(الصفحة 16)
(الصفحة 17)القول فيما يجب فيه الخمس
يجب الخمس في سبعة أشياء:
الأوّل [: الغنائم]
[وهي] ما يغتنم قهراً بل سرقة وغيلة ـ إذا كانتا في الحرب ومن شؤونه ـ من أهل الحرب الذين يستحلّ دماؤهم وأموالهم وسبي نسائهم وأطفالهم إذا كان الغزو معهم بإذن الإمام (عليه السلام); من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم يحوه كالأرض ونحوها على الأصحّ . وأمّا ما اغتنم بالغزو من غير إذنه، فإن كان في حال الحضور والتمكّن من الاستئذان منه فهو من الأنفال ، وأمّا ما كان في حال الغيبة وعدم التمكّن من الاستئذان فالأقوى وجوب الخمس فيه، سيّما إذا كان للدعاء إلى الإسلام ، وكذا ما اغتنم منهم عند الدفاع إذا هجموا على المسلمين في أماكنهم ولو في زمن الغيبة ، وما اغتنم منهم بالسرقة والغيلة غير ما مرّ ، وكذا بالربا والدعوى الباطلة ونحوها، فالأحوط إخراج الخمس منها من حيث كونه غنيمة لا فائدة، فلا يحتاج إلى مراعاة مؤونة السنة، ولكن الأقوى خلافه، ولا يعتبر في وجوب الخمس في الغنيمة بلوغها عشرين ديناراً على الأصحّ . نعم ، يعتبر فيه أن لا يكون غصباً من مسلم أو ذمّي أو معاهد ونحوهم من
محترمي المال، بخلاف ما كان في أيديهم من أهل الحرب وإن لم يكن الحرب
(الصفحة 18)معهم في تلك الغزوة ، والأقوى إلحاق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلّق الخمس به ، بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأيّ نحو كان، ووجوب إخراج خمسه1 .
1 ـ في هذا الأمر الأوّل من الاُمور السبعة التي يجب فيها الخمس جهات من الكلام :
الاُولى : أنّه قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ أصل وجوب الخمس في غنيمة دار الحرب مع الكفّار الذين يستحلّ دماؤهم وأموالهم وسبي نسائهم وأموالهم ، وبالجملة الكافر الحربي هو القدر المسلّم من متعلّقي الخمس، ولا شبهة في دلالة الآية عليه، ولم يختلف فيه أحد من المسلمين كما هو المحكيّ عن بعض كتبهم أيضاً، كبداية المجتهد لابن رشد الأندلسي(1) ، ثمّ الظاهر أنّ السرقة والغيلة إذا كانتا من الحرب وشؤونه غنيمة; لارتباطهما بالحرب وكونهما من توابعه ولوازمه .
الجهة الثانية : أنّه لا فرق في الغنيمة بين ما حواه العسكر من الأشياء المنقولة وبين غيره، كالأرض والأشجار على ما جعله في المتن أصحّ، كما هو المعروف بين الشيخ(2) ومن تأخّر عنه كالفاضلين(3) والشهيدين(4) . ولكن صاحب الحدائق قد أنكر ذلك عليهم قائلاً بالاختصاص بالأوّل(5)، وتبعه سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) على ما في درسه الذي قرّرته. ومحصّل ما
- (1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1 : 407 .
- (2) النهاية: 198.
- (3) شرائع الإسلام 1 : 179 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، قواعد الأحكام 1 : 61 ، إرشاد الأذهان 1 : 292 .
- (4) الشهيد الأوّل في البيان : 213 ، والشهيد الثاني في الروضة البهيّة 2 : 65 .
- (5) الحدائق الناضرة 12 : 324 ـ 325 .
(الصفحة 19)
أفاده في وجه الاختصاص أنّه موافق لمقتضى الآية الشريفة الواردة في الخمس، والروايات الواردة في أحكام الأراضي المفتوحة عنوة، وكذا الروايات الواردة في قسمة الغنائم أخماساً أو أسداساً على الطوائف المذكورة في الآية وعلى الغانمين .
أمّا الآية، فلأنّ ظاهرها وجوب الخمس فيما اغتنمها الغانمون المحاربون من كلّ شيء، من قليل أو كثير، ثوباً كان أو ذهباً، أو غيرهما من الأمتعة، والنقود، ووسائل الحرب، والحيوانات وغيرها .
ومن المعلوم أنّ الأراضي والمساكن لا يصدق عليها الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين ، بل غاية الأمر أنّ النسبة والإضافة التي كانت بينها وبين السلطان المغلوب في الحرب قد زالت وحدثت بالنسبة إلى السلطان الغالب، وله أن يتصرّف فيها ويصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين، فلا تشملها الآية الظاهرة في وجوب الخمس فيما يصدق عليه عنوان الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين .
وبالجملة : فظاهر الآية الشريفة أنّ ما يملكه الغانمون ويكون ملكاً لهم بأجمعها لولا وجوب الخمس الثابت بالآية يجب تخميسها لأرباب الخمس . ومن الواضح أنّ الأراضي لا تكون مملوكة للغانمين ولا تعدّ غنيمة بالنسبة إليهم، بل هي مملوكة لجميع المسلمين، فهي خارجة عن الآية الكريمة .
وأمّا الروايات الواردة في أحكام الأراضي الخراجية، فمفادها أنّها موقوفة على المسلمين; من كان موجوداً منهم حال الحرب، ومن يوجد منهم بعد إلى يوم القيامة. وليس المراد من ذلك كونها مملوكة لهم على حسب الإشاعة، بل المالك لها هو الإسلام، ولابدّ من صرف عوائدها في مصالحه التي هي مصالح المسلمين لا محالة، ولا يجوز بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غيرها من التصرّفات الناقلة، وليس في شيء منها التعرّض لوجوب الخمس فيها، خصوصاً ما ورد في حكم أراضي
(الصفحة 20)
خيبر، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قبّلها لزرّاع خيبر وصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين(1) .
وبالجملة : فبعد التأمّل في الأخبار الواردة في الأراضي الخراجية(2) لم يظهر من شيء منها دلالة بل ولا إشعار بوجوب الخمس فيها، حتّى أنّ ما فتحت منها في زمن خلفاء الجور ـ كأرض السواد المفتوحة في زمن خلافة الثاني ـ لم يقع مورداً للتخميس ، ويستفاد من ذلك عدم كونه معهوداً بين المسلمين أصلاً .
وأمّا الروايات الواردة في قسمة الغنائم(3) فظاهر أنّ موردها ما عدا الأراضي; لعدم اختصاصها بالغانمين، بل قد عرفت أنّها مملوكة للإسلام ويصرف في مصالحه، ولا يجوز أن يتصرّف فيها بشيء من التصرّفات الناقلة .
نعم ، يبقى الكلام في شهرة القول بالتعميم بين الشيخ(4) وأكثر من تأخّر عنه(5)ولكن التأمّل في كلام الشيخ (قدس سره) يفيد أنّ حكمه بالتعميم لم يكن لأجل نصّ دالّ على ذلك ، بل كان مستنده فيه الآية الشريفة .
وقد عرفت ما في التمسّك بإطلاق الآية، فلا تكون مخالفته بقادحة، خصوصاً بعد وجود الموافق لنا بعده كالحلبي في الكافي(6) وصاحب الحدائق(7) من
- (1) الكافي 3 : 512 ح2 ، التهذيب 4 : 119 ح342 ، الوسائل 15 : 157 ، أبواب جهاد العدوّ ب72 ح1 .
- (2) الوسائل 15 : 155 ، أبواب جهاد العدوّ ب71 و72 .
- (3) الوسائل 15 : 110 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 .
- (4) النهاية : 198 ، المبسوط 1 : 236 .
- (5) كابن إدريس في السرائر 1 : 485 ، والمحقّق في شرائع الإسلام 1 : 179 ، والعلاّمة في تذكرة الفقهاء 5 : 409 .
- (6) الكافي في الفقه : 170 .
- (7) الحدائق الناضرة 12 : 324 .