(الصفحة 87)
صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة(1) أيضاً ، فيكون الورق حينئذ من مجهول المالك ، والحكم بلزوم التعريف حينئذ مطابق للقاعدة ، سواء كان الورق تحت الأرض أم فوقها وإن كان الظاهر هو الأوّل; لعدم إمكان التعريف في غير هذه الصورة ، فيكون التعريف بسببها .
وأمّا الروايتان الاُخريان ، فكلتاهما أجنبيّتان عن محلّ الكلام أيضاً ، أمّا الرواية الاُولى فواضحة ، ضرورة أنّ ما يوجد في جوف الدابّة من الصرّة المشتملة على الدرهم والدينار شيء حادث في بطنه قد ابتلعه قريباً قبل يوم أو يومين ، فهو طبعاً فرد من أفراد مجهول المالك لابدّ فيه من التعريف ، وبما أنّ البائع أقرب المحتملات فيراجع ، وبالتعبّد الشرعي يسقط التعريف عن غير البائع ، كما أنّه بإذن الإمام(عليه السلام)الذي هو الوليّ العام يملكه الواجد ، وبذلك يخصّص ما دلّ على وجوب التصدّق لمجهول المالك ، فإنّه حكم وارد في موضوع خاصّ نظير ما ورد فيما يلقيه البحر إلى الخارج من استملاكه وإن كان من مصاديق مجهول المالك .
وأمّا الرواية الثانية ، فلظهورها في أنّ لتلك الدراهم مالكاً محترماً بالفعل مجهولاً نظراً إلى اقتضاء طبيعة الحال كون ذلك البيت من المنازل المعدّة للإيجار ولنزول الحجّاج والزوّار ، فلأجله يظنّ أنّ تلك الدراهم تتعلّق بحاجّ نزل قبل ذلك ، وبما أنّ صاحب المسكن أدرى به ، فطبعاً يرجع إليه مقدّمةً للاستعلام من ذلك المالك المجهول ، فإن عرفه ، وإلاّ فيتصدّق به عنه ، وذلك شأن كلّ مال مجهول مالكه ، وأين هذا من الكنز؟ سيّما وأنّ الدراهم إنّما حدثت في زمن المعصومين (عليهم السلام) ولم تكن موجودة في العهود البائدة ليصدق على دفينتها اسم الكنز .
(الصفحة 88)
فتحصّل أنّه لم يدلّ أيّ دليل على لزوم الرجوع إلى البائع الأخير فضلاً عن البائع قبله في الكنز . نعم ، هو أحوط رعاية للمشهور(1) ، بل ادّعى بعضهم الإجماع(2) عليه وعلى لزوم الرجوع إلى المالك قبله إن لم يعرفه .
أقول : وقد انقدح من جميع ما ذكر أنّه لم ينهض دليل على لزوم الرجوع إلى البائع ثمّ إلى البائعين قبله ثمّ صيرورته مالكاً له بما أنّه كنز ، ويتعلّق به الخمس من هذه الجهة ، لا القاعدة ولا شيء من الروايات المتقدّمة . نعم ، يمكن أن يكون الدليل لخصوص لزوم الرجوع إلى البائع الأوّل هو الإجماع المدّعى ، وإن كان قد عرفت(3)أنّ المحكيّ عن جماعة لزوم الدفع إليه من غير سؤال ومن غير لزوم عرفانه ، إلاّ أنّ الملكية وثبوت الخمس به لا يمكن إقامة الدليل عليه بوجه لا من النصّ ولا من الفتاوى ، ومورد رواية الحميري على ما عرفت هي الدابّة المشتراة للاُضحية من الجزور والبقرة ، فلا يشمل مثل الأرض المشتراة التي يمكن أن يكون للمال المدفون تحتها عشر سنين أو عشرات أو أزيد ، فتدبّر .
وأمّا موثّقة إسحاق المتقدّمة فقد مرّ أنّ مفادها لزوم التصدّق بالدراهم المدفونة في بعض بيوت مكّة التي وجدها الحاجّ النازل بها الواجد لها ، فلا ارتباط لها بالمقام ، وأمّا الروايتان الاُخريان فبعد حمل المطلق منهما على المقيّد يكون المورد صورة عدم الانجلاء ، وأمّا صورة الانجلاء التي حكم فيها بالتمتّع بها فهي أجنبيّة عن المقام ، كما لا يخفى .
الفرع الثاني : ما أفاده بقوله (قدس سره) : «ويلحق بالكنز على الأحوط ما يوجد في
- (1) كفاية الأحكام: 43 .
- (2) منتهى المطلب 1: 546 ، جواهر الكلام 16: 31 .
- (3) في ص85.
(الصفحة 89)
جوف الدابّة المشتراة مثلاً ، فيجب فيه بعد عدم معرفة البائع ، ولا يعتبر فيه بلوغ النصاب» .
أقول : الدليل الوحيد في هذا الباب هي صحيحة الحميري المتقدّمة ، وهي كالصريحة في لزوم تعريف البائع ، والظاهرة في خصوص البائع الأوّل دون البائع أو البائعين قبله مع عدم معرفته إيّاها ، كما أنّها ظاهرة في ملكيّة الواجد لتمامها من دون تعلّق الخمس بها فوراً ، كما هو المعروف بين الأصحاب(1) على ما حكي عن المحقّق صاحب الشرائع(2) ، وعلى تقديره فدلالتها على كون تعلّق الخمس بها من جهة الكنز ممنوعة جدّاً ; لعدم صدق الكنز عليها عرفاً بوجه وإن كان لا يتوقّف على الدفن في خصوص الأرض ، بل كما عرفت يشمل الستر في مثل الجدار والجبال وبطن الأشجار(3) ، إلاّ أنّه لا يصدق على الصرّة التي ابتلعها الحيوان قطعاً ، ثمّ على تقدير كون المورد من مصاديق الكنز ، فما الدليل على عدم اعتبار النصاب في خصوص هذا الكنز ، بعد كون الدليل الدالّ على اعتبار النصاب في الكنز الذي هو متعلّق الخمس مطلقاً شاملاً لجميع موارده؟
وبالجملة : فالجمع بين كون المورد كنزاً كما احتاط في المتن واختاره السيّد في العروة(4) ، وبين عدم اعتبار النُصُب ممّا لا يكاد يتمّ بوجه .
اللّهم إلاّ أن يقال بأنّ تعلّق الخمس به إنّما هو من باب الغنيمة بمعنى مطلق الفائدة والاستفادة ، ولا اختصاص له بخصوص أرباح المكاسب والتجارات التي يعتبر
- (1) السرائر 2 : 106 ، مدارك الأحكام 5 : 372 ، جواهر الكلام 16 : 35 .
- (2) شرائع الإسلام 1 : 180 .
- (3) في ص73 .
- (4) العروة الوثقى 2 : 376 مسألة 18 .
(الصفحة 90)
فيها الزيادة عن مؤونة السنة ، كما أنّه ربما يقال بانصراف دليل مجهول المالك عن مثل الصرّة المزبورة ، نظراً إلى أنّها بعدما أكلتها الدابّة تعدّ عرفاً بمثابة التالف ، سيّما مع قضاء العادة بعدم استقرار الدابّة في بلدة واحدة ، بل تنتقل منها إلى اُخرى للكلإ ونحوها ، ولكنّ الانصراف ممنوع; لأنّ بقاء الصرّة في بطن الدابّة في أيّام قليلة خصوصاً في الدابّة المشتراة للأضاحي لا يوجب خروجها عن عنوان مجهول المالك بوجه ، فاللاّزم الالتزام بالتخصيص في أدلّته لا التخصّص ، كما لا يخفى .
الفرع الثالث : ما ذكره بقوله (قدس سره) : «بل يلحق به أيضاً على الأحوط ما يوجد في جوف السمكة ، بل لا تعريف فيه للبائع إلاّ على فرض نادر» وذكره صاحب العروة(1) بنحو الفتوى ، ومنشأ وجوب الخمس بعنوان الكنز هو الشهرة بين الأصحاب(2) ، كما أنّ عدم التعريف فيه للبائع هو المشهور(3) . ونسب إلى العلاّمة(4)الخلاف في عدم وجوب التعريف للبائع .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) في وجه عدم وجوب التعريف هنا للبائع دون الصرّة في الفرع الثاني ـ بعد الاعتراف بعدم نهوض دليل هنا على أصل وجوب الخمس فضلاً عن كونه بعنوان الكنز ـ ما محصّله بعد كثرة عباراته : أنّ الكلام تارةً يقع فيما إذا وجد في جوف السمكة ما يتكوّن في البحر مثل اللؤلؤ والمرجان الواردين في روايات الغوص ، واُخرى ما إذا كان ملكاً لأحد قد سقط في البحر من أحد الراكبين
- (1) العروة الوثقى 2: 376 مسألة 18.
- (2) النهاية : 321 ـ 322 ، شرائع الإسلام 1 : 180 ، إرشاد الأذهان 1: 292 ، مدارك الأحكام 5 : 374 ، جواهر الكلام 16 : 39 .
- (3) النهاية : 322 ، شرائع الإسلام 1 : 180 ، قواعد الأحكام 1 : 361 ، الروضة البهية 2 : 70 .
- (4) تذكرة الفقهاء 2 : 265 (الطبعة الحجرية) وحكاه عنه في مصباح الفقيه 14 : 79 .
(الصفحة 91)
للسفينة مثلاً، كالخاتم أو الدرهم أو الدينار . أمّا وجوب التعريف في الصورة الاُولى فهو مبنيّ على أن يكون ما في الجوف ملكاً للصائد باعتبار الحيازة التبعيّة وكون البيع الواقع عليها واقعاً على السمكة خاصّة ، دون ما في بطنها وكونه باقياً على ملك البائع ، وكلا الأمرين ممنوعان ; أمّا الأوّل فلمنع صدق الحيازة بالنسبة إلى ما في الجوف; لتقوّمها بالالتفات والقصد وصدق الاستيلاء، وهو منفيّ في الحيازة التبعيّة، وأمّا الثاني فلأنّ ظاهر البيع أنّه ينقل السمكة إلى المشتري على الوجه الأوّل الذي استملكها ، فيبيع ما صاده على النحو الذي حازه ، ولكن العمدة هو الإشكال الأوّل .
وأمّا الصورة الثانية ، فالظاهر عدم وجوب الرجوع فيها أيضاً لا إلى البائع ولا إلى غيره ، أمّا الثاني فلدلالة صحيحة الحميري في الصرّة عليه بطريق أولى . وأمّا الأوّل ، فلعدم خصوصيّة للبائع من بين سائر الناس استوجب الرجوع إليه ; لأنّ احتمال كونه له احتمال موهوم جدّاً لا يعتني به العقلاء(1) ، انتهى .
ولسائل أن يسأل عنه أنّه هل يلتزم بلازم ما أفاده من منع الحيازة التبعيّة؟ وهو أنّه لو غصب غاصب السمكة من الصائد الذي قد ملكها ثمّ وجد الغاصب في جوف السمكة لؤلؤاً أو مرجاناً مثلاً وقصد تملّكه فعلى هذا التقدير يلزم أن لا يكون ضامناً لما في جوف السمكة بل لنفسها; لعدم صيرورته ملكاً للصائد ؟ والظاهر عدم الالتزام به ، ومع ذلك فلا يجب تعريفه للبائع ولم يثبت الخمس فيه بوجه .
ثمّ الظاهر أنّ المراد من الفرض النادر الذي استثناه من عدم لزوم تعريف البائع هو ما لو كانت تربية السمكة في أرض محدودة مملوكة للصائد مشتملة على ماء كثير ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة ويسمّى السمك المربّى فيه ـ باللغة الفارسية
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 104 ـ 106 .