(الصفحة 127)
خمسه ، سواء كان الانتقال اختياريّاً أو قهريّاً كالإرث . غاية الأمر وقوع الاختلاف من جهة اختصاص التحليل بما إذا كان الانتقال ممّن لا يعتقد الخمس ، كالكافر والمخالف ، أو عدم الاختصاص بذلك والشمول لما إذا كان المنتقل إليه لم يؤدّ خمسه وإن كان معتقداً له كالشيعي الفاسق ؟ المعروف والمشهور هو الأوّل(1) كما صرّح به السيّد في العروة(2) ، ولكنّه ذهب بعض الأعلام (قدس سره) في تقريراته في الشرح إلى الثاني .
وخلاصة ما أفاده في هذا المجال أنّ العمدة في المسألة هما صحيحتا يونس بن يعقوب وسالم بن مكرم المتقدّمتان ، وهما مطلقتان من هذه الجهة ، ولا ريب في أنّ إطلاق دليل القيد مقدّم على الإطلاق الأوّلي ، فإذا قال مثلاً: «أعتق رقبة» وقال : «لا تعتق رقبة كافرة» فإنّ إطلاق دليل القيد والشمول للكافرة الكتابيّة يمنع عن شمول الإطلاق في «أعتق رقبة» للكافرة الكتابيّة .
وهنا يكون المذكور في الروايتين وقوع الأموال في الأيدي من أيّة جهة ممّن لم يؤدّ خمسها ، ومقتضى الإطلاق أنّه لا فرق بين غير المعتقد والمعتقد . ودعوى أنّ جميع الشيعة كانوا يخمّسون أموالهم ، فعدم الأداء دليل على كون من انتقل عنه ممّن لا يعتقد الخمس واضحة الفساد; لوجود الفاسق بين الشيعة كهذه الأزمنة ، ولا فرق بين الأزمان والأعصار من هذه الجهة ، فمقتضى إطلاق الروايتين عدم الفرق .
هذا ، ويمكن أن يقال : إنّ قول السائل في صحيحة يونس: «نعلم أنّ حقّك فيها ثابت» وفي صحيحة سالم: «حلّل لي الفروج» ، قرينة على العلم بعدم أداء الخمس ،
- (1) مسالك الأفهام 1 : 476 ، الروضة البهيّة 2 : 80 ، البيان : 221 .
- (2) العروة الوثقى 2 : 407 مسألة 19 .
(الصفحة 128)
وهو لا يجتمع نوعاً إلاّ مع كون المنتقل عنه غير معتقد أصلاً للكفر أو المخالفة; لأنّه مع تشيّعه يجري بالإضافة إليه أصالة الصحّة; لعدم العلم بعدم أدائه نوعاً ، كما لا يخفى .
هذا ، ولكنّ الغلبة والنوعية لا توجب ندرة المقابل بحيث يصير ملحقاً بالمعدوم ولكن الاحتياط يوافق المشهور .
هذا ، وقد ذكر (قدس سره) في ذيل كلامه ما ملخّصه : أنّ هذا فيما إذا كان المنتقل من الغير بنفسه متعلّقاً للخمس ، وأمّا إذا لم يكن كذلك ، بل كان الخمس ثابتاً في ذمّة من انتقل عنه لا في عين ماله ، فالظاهر خروجه عن نصوص التحليل ، كما لو أتلف متعلّق الخمس وانتقل الخمس إلى ذمّته ، ثمّ مات وانتقلت أمواله إلى وارثه الشيعي ، فإنّ مثل هذا غير مشمول لدليل التحليل ، وذلك لصيرورة الخمس في هذه الصورة ديناً ، والدين مقدّم على الإرث; لقوله تعالى :
{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّة يُوصِى بِهَا أَوْ دَيْن}(1) فالدين مقدّم على الإرث ، بل مقداره باق على ملك الميّت يصرف في تفريغ ذمّته عنه ، ولم ينتقل إلى الوارث لكي يتوهّم إندراجه في نصوص التحليل(2) .
بقي في أصل المسألة اُمور لابدّ من التعرّض لها :
أحدها : الهبات والهدايا والجوائز التي فرض في المسألة أنّه لا يصدق التكسّب بها ، وإن حكي عن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) صدق التكسّب عليها(3) ، نظراً إلى كونها من العقود المحتاجة إلى القبول ، والقبول أيضاً تكسّب ، والظاهر الاختلاف في
- (1) سورة النساء 4: 11 .
- (2) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 348 ـ 349 .
- (3) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم) : 84 .
(الصفحة 129)
ثبوت الخمس فيها وعدمه بحيث نسب كلّ من القولين قوله إلى الشهرة ومقابله إلى غير المشهور .
وبالجملة : بعد ظهور عدم تحقّق الإجماع على شيء من القولين لابدّ من ملاحظة الأدلّة .
فنقول : ظاهر المتن عدم الوجوب بعد عدم صدق التكسّب فيها ، وأنّ مقتضى الاحتياط الاستحبابي أداء الخمس فيها ، فنقول :
أمّا الآية الشريفة الواردة في الخمس فالظاهر بعد ملاحظة صدق عنوان «ما غنمتم من شيء» عليها الوجوب; لما عرفت(1) من عدم الاختصاص بغنائم دار الحرب وشمولها لمطلق الفائدة والاستفادة ، بل يمكن كما قيل دعوى الأولويّة بالإضافة إلى مثل ربح التجارة ، فإنّه إذا كان في الربح الحاصل بالمشقّة من جهة تغيير المكان ، أو تأخير الزمان ، أو تغيير الهيئة ونحوها مع استلزام الجميع للمشقّة الخمس ثابتاً يكون ثبوته في الهبة غير المتوقّفة على المشقّة نوعاً بطريق أولى ، ويمكن التمسّك في ذلك مع قطع النظر عن الأولويّة بمفهوم الموافقة الراجع إلى إلغاء الخصوصية وعدم ثبوتها .
هذا ، ولكنّ الظاهر أنّه لا مجال للمناقشة في دلالة الآية ، وكون التكسّب أمراً مستمرّاً نوعاً ، بخلاف مثل الهبة ممّا قد يتّفق لا يصلح لأن يكون فارقاً ، خصوصاً لو قلنا بصدق التكسّب عليها كما عرفت من الشيخ (قدس سره) .
وأمّا الروايات :
فمنها: صحيحة علي بن مهزيار الطويلة المتقدّمة المشتملة على قول أبي جعفر
(الصفحة 130)
الثاني(عليه السلام) : والغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، الخ(1) .
واشتمالها بنظرنا على ما عرفت من الإشكال الذي لا يمكن التفصّي عنه(2)لا يقدح في الاستدلال بها بعد كونها صحيحة من حيث السند ، كما أنّ تقييد الجائزة بمالها خطر لا يوجب إشكالاً بعد عدم ثبوت المفهوم حتّى للقضايا الشرطية فضلاً عن الوصفية ، ويمكن أن يكون الوجه في التقييد ملاحظة أنّ الجائزة غير الخطيرة لا تكون باقية نوعاً إلى آخر السنة حتّى يفضل عن مؤونتها . غاية الأمر عدم دلالتها على ثبوت الحكم في غيرها وعدمه ، ويمكن التتميم بمثل عدم القول بالفصل جزماً .
ومنها : موثّقة سماعة قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير(3) . ومقتضى ملاحظة إطلاق الإفادة التي هي بمعناها اللازمي لا المتعدّي وإن كان الشمول لمثل الهبة; لأنّها فائدة بلا إشكال ، إلاّ أنّ تقييدها بيوم فيوم كما مرّ في بعض أخبار التحليل مقروناً بالقسم(4) يوجب الانصراف إلى الاكتسابات المتعارفة في الأحاديث; لأنّ الهبة ومثلها قد يتّفق ولا تكون مستمرّة في كلّ يوم .
ومنها : رواية أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن يزيد قال : كتبت: جعلت لك الفداء تعلّمني ما الفائدة وما حدّها رأيك أبقاك الله أن تمنّ عليَّ ببيان ذلك ، لكي لا أكون
- (1) تقدّمت في ص114 .
- (2) في ص117.
- (3) الكافي 1 : 545 ح11 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح6 ، وقد تقدّمت في ص112 .
- (4) في ص117 ـ 118 .
(الصفحة 131)
مقيماً على حرام لا صلاة لي ولا صوم ، فكتب (عليه السلام) : الفائدة ممّا يفيد إليك في تجارة من ربحها ، وحرث بعد الغرام ، أو جائزة(1) .
هذا ، وذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاد البروجردي الذي كان له تبحّر في الأسانيد أنّ رواية أحمد بن محمد بن عيسى ، عن يزيد لا توجد في الكتب الأربعة إلاّ هذه الرواية ، و«يزيد» هذا مجهول من حيث الأب ومن حيث الحال(2) .
هذا ، ولكن المحكيّ في حاشية الوسائل الحديثة أنّ في هامش المخطوط أحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد ، فتدبّر .
ومنها : ما رواه محمّد بن إدريس في آخر «السرائر» نقلاً من كتاب محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن هلال ، عن ابن أبي عمير ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هديّة تبلغ ألفي درهم أو أقلّ أو أكثر ، هل عليه فيها الخمس؟ فكتب(عليه السلام) : الخمس في ذلك . وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنّما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً ، هل عليه الخمس؟ فكتب : أمّا ما أكل فلا ، وأمّا البيع فنعم هو كسائر الضياع(3) .
وربما يحتمل ـ كما احتمله سيّدنا الاُستاذ المذكور ـ أن يكون الصادر كلمة «لا خمس في ذلك» مكان «الخمس في ذلك» وهو وإن كان يؤيّده السياق ، فتدبّر . إلاّ أنّه لا دليل على ذلك ، خصوصاً بعد كون الرواية مأخوذة من مصدر صحيح ولم تقع إشارة إلى الخلاف .
- (1) الكافي 1 : 545 ح12 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح7 .
- (2) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي) : 406 .
- (3) مستطرفات السرائر : 100 ح28 ، الوسائل 9 : 504 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح10 .