(الصفحة 78)
وقبل الخوض في هذه الوجوه صحّةً وسقماً لابدّ من التنبيه على أمر; وهو أنّه ذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي أعلى الله مقامه الشريف أنّه فرق بين الإطلاقات الواردة في خمس المعدن ، وبين الإطلاقات الدالّة على وجوب خمس الكنز ، في أنّ الاُولى لا دلالة فيها على أنّه في أيّ مورد يملك المعدن ، وفي أيّ مورد لا يملك ، بل المفروض فيها المعدن الذي يكون ملكاً للمستخرج بالمباشرة أو بالتسبيب .
وأمّا الثانية ، فتدلّ على ثبوت ملكيّة الواجد للكنز . غاية الأمر أنّه يجب عليه الخمس .
وذكر في الدرس في مقام الفرق بينهما على ما قرّرته بنفسي أنّ الظاهر ثبوت الفرق بين المعدن وبين الكنز ; نظراً إلى أنّ إخراج المعدن والوصول إلى الأشياء المتكوّنة تحت الأرض من الطرق الرائجة العقلائية للاكتساب ، ويدور عليها مدار التعيّش في جميع الأعصار ، سيّما في العصور الحاضرة ، وهذا بخلاف الكنز ، فإنّه ليس طريقاً للاكتساب ، بل قد يوجد على سبيل الاتّفاق والصدفة ، مع أنّه لا يكون من شؤون الأرض وتوابعها ، بخلاف المعدن الذي يعدّ من أجزائها ، فالحكم بثبوت الخمس في الكنز ظاهر في صيرورته ملكاً للواجد بمجرّد الوجدان . غاية الأمر أنّه يجب عليه إخراج خمسه(1) .
والظاهر أنّه لا مجال للالتزام بما أفاده الذي يرجع إلى ثبوت إطلاق بالإضافة إلى ملكيّة الكنز حتّى يكون مورد عدم الملكية خارجاً عن الإطلاق ، فإنّ الفرق بين المعدن والكنز بما ذكر من الأمرين ، سيّما مسألة التبعيّة ـ لأنّ المعدن تابع للأرض
- (1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 357 ـ 358 .
(الصفحة 79)
دون الكنز ، سيّما إذا اعتبرنا فيه قصد الادّخار ـ وإن كان صحيحاً لا ينبغي الارتياب فيه ، إلاّ أنّ الاستنتاج من هذا الفرق وجود الفرق بين الإطلاقات الواردة في المقامين محلّ مناقشة بل منع ، بل الظاهر كما عرفت(1) أنّه لا دلالة لشيء من الإطلاقين على أنّه في أيّة صورة تتحقّق الملكية وفي أيّة صورة لا تتحقّق ، بل اللاّزم استفادة الملكية التي يترتّب عليها ثبوت الخمس من دليل آخر ، وإلاّ فلا دلالة لشيء منهما على ذلك ، فهل يستفاد من الإطلاق الوارد في الكنز ثبوت الملكية لواجده في أرض لها مالك شخصيّ ؟ غاية الأمر ثبوت الدليل على الإخراج وهكذا .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه قد اُورد على الوجه الأوّل بعد تصحيحه بأنّ المراد عدم حصول الملكية بعد الشكّ في حصولها لا عدم جواز تملّكه المتوقّف على قصد التملّك ، فإنّ الظاهر أنّه لا حاجة إلى القصد لا في المعدن ولا في الكنز في مورد حصول الملكيّة .
ومحصّل الإيراد أنّ مقتضى الأصل حصول الملكية لا عدمها; لأنّ المحترم إنّما هو مال المسلم ومن بحكمه كالذمّي ، وغيره لا احترام له ، ومع الشكّ في أنّه لمسلم أو غيره يكون مقتضى الأصل عدم وضع المسلم يده على هذا المال ، ومجرّد كونه في بلاد الإسلام وإن كان أمارة على أنّه لمسلم ، إلاّ أنّه لا دليل على حجّية هذه الأمارة ، والأصل في باب الظنون حرمة التعبّد بها ما لم يقم عليها دليل معتبر .
ويؤيّد هذا الإيراد أنّ مقتضى التحقيق أنّ الأصل الأوّلي في الشبهات
(الصفحة 80)
الموضوعية التحريمية ـ كالشكّ في مائع أنّه خمر أو خلّ ـ الجواز وعدم الحرمة عقلاً ونقلاً ، والإذن الشخصي وإن كان غير معتبر بالخصوص في جواز التصرّف في مال الغير ، بل يكفي الإذن من الشارع الذي هو المالك الحقيقي ، وهو غير محرز على المفروض ، إلاّ أنّه في موارد الشبهات الموضوعية يكون مقتضى القاعدة الجواز كما عرفت .
واُجيب عن هذا الإيراد بما يرجع إلى أنّ أصالة الاحترام بالإضافة إلى مال الغير جارية للسيرة العقلائية ، وحكومة العقل القاضي بذلك لأجل قبح الظلم . غاية الأمر أنّ الكافر الحربي يجوز التصرّف في ماله بإذن المالك الحقيقي ، لكن الكفر ملحوظ بعنوان المانعية ، لا أنّ الإسلام ملحوظ بعنوان الشرطية ، فإذا شككنا في مال أنّه لمسلم أو لحربيّ لا يجوز التصرّف في ذلك المال بعنوان الشبهة الموضوعية ، بل لو شكّ في أنّه مال نفسه أو غيره ولم يكن هناك أمارة أو أصل على أنّه مال نفسه لا يجوز التصرّف فيه بعنوان الشبهة الموضوعية ، فكأنّ باب الأموال خارج عن هذا البحث ، كما أنّ الأمر في باب الفروج أيضاً كذلك ، إلاّ أن يقال بجريان استصحاب عدم الجواز فيها مطلقاً ، كما لا يخفى .
فالإنصاف صحّة الوجه الأوّل ، ولكنّها متوقّفة على عدم دلالة الرواية في هذا المجال على شيء ، وإلاّ فمع فرض الدلالة لا تصل النوبة إلى الأصل موافقاً كان أو مخالفاً; لتقدّم الأمارة على الأصل كما قرّر في محلّه .
وأمّا الوجه الثاني ، فالظاهر أنّه لا مجال له; لأنّ المال الذي وجده كذلك وإن كان وجدانه في بلاد الإسلام أمارة على كونه لمسلم أو من بحكمه من الذمّي ، إلاّ أنّه لا دليل على اعتبار هذه الأمارة التي لا تفيد إلاّ الظنّ ، وهو لا يغني عن الحقّ شيئاً .
وأمّا الوجه الثالث; وهي الموثّقة فقد اُورد على الاستدلال بها بعدم ظهورها في
(الصفحة 81)
الورود فيما يحتمل أن يكون من الكنز كما في المقام ، بل الظاهر ورودها في باب اللقطة; وهي المال الضائع من مالكه .
وبعبارة اُخرى الظاهر أنّ الورق الذي وجده كان على ظاهر الأرض لا مستوراً في الخربة حتّى يحتمل صدق عنوان الكنز عليه .
ولكنّه أجاب عن هذا الإيراد بعض الأعلام (قدس سره) بأنّ الورق الموجود في الخربة لابدّ وأن يراد منه بمناسبة الحكم والموضوع الكنز ; لعدم إمكان التعريف لو لم يكن كنزاً; لتوقّفه على علامة ولم يفرض وجودها في الرواية ، ولا أقلّ من الشمول له بالإطلاق ، فحملها على اللقطة بعيد(1) .
أقول : إن كان لفظ الورق الموجود في الرواية بفتح الواو وكسر الراء فظاهر ما يستفاد من كتاب مجمع البحرين(2) أنّه بمعنى الفضّة ، وبه فسّر قوله تعالى حكاية عن أصحاب الكهف
{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ}(3) فتعريفه في كمال الإمكان ولو كان على وجه الأرض ، وإن كان بفتح الواو وسكون الراء فمعناه على ما في ذلك الكتاب هي الدراهم المضروبة ، وإمكان التعريف من جهة العدد في غاية الإمكان .
هذا ، مع أنّهم قد تعرّضوا ظاهراً لحكم لقطة مثل الاسكناس الخالي عن العلامة فرفع اليد عن ظاهر الرواية وورودها في باب اللقطة مشكل .
ثمّ إنّه ورد في هذا المجال أيضاً صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق ، قال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 82 .
- (2) مجمع البحرين 3 : 1927 .
- (3) سورة الكهف 18 : 19 .
(الصفحة 82)
جلى عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به(1) .
وهذه الصحيحة توجب تقييد الأرض الخربة في الموثّقة بما إذا لم يتحقّق الجلاء فالتعريف إنّما في هذه الصورة . وأمّا في صورة الجلاء فالذي وجد المال أحقّ به ، فهو مالك له وعليه التخميس .
وعليه فنتيجة الجمع بين الروايات هي الملكية في صورة الانجلاء ووجوب التخميس ، كما هو موافق للمتن والعروة(2) ، ولعلّه المشهور بين المتأخّرين .
والظاهر أنّ هذه الصحيحة هي الرواية الوحيدة الدالّة على ملكية الواجد للكنز .
وقد عرفت في صدر البحث(3) أنّ الإطلاقات الواردة في ثبوت الخمس في الكنز لا دلالة لها على الملكية ، بل هي مفروضة في موارد ثبوت الملكية وأنّه لا فرق بينها وبين الإطلاقات الواردة في ثبوت الخمس في المعادن ، ولا فرق في ذلك بين ما ورد فيه السؤال عمّا يجب في الكنز ، وبين ما يدلّ ابتداءً على ثبوت الخمس في الكنز ، وأنّه أحد الاُمور المتعلّقة للخمس .
وعليه فالدليل على ثبوت الملكية لواجد الكنز هي تلك الصحيحة ، ولكنّه يظهر من بعض الأعلام (قدس سره) اقتضاء القاعدة لها أيضاً .
وملخّص ما أفاده في وجهه يرجع إلى أنّه إن كانت هناك قرينة على أنّ الكنز لمحترم المال من مسلم أو ذمّي ، أو احتملنا ذلك فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه كما ذكروه ، وأمّا إذا علمنا أنّه ادّخره إنسان منذ عهد قديم وفي الأزمنة
- (1) الكافي 5 : 138 ح5 ، التهذيب 6 : 390 ح1169 ، الوسائل 25 : 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 374 .
- (3) في ص78 ـ 79 .