً يجب صرف ذلك المقدار إليه ، وإذا كان مجهولا يجب صرف الخمس فيه ; لأنّ الله قد رضي بالخمس . ويؤيّد ما ذكرنا أنّ إفادة وجوب الخمس المصطلح تحتاج إلى مؤونة زائدة على إيجاب التصدّق بالخمس عن المالك .
توضيح ذلك: أنّه لا إشكال في دلالة الروايات الواردة في المسألة على أنّ تخليص المال من الحرام وتطهيره عنه يتوقّف على أداء الخمس واستثنائه منه ; لأنّه تعالى رضي منه أو من جميع الأشياء بالخمس ، وأنّه لا يجب بذل أزيد من مقدار الخمس ، ومرجع ذلك إلى وقوع معاوضة قهريّة بين المالين على تقدير كون الحرام أزيد من مقدار الخمس بحسب الواقع ; لأنّه على هذا التقدير لابدّ من الالتزام بوقوع هذه المعاوضة بحكم الشارع الذي اقتصر على الخمس .
وهذا المقدار المستفاد من الروايات يقيناً يتساوى فيه كلا الاحتمالين : احتمال الخمس المصطلح ، واحتمال الصدقة ، وفي الزائد عليه يختلفان ، حيث إنّه على تقدير كون مصرف الخمس هي الصدقة لا يحتاج إلى أزيد من وقوع المبادلة بين المالين ; لأنّ المفروض أنّ الخمس الذي وقع عوضاً عن المال الحرام يردّ إلى المالك ويتصدّق به عنه ; لأنّه نوع إيصال إليه بعد تعذّر الردّ إلى شخصه ، والصدقة صدقة عنه ، فلم تقع المبادلة إلاّ بين المالين فقط .
وهذا بخلاف ما لو كان المستحقّ لهذا الخمس هو بني هاشم ، فإنّه لابدّ مع ما ذكر من الالتزام بكون اختلاط الحرام بالحلال الموجب للخمس موجباً لتبدّل
(الصفحة 399)
المالك وصيرورته هو بني هاشم ، فانّ المال الحرام قبل الاختلاط كان ملكاً لمالكه الواقعي ، وبعده قد عوّض عنه بالخمس ، ومع ذلك تبدّل مالكه وانتقل إلى مستحقي الخمس المصطلح .
ومن المعلوم أنّ هذا يحتاج إلى تعبّد زائد ، ولا يكفي فيه مجرّد إيجاب الخمس ، ولا دليل على استفادته من الروايات الواردة في المسألة لو لم نقل بظهور المشتمل على التعليل منها في خلافه ، فإنّ رضى الله تعالى من الأشياء بالخمس مرجعه إلى رضايته تعالى بدلا عن المالك الموجود ماله بين هذا المجموع ، وهذا لا يلائم إلاّ مع التصدّق به عنه ، فتأمّل .
إن قلت: ليس في الرواية الدالّة على التصدّق بالخمس في المقام إشعار بالتصدّق عن المالك ، فلعلّه كان المراد هو التصدّق لنفسه كما هو الظاهر ، وعليه فيتساوى الاحتمالان من جهة تبدّل المالك أيضاً ; لأنّ الصدقة عن النفس مسبوقة بصيرورته ملكاً لها وانتقاله عن المالك الواقعي إليه .
قلت: هذا الاحتمال موهون جدّاً بعد انسباق التصدّق عن المالك إلى الذهن من الأمر بالتصدّق ، كما لا يخفى .
وكيف كان، فلا ينبغي الإشكال في دلالة رواية السكوني على وجوب التصدّق عن المالك بالخمس ، كما أنّ ظاهر رواية عمّار هو كون الخمس في المقام هو الخمس المعهود المصطلح الثابت لأربابه ، ولابدّ من ملاحظة الظهورين وأنّ أيّاً منهما أقوى .
والظاهر بملاحظة ما عرفت ترجيح رواية السكوني ; لاحتياج إفادة ثبوت الخمس المصطلح إلى مؤونة زائدة ، خصوصاً مع أنّ إيجاب ذلك الخمس ربما يشكل الأمر من جهة أنّ استحقاق بني هاشم له في المقام هل يثبت حين الجهل وحصول الاختلاط ، بحيث كان الموجب لاستحقاقهم الراجع إلى تبدّل المالك هو
(الصفحة 400)
مجرّد الجهل وعدم تمييز المالك الحلال عن الحرام، أو أنّ الموجب له ليس هو الجهل فقط ، بل استحقاقهم إنّما يثبت حين الاداء؟ وكلاهما بعيدان .
ثمّ إنّ القدر المتيقّن من الحلال المختلط بالحرام الواجب فيه الخمس هو ما إذا كان القدر والمالك كلاهما مجهولين ; لأنّه ـ مضافاً إلى انصراف أكثر الروايات عمّا إذا كان المالك معلوماً كما هو واضح ـ تكون رواية عمّار دالّة على التقييد بما إذا لم يعرف صاحبه كما تقدّم .
وأمّا من جهة الاختلاط وعدم التميّز ، فمورد رواية حسن بن زياد المتقدّمة وإن كان هو الاختلاط الخارجي ، وعدم تميّز عين الحلال عن عين الحرام كما مرّ آنفاً ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم بهذه الصورة ، بل يشمل ما إذا كان الحرام كسراً مشاعاً بين المجموع بحيث يوجب الشركة .
(الصفحة 401)
السابع [: ما زاد عن مؤونة السنة]
ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة من أرباح التجارات والصناعات والزراعات وأشباهها ، وثبوت الخمس في ذلك في الجملة من متفرّدات الإمامية ، حيث لم يقل به من العامّة أحد(1) ; لأجل عدم اعتنائهم بالروايات المرويّة عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، مع أنّه لا محيص عن الالتزام بحجّيتها ، مع ملاحظة حديث الثقلين المعروف بين الفريقين(2) ، بل ومع قطع النظر عنه لاتّصال رواياتهم بالنبي(صلى الله عليه وآله) ، كما ذكرنا ذلك فيما سبق(3) .
وكيف كان، فالكلام في هذا المقام يقع في أمرين:
الأمر الأوّل: في أصل الثبوت ، وقد عرفت أنّه ممّا تفرّد به الإمامية ، ولم يخالف فيه أحد من أصحابنا إلاّ ابن أبي عقيل المعاصر للكليني ، وابن الجنيد المعاصر للصدوق على وجه(4) ; لاحتمال إرادته ما هو المشهور . وبالجملة ، فقد أفتى بذلك المفيد في المقنعة(5) ، والسيّد المرتضى في الانتصار(6) ، وابن زهرة في الغنية(7) ،
- (1) راجع الخلاف 2 : 118 مسألة 139 ، والمعتبر 2: 623 ، وتذكرة الفقهاء 5 : 421 .
- (2) راجع الكافي 1 : 294 ، والخصال 1 : 65 ح97 ، والمسند لأحمد بن حنبل 4 : 30 ح11104 ، وسنن الترمذي 5 : 663 ح3797 ، والمعجم الكبير للطبراني 3 : 65 ح2679 ، ورواها المجلسي بطرق عديدة في بحار الأنوار 23 : 106 ـ 152 .
- (3) في ص336 .
- (4) حكى عنهما في المعتبر 2 : 623 ، ومختلف الشيعة 3 : 185 مسألة 141 ، والبيان : 218 .
- (5) المقنعة : 276 .
- (6) الانتصار : 225 .
- (7) غنية النزوع : 129 .
(الصفحة 402)
والشيخ في جملة من كتبه(1) ، وابن إدريس في السرائر(2) ، كما سيجيء عبائرهم .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا إشكال في أصل الثبوت ; للآية الشريفة الواردة في الخمس(3) ، بعد كون المراد بالغنيمة الواردة فيها مطلق ما يغنمه الإنسان على ما هو معناها بحسب اللغة(4) ، ويدلّ عليه الرواية الآتية الواردة في تفسيرها ، وللفتاوى المذكورة وغيرها .
الأمر الثاني: في متعلّق هذا الخمس .
فنقول: لا إشكال في ثبوته في التجارات التي مرجعها إلى حصول الربح ; لأجل تغيير المكان أو اختلاف الزمان أو غيرهما ، وكذا في الصناعات التي معناها إيجاد الهيئة المقصودة في المادّة الخالية عنها صناعة ، وكذا في الزراعات التي حقيقتها التوليد . وأمّا في غيرها كالميراث والهبة والصداق ففي ثبوت الخمس فيها إشكال ، ولابدّ من النظر في الفتاوى والنصوص حتى يظهر مقدار دلالتها من حيث متعلّق الخمس في هذا القسم .
فنقول: قال المفيد في المقنعة : وكلّ ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد(5) ، وقال مثله السيّد في الانتصار(6) ، وقال الشيخ في النهاية : ويجب الخمس أيضاً في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك بعد إخراج مؤنته
- (1) النهاية : 196 ـ 197 ، المبسوط 1 : 238 ، الخلاف 2 : 118 مسألة 139 ، الاقتصاد : 427 ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : 207 .
- (2) السرائر 1 : 486 .
- (3) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (4) راجع مجمع البحرين 2: 1337 ، ولسان العرب 5: 66، وتاج العروس 17: 527.
- (5) المقنعة : 276 .
- (6) الانتصار : 225 .