(الصفحة 80)
الموضوعية التحريمية ـ كالشكّ في مائع أنّه خمر أو خلّ ـ الجواز وعدم الحرمة عقلاً ونقلاً ، والإذن الشخصي وإن كان غير معتبر بالخصوص في جواز التصرّف في مال الغير ، بل يكفي الإذن من الشارع الذي هو المالك الحقيقي ، وهو غير محرز على المفروض ، إلاّ أنّه في موارد الشبهات الموضوعية يكون مقتضى القاعدة الجواز كما عرفت .
واُجيب عن هذا الإيراد بما يرجع إلى أنّ أصالة الاحترام بالإضافة إلى مال الغير جارية للسيرة العقلائية ، وحكومة العقل القاضي بذلك لأجل قبح الظلم . غاية الأمر أنّ الكافر الحربي يجوز التصرّف في ماله بإذن المالك الحقيقي ، لكن الكفر ملحوظ بعنوان المانعية ، لا أنّ الإسلام ملحوظ بعنوان الشرطية ، فإذا شككنا في مال أنّه لمسلم أو لحربيّ لا يجوز التصرّف في ذلك المال بعنوان الشبهة الموضوعية ، بل لو شكّ في أنّه مال نفسه أو غيره ولم يكن هناك أمارة أو أصل على أنّه مال نفسه لا يجوز التصرّف فيه بعنوان الشبهة الموضوعية ، فكأنّ باب الأموال خارج عن هذا البحث ، كما أنّ الأمر في باب الفروج أيضاً كذلك ، إلاّ أن يقال بجريان استصحاب عدم الجواز فيها مطلقاً ، كما لا يخفى .
فالإنصاف صحّة الوجه الأوّل ، ولكنّها متوقّفة على عدم دلالة الرواية في هذا المجال على شيء ، وإلاّ فمع فرض الدلالة لا تصل النوبة إلى الأصل موافقاً كان أو مخالفاً; لتقدّم الأمارة على الأصل كما قرّر في محلّه .
وأمّا الوجه الثاني ، فالظاهر أنّه لا مجال له; لأنّ المال الذي وجده كذلك وإن كان وجدانه في بلاد الإسلام أمارة على كونه لمسلم أو من بحكمه من الذمّي ، إلاّ أنّه لا دليل على اعتبار هذه الأمارة التي لا تفيد إلاّ الظنّ ، وهو لا يغني عن الحقّ شيئاً .
وأمّا الوجه الثالث; وهي الموثّقة فقد اُورد على الاستدلال بها بعدم ظهورها في
(الصفحة 81)
الورود فيما يحتمل أن يكون من الكنز كما في المقام ، بل الظاهر ورودها في باب اللقطة; وهي المال الضائع من مالكه .
وبعبارة اُخرى الظاهر أنّ الورق الذي وجده كان على ظاهر الأرض لا مستوراً في الخربة حتّى يحتمل صدق عنوان الكنز عليه .
ولكنّه أجاب عن هذا الإيراد بعض الأعلام (قدس سره) بأنّ الورق الموجود في الخربة لابدّ وأن يراد منه بمناسبة الحكم والموضوع الكنز ; لعدم إمكان التعريف لو لم يكن كنزاً; لتوقّفه على علامة ولم يفرض وجودها في الرواية ، ولا أقلّ من الشمول له بالإطلاق ، فحملها على اللقطة بعيد(1) .
أقول : إن كان لفظ الورق الموجود في الرواية بفتح الواو وكسر الراء فظاهر ما يستفاد من كتاب مجمع البحرين(2) أنّه بمعنى الفضّة ، وبه فسّر قوله تعالى حكاية عن أصحاب الكهف
{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ}(3) فتعريفه في كمال الإمكان ولو كان على وجه الأرض ، وإن كان بفتح الواو وسكون الراء فمعناه على ما في ذلك الكتاب هي الدراهم المضروبة ، وإمكان التعريف من جهة العدد في غاية الإمكان .
هذا ، مع أنّهم قد تعرّضوا ظاهراً لحكم لقطة مثل الاسكناس الخالي عن العلامة فرفع اليد عن ظاهر الرواية وورودها في باب اللقطة مشكل .
ثمّ إنّه ورد في هذا المجال أيضاً صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن الدار يوجد فيها الورق ، قال : إن كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم ، وإن كانت خربة قد
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 82 .
- (2) مجمع البحرين 3 : 1927 .
- (3) سورة الكهف 18 : 19 .
(الصفحة 82)
جلى عنها أهلها فالذي وجد المال أحقّ به(1) .
وهذه الصحيحة توجب تقييد الأرض الخربة في الموثّقة بما إذا لم يتحقّق الجلاء فالتعريف إنّما في هذه الصورة . وأمّا في صورة الجلاء فالذي وجد المال أحقّ به ، فهو مالك له وعليه التخميس .
وعليه فنتيجة الجمع بين الروايات هي الملكية في صورة الانجلاء ووجوب التخميس ، كما هو موافق للمتن والعروة(2) ، ولعلّه المشهور بين المتأخّرين .
والظاهر أنّ هذه الصحيحة هي الرواية الوحيدة الدالّة على ملكية الواجد للكنز .
وقد عرفت في صدر البحث(3) أنّ الإطلاقات الواردة في ثبوت الخمس في الكنز لا دلالة لها على الملكية ، بل هي مفروضة في موارد ثبوت الملكية وأنّه لا فرق بينها وبين الإطلاقات الواردة في ثبوت الخمس في المعادن ، ولا فرق في ذلك بين ما ورد فيه السؤال عمّا يجب في الكنز ، وبين ما يدلّ ابتداءً على ثبوت الخمس في الكنز ، وأنّه أحد الاُمور المتعلّقة للخمس .
وعليه فالدليل على ثبوت الملكية لواجد الكنز هي تلك الصحيحة ، ولكنّه يظهر من بعض الأعلام (قدس سره) اقتضاء القاعدة لها أيضاً .
وملخّص ما أفاده في وجهه يرجع إلى أنّه إن كانت هناك قرينة على أنّ الكنز لمحترم المال من مسلم أو ذمّي ، أو احتملنا ذلك فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه كما ذكروه ، وأمّا إذا علمنا أنّه ادّخره إنسان منذ عهد قديم وفي الأزمنة
- (1) الكافي 5 : 138 ح5 ، التهذيب 6 : 390 ح1169 ، الوسائل 25 : 447 ، كتاب اللقطة ب5 ح1 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 374 .
- (3) في ص78 ـ 79 .
(الصفحة 83)
السابقة البالغة مئات السنين ، كما هو الغالب في الكنوز حيث لا يحتمل حياة مدّخرها ، بل قد مات جزماً وبالموت قد خرج عن ملكه قطعاً ، وحينئذ إن علمنا بأنّ له وارثاً محترم المال وقد انتقل الملك إليه بالإرث نسلاً بعد نسل إلى زماننا هذا ـ وإن لم يعرف المالك الفعلي بشخصه ـ كان مقتضى القاعدة لزوم الفحص عنه; لأنّه من مصاديق مجهول المالك ، وأمّا إذا لم يحرز ذلك ـ كما هو الغالب ـ فمقتضى القاعدة الانتقال إلى الإمام; لأصالة عدم وجود وارث محترم له ، فيدخل في موضوع من مات ولم يكن له وارث ، فيدخل في ملك الإمام(عليه السلام) ، وحيث إنّهم أباحوه لشيعتهم فيجوز لهم التملّك له من هذه الجهة(1) .
وأنت خبير بأنّ ما أفاده ـ مضافاً إلى أنّه غير كاف لإثبات تمام المدّعى; لأنّه أوسع من الدليل; لاقتضائه الملكية في موارد خاصّة فقط ـ يرد عليه أنّه لا مجال للأصل مع وجود الرواية الواردة في المسألة; لعدم كونهما في رتبة واحدة ، بل الرواية حاكمة على الأصل موافقاً كان لها أم مخالفاً .
المقام السادس : في اعتبار النصاب في الكنز ومقداره وعدمه ، وقد ذكر في المتن أنّه عشرون ديناراً ، أو مائتا درهم ، أو قيمة أحدهما ، وإن وقع التعبير بمطلق الذهب والفضّة لكنّه مسامحة . والدليل على اعتبار النصاب ومقداره صحيحة البزنطي المتقدّمة(2) التي سئل فيها عمّا يجب الخمس فيه من الكنز ، سواء قلنا فيها بأنّ السؤال إنّما هو عن المقدار والكمّية بقرينة صحيحته الاُخرى الواردة في المعدن كما اخترناه(3) ، أو قلنا بأنّ السؤال فيها إنّما هو عن الحقيقة والماهيّة كما اختاره بعض
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 83 ـ 84 .
- (2) في ص74 .
- (3) في ص47 .
(الصفحة 84)
الأعلام(1); لأنّه على هذا التقدير أيضاً لا يكون المراد المماثلة في خصوص الجنس دون المقدار ، فعلى أيّ تقدير تدلّ الصحيحة على اعتبار النصاب . غاية الأمر أنّه على تقدير ما قلنا في معنى الرواية يكون الخمس ثابتاً في مطلق الأموال ، وعلى التقدير الآخر في خصوص الذهب والفضّة المسكوكين ، كما أنّ التصريح بخصوص عشرين ديناراً في الصحيحة الاُخرى يوجب أن يكون إلحاق مائتي درهم به على سبيل الاحتياط ، وفي هذه الصحيحة لم يقع التصريح بشيء من النصابين في باب الدينار والدرهم .
ثمّ إنّه بقي في هذه المسألة فروع :
الفرع الأوّل : ما إذا وجد الكنز في أرض مملوكة له بابتياع ونحوه ، وفي المتن عرّفه المالك قبله مع احتمال كونه له ، وإن لم يعرفه عرّفه السابق إلى أن ينتهي إلى من لا يعرفه أو لا يحتمل أنّه له ، فيكون له وعليه الخمس .
وقد حكي عن المشهور(2) أنّه في صورة اليأس عن المالك يعامل معه معاملة مجهول المالك فيتصدّق به على الفقراء ولا يدخل في عنوان الكنز ، واستدلّوا عليه بقاعدة اليد ، نظراً إلى أنّ اليد التي كانت على هذا المال أمارة الملك ، ومن ثمّ وجب الرجوع إلى ذي اليد ، فإن عرفه وإلاّ سقطت يده عن الحجّية باعترافه أنّ المال ليس له ، وتصل النوبة إلى اليد السابقة; لأنّ سقوط اليد اللاّحقة عن الاعتبار يوجب الرجوع إلى اليد السابقة ما دام لم يعترف بعدم العرفان .
واُورد على هذا الوجه بوضوح فساده ، نظراً إلى أنّ أماريّة اليد على الملكية
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 77 .
- (2) المنتهى 1 : 546 ، جامع المقاصد 6 : 176 ، مسالك الأفهام 1 : 461 ـ462 ، كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم) : 52 .