(الصفحة 141)
سنين بأربعمائة دينار ، وتسلّم الاُجرة بتمامها ، وصرف منها في مؤونته مائة دينار ، فكان الباقي له عند انتهاء السنة ثلاثمائة دينار ، لم يجب الخمس في تمامه ، بل ينبغي تخريج مقدار يجبر به النقص الوارد على الدار الناشئ من كونها مسلوبة المنفعة تسع سنين . فلو فرضنا أنّ قيمتها في هذه الحالة ثمانمائة دينار فنقصت عن قيمتها السابقة مائتان يستثنى ذلك عن الثلاثمائة ، ولم يجب الخمس إلاّ في مائة دينار فقط ، إذ لم يستفد أكثر من ذلك ، ولا خمس إلاّ في الغنيمة والفائدة دون غيرها(1) .
ويمكن الجواب عن هذا الإيراد :
أوّلاً : بأنّ المؤجر قد لا يكون مالكاً للعين المستأجرة ، بل مستأجراً لها بدون اشتراط استيفاء المنفعة بالمباشرة ، أو أوصى له بمنفعة الدار عشر سنين ، أو صولح به عنها على ما هو المفروض في السؤال ، وعليه فلا يستوجب ذلك نقص قيمة الدار أو لا يرتبط به أصلاً ، كما لا يخفى .
وثانياً : أنّ نقصان قيمة العين بسبب الإجارة الكذائيّة لا يرتبط بالإجارة التي قد فرض فيها استلام مال الإجارة بأجمعه ، ومن الممكن أن لا يريد بيع العين أصلاً ، فلا وجه لجبران النقصان بسبب مال الإجارة ، كما أنّه من الممكن أن يكون أصل الدار إرثاً غير متعلّق للخمس . وإن اُريد الكسر والانكسار بالإضافة إلى طريق واحد كالتجارة فقط والصناعة كذلك ، فهو وإن كان صحيحاً في نفسه ـ كما سيأتي إن شاء الله ـ إلاّ أنّه لا يختصّ الجبران بنقصان قيمة الدار ، بل يشمل سائر النقائص الحاصلة من ذلك الطريق في سنة واحدة .
وكيف كان ، فلم يظهر وجه جبران خصوص هذا النقصان من الربح ، مع أنّ
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 220 ـ 221 .
(الصفحة 142)
إجارة الدار سنتين مثلاً لا تؤثّر في نقصان قيمة الدار ، وإلاّ فاللازم تأثيرها في النقصان في إجارة سنة واحدة أيضاً ، فتدبّر .
رابعها : أنّه لا خمس فيما ملك بالخمس أو الزكاة كما في المتن ، وهذا التعبير يشعر بحصول الملكيّة في باب الخمس والزكاة ، مع أنّه ربما يقال بعدم حصول الملكية في باب الزكاة والخمس ، بل بكون الفقير ومثله مصرفاً في بابهما لا كونه مالكاً ، وحصول الملكية لمثله .
وكيف كان ، فعلى تقدير عدم حصول الملكية لا وجه لثبوت الخمس ; لأنّه لا خمس إلاّ في ملك ، وأمّا على فرض حصول الملكية فقد علّل عدم الوجوب بأنّ المستحقّ من السادة أو الفقراء يدفع إليه ما هو ملك له ويطلبه ، وهو يشكل صدق الفائدة; لانصرافها عنه .
وهذا التعليل وإن كان قد اُورد عليه بما يرجع عمدته إلى أنّ الملكية لا تنافي صدق الفائدة ، بل تعاضده وتقوّيه ، وقد مرّ أنّه لا خمس إلاّ في ملك ، إلاّ أنّ الظاهر ثبوت الانصراف; لأنّ الحكم المترتّب على الغنيمة تكون الغنيمة منصرفة عنه ، لا بمعنى عدم إمكان الشمول ، نظير ما ربما يقال من أنّ أدلّة حجّية خبر العادل لا تشمل الأخبار مع الواسطة ، كقول الشيخ (قدس سره) : «أخبرني المفيد كذا وكذا» نظراً إلى أنّ ثبوت موضوع إخبار المفيد بعد عدم كونه محرزاً وجداناً يتوقّف على شمول الدليل لقول الشيخ ، والحكم لا يؤثّر في تحقّق موضوعه; لأنّه بعد كون قضيّة دليل الحجّية قضية حقيقيّة لا خارجيّة لا مانع من تأثير الحكم في تشكيل موضوع آخر له ، كإخبار البيّنة وشهادتها بثبوت البيّنة وقيامها على أمر كالملكيّة ونحوها ، بل بمعنى الانصراف في المقام بخلاف الخبر والبيّنة ، كما عرفت ، هذا ما تقتضيه القاعدة .
وهنا رواية واحدة في هذا المجال ربما يتمسّك بها; وهي رواية علي بن الحسين
(الصفحة 143)
ابن عبد ربّه قال : سرّح الرضا(عليه السلام) بصلة إلى أبي ، فكتب إليه أبي : هل عليَّ فيما سرّحت إليَّ خمس؟ فكتب إليه : لا خمس عليك فيما سرّح به صاحب الخمس(1) .
واُورد على الاستدلال بها ـ مضافاً إلى ضعف السند بسهل بن زياد الواقع فيه ـ باختصاص الرواية بموردها ، وهو ما إذا كان المعطي هو الإمام(عليه السلام) الذي هو صاحب الخمس دون غيره ، إذ الصاحب هو من له الولاية على الخمس ، وهو خصوص الإمام ، كما يفصح عنه قوله(عليه السلام) : «فأنا والله ما له صاحب غيري»(2) ، فغايته أنّ هدية الإمام(عليه السلام)لا خمس فيه ، ولا ربط لها بما نحن فيه من عدم الخمس فيما ملك بالخمس .
وإن شئت قلت : إنّ الرواية تنفي الخمس عن المال المملوك هديّة لا المملوك خمساً الذي هو محلّ الكلام ، وتوهّم أنّ المراد بالصاحب هو السيّد واضح الضعف ، فإنّه مصرفه وليس بصاحبه(3) .
أقول : دعوى وضوح ضعف كون المراد بالصاحب هو السيّد وإن كانت ممنوعة لاحتمال كونه هو المراد به ، وإن كان يؤيّد الدعوى أنّ السيّد لا يكون صاحباً لجميع الخمس ، بل لنصفه حسب السهام المذكورة في الآية الشريفة بخلاف الإمام(عليه السلام) ، فإنّه صاحب لجميع الخمس ملكاً وولاية ، إلاّ أنّ عدم ارتباط الرواية بالمقام واضح ، فإنّ موردها هديّة الإمام(عليه السلام) إلى الكاتب . والظاهر عدم كونه من السادة ، فغاية مفاد الرواية عدم ثبوت الخمس في صلة صاحب الخمس ، والكلام إنّما هو
- (1) الكافي 1 : 547 ح23 ، الوسائل 9 : 508 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب11 ح2 .
- (2) الوسائل 25 : 450 ، كتاب اللقطة ب7 ح1 .
- (3) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس: 224 .
(الصفحة 144) مسألة 8 : لو كان عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس ، أو أدّى خمسها وارتفعت قيمتها السوقيّة لم يجب عليه خمس تلك الزيادة إن لم تكن الأعيان من مال التجارة ورأس مالها ، كما إذا كان المقصود من شرائها وإبقائها اقتناءها والانتفاع بمنافعها ونمائها ، وأمّا إذا كان المقصود الاتّجار بها ، فالظاهر
فيما ملك بالخمس كما هو ظاهر .
والتحقيق في معنى الرواية أن يقال: إنّ الشبهة التي كانت للسائل الكاتب هل هي مجرّد كون المال واصلاً إليه من صاحبه بطريق الصلة والهديّة; أي مجّاناً وبلا عوض ، أو أنّ شبهة السائل كانت من جهة ملكيّة الرضا(عليه السلام) لأجل عدم ثبوت الملك الشخصي له من غير طريق الخمس ، والخمس يكون واصلاً إليه من طريق المأمون الذي كان من خلفاء الجور ، لا باعتبار عدم السيادة له ، فإنّ السادة العبّاسيين يستحقّون الخمس من جهة أبيهم العبّاس ، كاستحقاق السادة العلويّين من طريق عليّ ـ أمير المؤمنين(عليه السلام)ـ لاشتراكهما في الانتساب إلى هاشم بالأب ، بل باعتبار كونهم خلفاء الجور وعدم فقرهم ؟
والظاهر أنّ الجواب يساعد الاحتمال الثاني ، وإلاّ لكان اللازم الاقتصار على عدم ثبوت الخمس فيما سرّح إليه مطلقاً ، فذكر الفاعل وهو صاحب الخمس فيه إشارة إلى أنّ الصاحب الحقيقي كان هو الإمام(عليه السلام) ولو وصل إليه من طريق خليفة الجور ، وعلى أيّ فالوصول إليه كان بطريق الصلة والهدية لا بما أنّه مستحقّ للخمس ، فعدم ثبوت الخمس عليه لا دلالة فيه على عدم ثبوت الخمس على من ملك بالخمس ، كما لا يخفى .
نعم ، استثنى في المتن صورة واحدة; وهي ما لو كان المقصود بإبقاء الخمس أو الزكاة الاسترباح والاستنماء ، فإنّ الظاهر ثبوت الخمس فيه ، والوجه فيه واضح .
(الصفحة 145)
وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة إن أمكن بيعها وأخذ قيمتها ، وإن لم يمكن إلاّ في السنة التالية تكون الزيادة من أرباح تلك السنة لا الماضية على الأظهر1 .
1 ـ إنّ في المسألة صورتين مشتركتين في ارتفاع القيمة السوقيّة بالإضافة إلى ما عنده من الأعيان التي لم يتعلّق بها الخمس ، كما إذا انتقلت إليه بالإرث من الأب أو الابن ، أو الأعيان التي تعلّق بها الخمس ولكنّه أدّى خمسها :
الصورة الاُولى : ما إذا لم تكن الأعيان من مال التجارة ورأس مالها ، بل كان المقصود منها إبقاءها والانتفاع بمنافعها ونمائها ، كما إذا انتقل إليه بالإرث بستان وكان المقصود من الإبقاء الانتفاع بثمرة أشجاره في كلّ سنة لا الاتّجار به وجعله من رأس مال التجارة ، فإنّ ارتفاع القيمة السوقية في هذا الحال لا يوجب تعلّق الخمس بعد عدم كون المقصود من الإبقاء الاتّجار والاسترباح . نعم ، بالنسبة إلى الثمرات الزائدة عن السنة التي لم ينتفع بها فيها الظاهر تعلّق الخمس بها; لكونها فائدة وغنيمة ، والمفروض أنّه لم ينتفع بها ، اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ حكمها لا يكون أشدّ من أصلها ، فإذا لم يكن الأصل متعلّقاً للخمس لفرض الإرث أو الأداء ولو مع ارتفاع القيمة السوقية فالمنافع بطريق أولى ، فتدبّر . وسيأتي البحث عنه إن شاء الله تعالى .
الصورة الثانية : ما إذا كانت الأعيان المذكورة من مال التجارة ويكون المقصود الاتّجار بها ، وفي هذه الصورة لا ينبغي الإشكال في أنّ ارتفاع القيمة السوقية موجب لتعلّق الخمس; لأنّ مدار التجارة نوعاً على ذلك من دون فرق بين ما إذا كان المنشأ اختلاف البلاد ، وبين ما إذا كان ذلك في بلد واحد ; لأنّ تحقّق الربح غالباً إنّما يكون بذلك ، والظاهر ثبوت الحكم ولو مع فرض النقصان في بعض الأعيان