(الصفحة 122)
بغنائم دار الحرب ـ كما يقول به غيرنا ـ فهل اللازم حمل الآية على بيان الحكم الاقتضائي ، وحمل الروايات على بيان الحكم الفعلي؟
ويردّه ـ مضافاً إلى أنّه لا شاهد في الآية على الحكم الاقتضائي ، خصوصاً مع ثبوت الفعليّة ولو بالإضافة إلى غنائم دار الحرب ، وإلى أنّ لازمه عدم ثبوت الفعليّة بالنسبة إلى غير الشيعة ـ أنّ نفس التحليل قرينة على الثبوت والفعليّة ، مع أنّ إنشاء الحكم الوضعي مع العلم بعدم بلوغه إلى مرحلة الفعليّة لعدم اعتقاد بعض المكلّفين به وثبوت غيره في حقّ المعتقدين ممّا لا يكاد يستقيم .
أو الالتزام بأنّ الروايات لأجل كونها مخالفة للقرآن تكون مطروحة ، واللازم ضربها على الجدار ، كما في بعض الأخبار الواردة في الروايات المخالفة للكتاب .
ويبعّده عدم اعتراض مثل زرارة على الإمام(عليه السلام) في هذا المجال .
أو يقال بتقييد إطلاق الآية; لشموله لغير الشيعة من المسلمين ، بل الكفّار بناءً على اشتراكهم مع المسلمين في الفروع كما في الاُصول .
ويبعّده أنّ التقييد المستلزم لعدم العمل بالإطلاق بوجه قبيح; لأنّ المفروض ثبوت التحليل بالإضافة إلى المعتقدين ، وعدم التأثير للإطلاق بالإضافة إلى غيرهم ، كما لا يخفى .
والتحقيق أن يقال: إنّه لا مجال للالتزام بمفاد هذه الأخبار; لاستلزامه أن لا يكون طريق لسدّ فقر فقراء السادة بعد حرمة الزكاة عليهم ، وثبوت التحليل بالنسبة إلى سهمهم كما هو المفروض ، واستلزامه أيضاً لعدم تداوم الحوزات العلمية التي بها يتقوّم بقاء الدين اُصولاً وفروعاً; لارتزاقهم من الخمس المركّب من السهمين ، وعدم وجود سبب آخر لارتزاقهم حتّى الموقوفات ، ومن هذه الجهة يتحقّق الاطمئنان الكامل بعدم تحقّق التحليل من ناحيتهم (عليهم السلام) .
(الصفحة 123)
الطائفة الثانية : ما تدلّ على عدم التحليل المطلق ولو لخصوص الشيعة ، وينبغي أن تعدّ من هذه الطائفة ما يدلّ على ثبوت الخمس في كلّ ما كان ركازاً في جواب السؤال عن المعادن ، وصحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدّمة(1) الدالّة على أنّ أبا جعفر الثاني(عليه السلام) حلّل في خصوص العام الآخر من سنوات عمره الشريف لخصوص مواليه بعض الاُمور المتعلّقة للخمس ، فإنّا وإن كنّا قد ذكرنا أنّ فيها إشكالاً لا يمكن التفصّي عنه(2) ، إلاّ أنّ دلالتها على عدم إطلاق التحليل في جميع الأعصار والأعوام ممّا لا يقبل الإنكار .
وكيف كان ، فهذه الطائفة عبارة عن مثل صحيحة إبراهيم بن هاشم قال : كنت عند أبي جعفر الثاني(عليه السلام) إذ دخل عليه صالح بن محمّد بن سهل وكان يتولّى له الوقف بقم ، فقال : يا سيّدي اجعلني من عشرة آلاف في حلّ ، فإنّي قد أنفقتها ، فقال له : أنت في حلّ ، فلمّا خرج صالح قال أبو جعفر(عليه السلام) : أحدهم يثب على أموال (حقّ خ ل) آل محمّد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ، ثمّ يجيء فيقول: إجعلني في حلّ ، أتراه ظنّ أنّي أقول: لا أفعل؟ والله ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً(3) .
والرواية وإن لم يقع فيها التصريح بالخمس ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد من الأموال أو الحقّ الخمس ، خصوصاً مع ذكر الأيتام والمساكين وأبناء السبيل كما لا يخفى ، وإن كان يبعّد ذلك قوله: «فيأخذه» .
- (1) في ص112 ـ 114 .
- (2) في ص117 .
- (3) الكافي 1 : 548 ح27 ، التهذيب 4 : 140 ح397 ، الاستبصار 2 : 60 ح197 ، الوسائل 9 : 537 ، أبواب الأنفال ب3 ح1 .
(الصفحة 124)
ورواية أبي بصير ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سمعته يقول: من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله ، اشترى ما لا يحلّ له(1) .
وحكي عن صاحب الوسائل أنّه رواها في باب آخر بسند آخر أيضاً(2) يكون صحيحاً غير قابل للمناقشة .
الطائفة الثالثة : ما تدلّ على التفصيل ، مثل :
صحيحة أبي سلمة سالم بن مكرم ; وهو أبو خديجة ـ فله كنيتان ، وقد نقل أنّ الصادق(عليه السلام) أعطى إحداهما إيّاه(3) ـ عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: قال رجل وأنا حاضر : حلّل لي الفروج ، ففزع أبو عبدالله(عليه السلام) فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنّما يسألك خادماً يشتريها ، أو امرأة يتزوّجها ، أو ميراثاً يصيبه ، أو تجارة أو شيئاً أعطيه ، فقال : هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب ، والميّت منهم والحيّ ، وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال ، أما والله لا يحلّ إلاّ لمن أحللنا له ، ولا والله ما أعطينا أحداً ذمّة ، وما عندنا لأحد عهد ، ولا لأحد عندنا ميثاق(4) .
ورواية يونس بن يعقوب ـ التي في سندها محمّد بن سنان ـ قال : كنت عند أبي عبدالله(عليه السلام) فدخل عليه رجل من القمّاطين ، فقال : جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال وتجارات نعلم أنّ حقّك فيها ثابت ، وأنّا عن ذلك مقصّرون ؟
- (1) التهذيب 4 : 136 ح381 ، الوسائل 9 : 484 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 ح5 وص540 ، أبواب الأنفال ب3 ح6 .
- (2) وسائل الشيعة 17: 369 ح6 .
- (3) اختيار معرفة الرجال ، المعروف بـ «رجال الكشي» : 353 رقم 661 .
- (4) التهذيب 4 : 137 ح384 ، الاستبصار 2 : 58 ح189 ، الوسائل 9 : 544 ، أبواب الأنفال ب4 ح4 .
(الصفحة 125)
فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم(1) .
ثمّ إنّه حكي عن صاحب الحدائق (قدس سره)(2) أنّه جمع بين الطائفتين الاُوليين بحمل أخبار التحليل على خصوص حصّة الإمام(عليه السلام) ، وأنّه حلّل سهم الإمام(عليه السلام) الذي هو نصف الخمس لعموم الشيعة مطلقاً ، وحمل أخبار العدم على خصوص حصّة السادة العظام .
ويرد عليه
أوّلاً : عدم انحصار الروايات الواردة في هذا المجال بالطائفتين ، بل لنا طوائف ثلاثة كما عرفت (3) .
وثانياً : أنّ هذا الجمع مجرّد اقتراح لا شاهد له أصلاً ، خصوصاً مع التعليل بطيب الولادة المقتضي لحصول التحليل مطلقاً ، وإن كان لم يظهر لنا وجه التعليل بطيب الولادة; لأنّ عدم دفع الخمس المركّب من حصّة الإمام(عليه السلام) ومن سهم السادة العظام لا يوجب خللاً في النكاح وقدحاً فيه وإن كان المهر شخصيّاً غير مخمّس; لعدم اشتراط ذكر المهر أصلاً في النكاح الدائم المتعارف ، وكذا التعليل بطيب المتاجر والمساكن مع وقوع البيع بالإضافة إليهما بنحو الثمن الكلّي لا الشخصي ، ولذا حكي عن صاحب الجواهر (قدس سره) أنّه يخشى على من أمعن النظر فيها مريداً لإرجاعها إلى مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشيء(4) .
هذا ، وإن كان ربما يتوهّم من بعض الروايات في بادئ النظر صحّة هذا الجمع مثل :
- (1) التهذيب 4 : 138 ح389 ، الاستبصار 2 : 59 ح194 ، الوسائل 9 : 545 ، أبواب الأنفال ب4 ح6 .
- (2) الحدائق الناضرة 12 : 443 و 447 ـ 448 .
- (3) في ص120 .
- (4) جواهر الكلام 16 : 152 .
(الصفحة 126)
صحيحة ابن مهزيار قال : قرأت في كتاب لأبي جعفر(عليه السلام) من رجل يسأله أن يجعله في حلّ من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب بخطّه : من أعوزه شيء من حقّي فهو في حلّ(1) . لكنّ الظاهر اختصاصها بالمعوزين وغير القادرين ، لا مطلقاً كما هو مدّعى صاحب الحدائق(2) .
ورواية أبي حمزة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : إنّ الله جعل لنا أهل البيت سهاماً ثلاثة في جميع الفيء ، فقال تبارك وتعالى :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(3)فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا ، والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلاّ كان حراماً على من يصيبه فرجاً كان أو مالاً ، الحديث(4) .
وسندها ضعيف بعلي بن العبّاس الذي ضعّفه النجاشي صريحاً(5) ، وكذا في دلالتها مناقشة; لعدم إفادة انحصار التحليل بحقّ الإمام(عليه السلام) ، كما لا يخفى .
وثالثاً : أنّ ملاحظة الموارد المشابهة المشتملة على ثلاث طوائف من الروايات ـ : الإثبات المطلق ، والنفي كذلك ، والتفصيل بين موارد النفي والإثبات ـ تقتضي جعل الطائفة المفصّلة شاهدة للجمع بين الطائفتين الآخرتين ، فلِمَ لا يكون المقام كذلك بحمل أخبار التحليل على من انتقل إليه ما لا يخمّس ، يعني لم يدفع
- (1) التهذيب 4 : 143 ح400 ، الوسائل 9 : 543 ، أبواب الأنفال ب4 ح2 .
- (2) الحدائق الناضرة 12 : 429 .
- (3) سورة الأنفال 8: 41.
- (4) الكافي 8 : 285 ح431 ، الوسائل 9 : 552 ، أبواب الأنفال ب4 ح19 .
- (5) رجال النجاشي : 255 .