(الصفحة 58)
كما صرّح به في التذكرة(1) والمنتهى(2) مستشهداً له في الأخير بما رواه الجمهور بل والشيعة، وإن كان بينهما تفاوت يسير لا يقدح في المعنى. عن أبي الحارث المزني أنّه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة، فقال له البائع: ردّ عليَّ البيع ، فقال : لا أفعل ، فقال : لآتين عليّاً(عليه السلام) فلاُتينّ عليك ، فأتى عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)فقال : إنّ أبا الحارث أصاب معدناً، فأتاه عليّ(عليه السلام)فقال : أين الركاز الذي أصبت ؟ فقال : ما أصبت ركازاً إنّما أصابه هذا فاشتريته منه بمائة شاة متبع، فقال له علي(عليه السلام) : ما أرى الخمس إلاّ عليك(3) . وكأنّه فهم البائع من الضمير، وهو كذلك لما في المرويّ في الكافي والتهذيب من نقل هذه، أنّه قال أمير المؤمنين(عليه السلام)لصاحب الركاز: فإنّ الخمس عليك، فإنّك أنت الذي وجدت الركاز وليس على الآخر شيء; لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه(4)، ويدفع بأنّه وإن كان متعلّقاً بها وجاز له بيعه وكان الخمس عليه، لكن له ضمانه على أن يؤدّيه من مال آخر، فيتّجه حينئذ تعلّق الوجوب بالأصل خاصّة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب، كما صرّح به في المنتهى والتذكرة أيضاً، معلّلاً له بأنّ الخمس تعلّق بالعين لا بالثمن . نعم ، يجب فيها ذلك من حيث الربح بعد اجتماع شرائطه(5) ، انتهى .
وقد ذكر سيّدنا الاستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ الرواية مضطربة; لأنّه لم يكن مورد النزاع ثبوت الخمس على البائع أو المشتري حتّى يحكم في الجواب بثبوته على
- (1) تذكرة الفقهاء 5 : 413 .
- (2) منتهى المطلب 1 : 546 .
- (3) كتاب الأموال لأبي عبيد : 349 ـ 350 .
- (4) الكافي 5: 315 ح48، التهذيب 7 : 225 ح986 ، الوسائل 9 : 497 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب6 ح1 .
- (5) جواهر الكلام 16 : 21 ـ 22 .
(الصفحة 59) مسألة 1 : لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين كونه في أرض مباحة أو مملوكة، وإن كان الأوّل لمن استنبطه والثاني لصاحب الأرض وإن أخرجه غيره، وحينئذ إن كان بأمر من مالكها يكون الخمس بعد استثناء المؤونة، البائع دونه(1) .
هذا ، ولكن الظاهر أنّه (قدس سره) قد خلط بين ما هو المبحوث عنه في هذا الفرع وبين ما هو خارج عنه، فإنّ الفرع الذي يكون مورداً للنزاع في المقام هو ما لو لم يكن المستخرج من المعدن بالغاً حدّ النصاب بقيمته السوقية العادلة، ولكنّ المخرج اتّجر به وباعه بما يبلغ حدّ النصاب على خلاف قيمته الواقعية، والفرع الذي يكون مورداً لبحث الشهيد والجواهر هو ما لو كان المستخرج بالغاً حدّ النصاب بنفسه، ولكن المخرج اتّجر به قبل إخراج خمسه، كما صرّح بذلك الشهيد في عبارته(2)، والبحث فيه إنّما هو في أنّ الخمس هل يتعلّق بالزيادة الحاصلة بالاكتساب، أو لا يتعلّق إلاّ بما تعلّق به أوّلاً؟ واستشهاد المنتهى بالرواية إنّما هو لعدم وجوب الخمس في هذا الفرع إلاّ على البائع دون المشتري، ولا ريب في دلالة الرواية على هذه الجهة وعدم الاضطراب فيها أصلاً .
وأمّا الفرع الذي يكون مورداً لبحثنا فلا ينبغي الإشكال في عدم ثبوت الخمس فيه; لأنّ الملاك إنّما هي القيمة السوقية، والمفروض أنّه لا يبلغ المستخرج بمثل هذه القيمة حدّ النصاب، فلا وجه للحكم بوجوب الخمس فيه، فتأمّل حتّى لا يختلط عليك الأمر .
- (1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 351 .
- (2) مسالك الأفهام 1 : 459 .
(الصفحة 60)ومنها اُجرة المخرج إن لم يكن متبرّعاً، وإن لم يكن بأمره يكون المخرج له وعليه الخمس من دون استثناء المؤونة; لأنّه لم يصرف مؤونة، وليس عليه ما صرفه المخرج. ولو كان المعدن في الأرض المفتوحة عنوة، فإن كان في معمورتها حال الفتح التي هي للمسلمين وأخرجه أحد منهم ملكه، وعليه الخمس إن كان بإذن والي المسلمين، وإلاّ فمحلّ إشكال، كما أنّه لو أخرجه غير المسلمين ففي تملّكه إشكال، وإن كان في مواتها حال الفتح يملكها المخرج وعليه الخمس ولو كان كافراً كسائر الأراضي المباحة ، ولو استنبط المعدن صبيّ أو مجنون تعلّق الخمس به على الأقوى، ووجب على الوليّ إخراجه1 .
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات :
المقام الأوّل : ما لو كان المعدن في أرض مباحة غير مفتوحة عنوة، وهذا هو الفرد الظاهر ممّا تقدّم من كون المخرَج ـ بالفتح ـ لمن استنبطه، وأنّ الواجب عليه الخمس بعد استثناء مؤونة الإخراج كما مرّ(1) . والدليل على الأمرين الأدلّة الدالّة على ثبوت الخمس في المعادن، فإنّها تدلّ بالملازمة على ملكيّة من يتعلّق به الخمس لما عدا مقداره، وقد عرفت(2) أنّ الظاهر ثبوت الخمس في جميع الموارد في صورة صدق الغنيمة، وهو لا يتحقّق بدون ملكيّة ما عدا مقداره، والحكم في هذا المقام ثابت بلا ريب .
المقام الثاني : ما لو كان المعدن في أرض لها مالك شخصي، فإن كان الإخراج بأمر من المالك فلا إشكال في أنّه يكون على المالك الخمس بعد استثناء المؤونة،
- (1) في ص50 ـ 52 .
- (2) في ص10 ـ 14.
(الصفحة 61)
ومنها اُجرة المخرج لو لم يكن متبرّعاً في ذلك، وإن لم يكن الإخراج بأمر من المالك فالأمر أيضاً كذلك . غاية الأمر عدم استثناء مؤونة الإخراج; لأنّه لم يكن بأمره وليس عليه ضمان، فيجب الخمس مطلقاً .
نعم ، في صورة كون الإخراج بإذن المالك قد يكون مرجع الإذن إلى ثبوت المخرج للمأذون، والظاهر أنّ الحكم في هذه الصورة ثبوت الخمس على المأذون المخرج بعد استثناء المؤونة، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ بعض الأعلام (قدس سره) استشكل في أصل إطلاق الحكم المنسوب إلى المشهور، وخلاصة ما أفاده في هذا المجال يرجع إلى أنّ الأراضي وإن كانت قابلة للنقل والانتقال الاختياري أو غير الاختياري، إلاّ أنّ ملكيّتها تنتهي بالأخرة إلى سبب واحد موجب للخروج عن الإباحة الأصلية ; وهو قصد الحيازة والإحياء . ومن الواضح أنّ هذا السبب لا يستتبع الملكيّة إلاّ في إطار مدلوله، يعني المقدار الذي يتعلّق به الإحياء والحيازة، وهي ظواهر تلك الأراضي دون بواطنها وما في أجوافها من المعادن والركائز . نعم، لا ينبغي التأمّل في قيام السيرة العقلائية بل الشرعية على دخول البواطن ولحوقها بظاهرها، إلاّ أنّ السيرة لا إطلاق لها، والمتيقّن من موردها ما يعدّ عرفاً من توابع الأرض وملحقاتها، كالسرداب والبئر ونحوهما ممّا يكون عمقه بهذا المقدار . وأمّا الخارج عنه غير المعدود من التوابع كآبار النفط العميقة جدّاً، أو آبار الماء العميقة المستحدثة أخيراً لاستخراج المياه من عروق الأرض فلا سيرة في مثله ولا تبعيّة، ومعه لا دليل على الإلحاق.
نعم، ورد في خصوص المسجد الحرام أنّ الكعبة من تخوم الأرض إلى عنان السماء، ولكنّ الرواية ضعيفة السند، ولذا ذكرنا في محلّه لزوم استقبال عين الكعبة لجميع الأقطار لا ما يسامتها من شيء من الجانبين .
(الصفحة 62)
وعلى الجملة لم يقم بناء من العقلاء على إلحاق الفضاء المتصاعد أو المتنازل جدّاً غير معدودين من توابع الأرض عرفاً بنفس الأرض في الملكيّة بحيث يحتاج العبور عن أجوائها بواسطة الطائرات إلى الاستئذان من ملاّكها . وقد عرفت قصور دليل الإحياء عن الشمول لها، فهي إذاً تبقى على ما كانت عليه من الإباحة الأصلية، ونتيجة ذلك جواز استملاكها لكلّ من وضع اليد عليها، وأنّها ملكه وعليه خمسها وإن كان المخرج شخصاً آخراً غير صاحب الأرض ، غايته أنّه يكون آثماً في الاستطراق والاستخراج من هذا المكان لو لم يكن بإذن من صاحبه، إلاّ أنّ العصيان أمر والاستملاك أمر آخر ولا تنافي بينهما (1)، انتهى .
ويمكن الإيراد عليه بأنّ عدم ثبوت بناء العقلاء بالإضافة إلى الأعماق المذكورة لعلّه لكون الموضوعات مستحدثة، وإلاّ فالظاهر أنّه لا فرق عندهم بين قلّة العمق في موضوع البئر وكثرته ، كما أنّ قياس الفضاء على العمق لعلّه مع الفارق، فإنّ التصرّف في الفضاء بالنحو المذكور لا يعدّ تصرّفاً أو تصرّفاً غير مأذون فيه، وإلاّ فلو فرض أنّ التصرّف في الفضاء بنحو كان مزاحماً للمالك، كما إذا وجد فيه بناءً عالياً مزاحماً كالسحاب فلا يجوز التصرّف فيه، وجواز الصلاة في الطائرة العالية عن الأرض آلاف أمتار لا يمكن توجيهه إلاّ على طبق الرواية المذكورة ; لعدم إمكان محاذاة العين في مثل الارتفاع المذكور بأيّ معنى ذكر للمحاذاة، فتدبّر ، ومثله الصلاة فوق جبل أبي قبيس ومثله، والتحقيق في محلّه .
هذا ، وفي هذه الصورة التي يكون للأرض مالك شخصي إن لم يكن الاستخراج بسبب إرادة إنسان بل كان مستنداً إلى علّة اُخرى، كما إذا كان المخرج له حيواناً أو
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 58 ـ 60 .