(الصفحة 117)
ولكن اقترانها بالفوائد قرينة قطعيّة على أنّ المراد بها معنى عامّ يشمل مطلق الأرباح وغيرها . غايته الالتزام بخروج صنف خاصّ من الفوائد وهي أرباح التجارات ، ونتيجته ارتكاب التخصيص الذي ليس بعزيز ، فيثبت الخمس في غير ما ذكر من الفوائد(1) .
والتحقيق أنّ في الرواية إشكالاً يوجب ردّ علمها إلى أهلها ولا يمكن التفصّي عنه بوجه; وهوأنّ استشهادالإمام(عليه السلام) في صدر الرواية بالآية الدالّة على أمر النبيّ(صلى الله عليه وآله)بأخذ الصدقة مع كون مورد الكلام هو الخمس لا الزكاة إنّما كان للدلالة على التأسّي بالنبيّ(صلى الله عليه وآله) ، والاقتداء به في الأخذ لأجل حصول التطهير والتزكية لمواليه المقصّرين في أمر الخمس . وأمّا استشهاده في الذيل بآية الخمس الدالّة على ثبوته فلا يناسب المسبوقية بعدم إيجابه الخمس في الأرباح التي هي من أظهر مصاديق الفائدة ، خصوصاً مع التصريح بالوجوب في كلّ عام في جميع الغنائم والفوائد .
وبالجملة : الآية الشريفة الواردة في الخمس تدلّ على بيان حكم كلّي إلهي ثابت في جميع الأعصار ، فلا يناسب الاستشهاد بها عقيب عدم الإيجاب في الأرباح خصوصاً مع عطف الفوائد على الغنائم ، وقد عرفت أنّ من أظهر مصاديق الفوائد الأرباح ، ولا مجال للتمسّك بالعموم في مورد التخصيص ، وعليه فما أفاده بعض الأعلام (قدس سره) من أنّ الرواية ظاهرة الدلالة(2) غير ظاهر ، كما لا يخفى .
ومنها : رواية حكيم مؤذّن بني عيس ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} قال : هي والله الإفادة
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 206 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 206 .
(الصفحة 118)
يوماً بيوم ، إلاّ أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكّوا(1) .
وظاهر الرواية ـ مضافاً إلى الخدشة في السند ـ الدلالة على اختصاص الآية بغير غنائم دار الحرب وأنّ المراد الإفادة يوماً بيوم ، مع أنّ غاية ما تقدّم منّا(2) عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب ، فاللاّزم أن يقال بأنّ المراد من الرواية شمول الآية للإفادة المذكورة لا الاختصاص بغنائم دار الحرب .
ومنها : رواية محمّد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : أخبرني عن الخمس أعَلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع وكيف ذلك؟ فكتب بخطّه: الخمس بعد المؤونة(3) .
والظاهر كما تقدّم أنّ المراد من المؤونة ليس مؤونة السنة ، بل المؤونة المصروفة في تحصيل ما يتعلّق به الخمس من المعدن والغوص والكنز ومثلها ، فلا ارتباط لها بمسألة مؤونة السنة .
ومنها : رواية علي بن محمّد بن شجاع النيسابوري أنّه سأل أبا الحسن الثالث(عليه السلام) عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّى ، فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً وبقي في يده ستّون كرّاً ، ما الذي يجب لك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء؟ فوقّع(عليه السلام) : لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته(4) .
ومنها : صحيحة علي بن مهزيار قال : قال لي أبو علي بن راشد: قلت له : أمرتني
- (1) التهذيب 4 : 121 ح344 ، الاستبصار 2 : 54 ح179 ، الوسائل 9 : 546 ، أبواب الأنفال ب4 ح8 .
- (2) في ص108 ـ 109 .
- (3) التهذيب 4: 123 ح352، الاستبصار 2: 55 ح181، الوسائل 9: 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1.
- (4) التهذيب 4 : 16 ح39 ، الاستبصار 2 : 17 ح48 ، الوسائل 9 : 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح2 .
(الصفحة 119)
بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدرِ ما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : ففي أيّ شيء؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم ، قلت : والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(1) .
وفي رواية اُخرى لعليّ بن مهزيار أنّه كتب ـ وقرأه عليّ بن مهزيار ـ عليه الخمس بعد مؤونته ومؤونة عياله وخراج السلطان (2) ، والظاهر عدم تعدّد الرواية بل وحدتها ، ويستفاد منها كفاية استثناء مؤونة السنة ، وإن لم يقع التصريح بالسنة في شيء من الروايات على ما اعترف به جماعة من أعاظم الفقهاء(3) إلاّ في رواية واحدة في الوسائل على بعض الطبعات ، والظاهر عدم صحّتها .
وجه الدلالة في المقام إضافة المؤونة إلى الشخص أو الأشخاص لا متعلّق الخمس من الأرباح وغيرها ، ومن الظاهر أنّ مؤونة الشخص لا تلاحظ بالإضافة إلى يوم أو اُسبوع أو شهر ، بل تلاحظ بالإضافة إلى السنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يكون لكلّ فصل منها شرائط خاصّة ومؤونة مخصوصة ، ولذا تلاحظ الغنى والثروة وعدمها بالإضافة إلى السنة المذكورة .
هذا ، مضافاً إلى الاتّفاق(4) على أنّ المراد مؤونة السنة ، ولعلّ منشأه سيرة
- (1) التهذيب 4: 123 ح353، الاستبصار 2: 55 ح182، الوسائل 9: 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح3.
- (2) التهذيب 4: 123 ح354، الاستبصار 2: 55 ح183، الوسائل 9: 500، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح4 .
- (3) كفاية الأحكام: 43 ، الحدائق الناضرة 12: 353 ، رياض المسائل 5: 253 ، جواهر الكلام 16: 58ـ 59 ، مصباح الفقيه 14: 128 .
- (4) راجع غنية النزوع: 129 ، الحدائق الناضرة 12: 353 ، رياض المسائل 5: 253 ، جواهر الكلام 16: 45 ، مصباح الفقيه 14: 129 .
(الصفحة 120)
المتشرّعة المتّصلة إلى زمن المعصوم(عليه السلام) ، فإنّا نراهم جعل يوم من أيّام السنة رأس سنته ويدفعون خمس أموالهم الحاصلة من مثل الأرباح بعد استثناء مؤونتهم في تلك السنة ، كما هو المتداول في هذه الأزمنة في مقام المحاسبة ودفع الخمس المتعلّق بهم ، كما أنّه ممّا ذكرنا يظهر أنّ المناط في السنة هي السنة الشمسية باعتبار اشتمالها على جميع الفصول الأربعة لا القمرية غير المشتملة عليه ، وإن كان المراد بالشهر في جلّ الموارد أو كلّها هو الشهر القمري كما في رمضان وغيرها .
وأمّا تقييد العيال بواجبة النفقة كما في بعض العبارات فالظاهر أنّه لا وجه له ، بل الظاهر الشمول للمؤن التي هي من شأن الرجل وإن لم تكن واجبة عليه شرعاً ، كما في نفقة بعض الأقارب على ما قرّر في محلّه ، ولعلّه المراد من إطلاق عبارة المتن .
وينبغي هنا البحث عن أخبار التحليل وإن كان التعرّض لها وقع في كتاب العروة في آخر مباحث الخمس(1) بصورة اُخرى ، فنقول : إنّ الأخبار الواردة في هذا المجال نفياً أو إثباتاً أو تفصيلاً على طوائف ثلاثة :
الطائفة الاُولى : ما تدلّ على وقوع التحليل للشيعة مطلقاً ، مثل :
صحيحة أبي بصير وزرارة ومحمّد بن مسلم ، كلّهم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) : هلك الناس في بطونهم وفروجهم; لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ، ألا وإنّ شيعتنا من ذلك وآباءهم في حلّ . وفي رواية الصدوق «وأبناءهم»(2) بدل «وآباءهم» ولعلّه الأنسب كما لا يخفى .
وصحيحة زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه قال : إنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) حلّلهم من
- (1) العروة الوثقى 2: 407 مسألة 19 .
- (2) علل الشرائع: 377 ح2 ، التهذيب 4: 137 ح386 ، الاستبصار 2: 58 ح191 ، الوسائل 9: 543 ، أبواب الأنفال ب4 ح1 .
(الصفحة 121)
الخمس ـ يعني الشيعة ـ ليطيب مولدهم(1) .
ورواية الحارث بن المغيرة النصري ـ التي في سندها أبو عمارة المجهول ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : إنّ لنا أموالاً من غلاّت وتجارات ونحو ذلك ، وقد علمت أنّ لك فيها حقّاً ، قال : فلم أحللنا إذاً لشيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم ، وكلّ من والى آبائي فهو في حلّ ممّا في أيديهم من حقّنا ، فليبلغ الشاهد الغائب(2) .
وروايته الاُخرى التي في سندها جعفر بن محمّد بن حكيم الواقع في بعض إسناد كتاب كامل الزيارات لابن قولويه استاذ المفيد (قدس سره) ، قال : دخلت على أبي جعفر(عليه السلام)فجلست عنده ، فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له ، فدخل فجثا على ركبتيه ، ثمّ قال : جعلت فداك إنّي اُريد أن أسألك عن مسألة والله ما اُريد بها إلاّ فكاك رقبتي من النار ، فكأنّه رقّ له فاستوى جالساً فقال : يا نجية سلني ، فلا تسألني عن شيء إلاّ أخبرتك به ، قال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان ؟ قال : يا نجية إنّ لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، وهما والله أوّل من ظلمنا حقّنا في كتاب الله ـ إلى أن قال :ـ اللّهم إنّا قد أحللنا ذلك لشيعتنا . قال : ثمّ أقبل علينا بوجهه فقال : يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا(3) .
وينبغي قبل إيراد الطائفتين الآخرتين الواردتين في هذا المجال من ملاحظة أنّه لو كنّا نحن والآية الشريفة الدالّة على الخمس ، وهذه الطائفة من الروايات الدالّة على التحليل المطلق; أي الخمس المركّب من سهم الإمام(عليه السلام) وسهم السادة العظام ، غاية الأمر لخصوص الشيعة القائلين بثبوت الخمس وعدم اختصاص متعلّقه
- (1) علل الشرائع : 377 ب106 ح1 ، الوسائل 9 : 550 ، أبواب الأنفال ب4 ح15 .
- (2) التهذيب 4 : 143 ح399 ، الوسائل 9 : 547 ، أبواب الأنفال ب4 ح9 .
- (3) التهذيب 4 : 145 ح405 ، الوسائل 9 : 549 ، أبواب الأنفال ب4 ح14 .