(الصفحة 96)
الوجودات والأفراد ، بل المنشأ هي كثرة الاستعمال غير الثابتة في المقام .
هذا ، ويظهر من المحقّق الهمداني (قدس سره) وجه لتصحيح كلام صاحب الشرائع لا بأس بإيراده ، فنقول : حاصله أنّ المتراءى من ظواهر النصوص والفتاوى انحصار ما يجب الخمس فيه في الخمسة ، فلو كان كلّ من العنوانين الواردين موضوعاً للحكم مستقلاًّ لكان اللاّزم أن يكون الموجب ستّة ، وهو مناف للحصر المذكور ، فلا محيص عن إرجاع أحدهما إلى الآخر ، والأشبه بالقواعد هو ارتكاب التقييد ، فيكون الموضوع ما اُخرج من البحر بالغوص .
ثمّ أفاد (قدس سره) أنّه مع التنزّل ووصول النوبة إلى الاُصول العمليّة يكون المرجع هي أصالة البراءة عن الوجوب في غير مادّة الاجتماع(1) .
وأورد عليه بعض الأعلام بما حاصله أنّ صحيحة ابن أبي عمير وإن كانت ظاهرة في الحصر ، إلاّ أنّه لا مناص من رفع اليد عن هذا الظهور ، نظراً إلى أنّ وجوب الخمس فيما يخرج من البحر بغير الغوص مقطوع به في الجملة ، إمّا بعنوان ما يخرج من البحر ، أو بعنوان الفوائد والأرباح ، وإن كانت تظهر الثمرة بالنسبة إلى استثناء مؤونة السنة .
ومن المعلوم أنّ شيئاً من العنوانين لا يكون من الخمسة ، فالحصر غير حاصر لا محالة ، واحتمال الدخول في عنوان الغنيمة المذكور في الصحيحين يدفعه أنّ المراد بها فيهما خصوص غنائم دار الحرب ، وإلاّ لا يكون سائر الأقسام المذكورة معها كالمعادن والكنوز والغوص قسيماً لها ، فإنّها كلّها فوائد .
وأورد على ما ذكره من الأصل بأنّه لا مجال له بعد تعلّق القطع بتعلّق الخمس بما
- (1) مصباح الفقيه 14 : 86 .
(الصفحة 97)
اُخرج من البحر بغير الغوص ، ولأجله يعلم بأنّ خمس المال قد انتقل إلى أربابه بمجرّد تملّكه ، فيتوقّف جواز التصرّف على الإذن ، ولم يحرز ما لم يخمّس ، فمقتضى الأصل عدم جواز التصرّف فيه ووجوب إخراج خمسه بمجرّد حيازته ، وجواز التصرّف فيه واستثناء المؤونة أي مؤونة السنة غير معلوم ، والأصل العدم ، فمقتضاه الثبوت لا البراءة ، كما أفاده (قدس سره)(1) .
قلت : يمكن تأييد ما أفاده المحقّق في الشرائع بوجهين آخرين بعد كون الأمر دائراً بين الوجهين الأوّلين ، كما عرفت :
الأوّل : أنّ لازم ما أفاده بعض الأعلام من القول الثاني الحكم بلزوم تعدّد الخمس في مادّة الاجتماع لانطباق العنوانين عليها; عنوان ما يخرج من البحر وعنوان الغوص ، ومجرّد كون التغاير عموماً من وجه لا ينفي التعدّد ، مع أنّه من الظاهر خصوصاً بملاحظة الفتاوى عدم التعدّد .
الثاني : إمكان دعوى القطع بأنّ الأمر المتعلّق للخمس في هذا المجال ليس إلاّ أمراً واحداً أو عنواناً فارداً لا عنوانين وإن كان التغاير بينهما بالعموم من وجه .
وبعبارة اُخرى الظاهر كون التغاير بين العناوين المتعلّقة للخمس هو التباين كالكنز والمعدن وغيرهما .
نعم ، قد عرفت(2) أنّه قد ورد في بعض الروايات أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة . وعرفت(3) أنّ المراد بها مطلق الفائدة ، وإن كان المراد بالغنيمة المأخوذة في هاتين الروايتين خصوص غنائم دار الحرب ، كما أفاده (قدس سره) .
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 112 ـ113 .
- (2) في ص13 .
(الصفحة 98)
وبالجملة : الظاهر أنّ الحقّ مع الشرائع ، كما عرفت .
الجهة الرابعة: في اعتبار النصاب ومقداره ، والمعروف أنّ النصاب المعتبر فيه دينار واحد(1) ، وحكي عن المفيد اعتبار عشرين(2) ، ويدلّ على المشهور ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد ، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ، عن أحمد بن محمد ابن أبي نصر ، عن محمّد بن علي بن أبي عبدالله ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(3) . والضمير المذكّر المفرد يرجع إلى ما يخرج من البحر .
وأمّا المعادن فاللاّزم رجوع الضمير المؤنّث إليها ، كما لا يخفى .
ومحمّد بن علي بن أبي عبدالله وإن كان حاله مجهولاً ، إلاّ أنّه قد روى الصدوق الرواية مرسلة بالإرسال المعتبر ، حيث قال : سُئل أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام)عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(4) . ويؤيّد رجوع الضمير إلى ما يخرج من البحر أنّ الصدوق في محكيّ المقنع(5) نقل الرواية وترك ذكر المعادن .
- (1) السرائر 1 : 488 ، شرائع الإسلام 1 : 180 ، منتهى المطلب 1 : 550 ، مختلف الشيعة 3 : 191 ، الحدائق الناضرة 12 : 344 .
- (2) الرسالة العزّية ، حكى عنه في مختلف الشيعة 3 : 191 مسألة 148 .
- (3) التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
- (4) الفقيه 2 : 21 ح72 .
- (5) المقنع : 172 .
(الصفحة 99)مسألة 3 : لو أخرج الجواهر من البحر ببعض الآلات من دون غوص يكون بحكمه على الأحوط . نعم ، لو خرجت بنفسها على الساحل أو على وجه الماء فأخذها من غير غوص تدخل في أرباح المكاسب لا الغوص إذا كان شغله ذلك ، فيعتبر فيها إخراج مؤونة السنة ، ولا يعتبر فيها النصاب . وأمّا لو عثر عليها من باب الاتّفاق فتدخل في مطلق الفائدة ويجيء حكمه1 .
مسألة 4 : لا فرق فيما يخرج بالغوص بين البحر والأنهار الكبيرة ـ كدجلة والفرات والنيل ـ إذا فرض تكوّن الجواهر فيها كالبحر2 .
1 و 2 ـ يظهر منه (قدس سره) أنّه اختار في هذا المجال ما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) ممّا تقدّم ، ومرجعه إلى كون المتعلّق في هذا المقام عنوانين مستقلّين . غاية الأمر أنّه حكم بلزوم الخمس في الغوص من الأنهار الكبيرة دون البحر بنحو الفتوى ، وبلزوم الخمس فيما يخرج من البحر ببعض الآلات من دون غوص بنحو الاحتياط الوجوبي دون الفتوى ، ولعلّ الفرق بينهما بنظره (قدس سره) أنّ عنوان الغوص قد وقع في صحيحة الحلبي التي عرفت اعتبارها حتّى على مبنى صاحب المدارك(1) ، وإن وقعت المخالفة معه في الاختصاص بالعنبر واللؤلؤ وعدمه . وأمّا عنوان ما يخرج من البحر فقد وقع في رواية عمّار بن مروان المتقدّمة ، وصحّته عنده غير معلومة وإن كان قد عرفت الانصراف إلى خصوص الثقة(2) ، فالفرق بين العنوانين موجود من هذه الجهة .
ثمّ إنّه في المقام فرعان آخران :
أحدهما : ما لو خرجت الجواهر بنفسها على الساحل بحيث كان المخرج له هو
(الصفحة 100)مسألة 5 : لو غرق شيء في البحر وأعرض عنه مالكه فأخرجه الغوّاص
البحر لأجل اختلاف حاله من الجزر والمدّ ، فالمحكيّ عن الشهيد (قدس سره) في البيان أنّه قال: لو اُخذ منه شيء بغير غوص فالظاهر أنّه كحكمه ولو كان ممّا ألقاه الماء على الساحل(1) . واحتمل في الجواهر استناده في ذلك إلى رواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله المتقدّمة ، حيث إنّه لم يعلّق الحكم فيها على الغوص ، بل على ما يخرج من البحر ، واستشكل فيه باحتياجه إلى الجابر في ذلك وليس ، بل الموهن متحقّق على الظاهر(2) .
ثانيهما : ما لو أخذها عن وجه الماء من دون غوص ، والمذكور في المتن في الفرعين أنّه إذا كان من شغله ذلك فاللازم المعاملة في الفرعين معاملة أرباح المكاسب التي لا يعتبر فيها النصاب ، بل يجوز استثناء مؤونة السنة كما في سائر موارد أرباح المكاسب ، وإذا لم يكن من شغله ذلك فيدخل في مطلق الفائدة الذي سيجيء البحث فيه إن شاء الله تعالى .
أقول : بعد عدم اختصاص التعبير بما يخرج من البحر برواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله ـ التي لم يحرز اعتبارها ، بل هذا العنوان واقع في صحيحة عمّار بن مروان المتقدّمة(3)ـ يمكن القول بالفرق بين الفرعين بصدق ما يخرج من البحر في الفرع الثاني دون الأوّل ، كما لا يخفى .
اللّهم إلاّ أن يقال بانصراف الأوّل إلى ما يخرج من باطن البحر وداخله ، وعليه فلا يصدق على المأخوذ من وجه الماء .
- (1) البيان : 216 .
- (2) جواهر الكلام 16 : 41 .
- (3) في ص93 .