(الصفحة 19)
أفاده في وجه الاختصاص أنّه موافق لمقتضى الآية الشريفة الواردة في الخمس، والروايات الواردة في أحكام الأراضي المفتوحة عنوة، وكذا الروايات الواردة في قسمة الغنائم أخماساً أو أسداساً على الطوائف المذكورة في الآية وعلى الغانمين .
أمّا الآية، فلأنّ ظاهرها وجوب الخمس فيما اغتنمها الغانمون المحاربون من كلّ شيء، من قليل أو كثير، ثوباً كان أو ذهباً، أو غيرهما من الأمتعة، والنقود، ووسائل الحرب، والحيوانات وغيرها .
ومن المعلوم أنّ الأراضي والمساكن لا يصدق عليها الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين ، بل غاية الأمر أنّ النسبة والإضافة التي كانت بينها وبين السلطان المغلوب في الحرب قد زالت وحدثت بالنسبة إلى السلطان الغالب، وله أن يتصرّف فيها ويصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين، فلا تشملها الآية الظاهرة في وجوب الخمس فيما يصدق عليه عنوان الغنيمة بالنسبة إلى المحاربين .
وبالجملة : فظاهر الآية الشريفة أنّ ما يملكه الغانمون ويكون ملكاً لهم بأجمعها لولا وجوب الخمس الثابت بالآية يجب تخميسها لأرباب الخمس . ومن الواضح أنّ الأراضي لا تكون مملوكة للغانمين ولا تعدّ غنيمة بالنسبة إليهم، بل هي مملوكة لجميع المسلمين، فهي خارجة عن الآية الكريمة .
وأمّا الروايات الواردة في أحكام الأراضي الخراجية، فمفادها أنّها موقوفة على المسلمين; من كان موجوداً منهم حال الحرب، ومن يوجد منهم بعد إلى يوم القيامة. وليس المراد من ذلك كونها مملوكة لهم على حسب الإشاعة، بل المالك لها هو الإسلام، ولابدّ من صرف عوائدها في مصالحه التي هي مصالح المسلمين لا محالة، ولا يجوز بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غيرها من التصرّفات الناقلة، وليس في شيء منها التعرّض لوجوب الخمس فيها، خصوصاً ما ورد في حكم أراضي
(الصفحة 20)
خيبر، وأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قبّلها لزرّاع خيبر وصرف عوائدها في مصالح الإسلام والمسلمين(1) .
وبالجملة : فبعد التأمّل في الأخبار الواردة في الأراضي الخراجية(2) لم يظهر من شيء منها دلالة بل ولا إشعار بوجوب الخمس فيها، حتّى أنّ ما فتحت منها في زمن خلفاء الجور ـ كأرض السواد المفتوحة في زمن خلافة الثاني ـ لم يقع مورداً للتخميس ، ويستفاد من ذلك عدم كونه معهوداً بين المسلمين أصلاً .
وأمّا الروايات الواردة في قسمة الغنائم(3) فظاهر أنّ موردها ما عدا الأراضي; لعدم اختصاصها بالغانمين، بل قد عرفت أنّها مملوكة للإسلام ويصرف في مصالحه، ولا يجوز أن يتصرّف فيها بشيء من التصرّفات الناقلة .
نعم ، يبقى الكلام في شهرة القول بالتعميم بين الشيخ(4) وأكثر من تأخّر عنه(5)ولكن التأمّل في كلام الشيخ (قدس سره) يفيد أنّ حكمه بالتعميم لم يكن لأجل نصّ دالّ على ذلك ، بل كان مستنده فيه الآية الشريفة .
وقد عرفت ما في التمسّك بإطلاق الآية، فلا تكون مخالفته بقادحة، خصوصاً بعد وجود الموافق لنا بعده كالحلبي في الكافي(6) وصاحب الحدائق(7) من
- (1) الكافي 3 : 512 ح2 ، التهذيب 4 : 119 ح342 ، الوسائل 15 : 157 ، أبواب جهاد العدوّ ب72 ح1 .
- (2) الوسائل 15 : 155 ، أبواب جهاد العدوّ ب71 و72 .
- (3) الوسائل 15 : 110 ، أبواب جهاد العدوّ ب41 .
- (4) النهاية : 198 ، المبسوط 1 : 236 .
- (5) كابن إدريس في السرائر 1 : 485 ، والمحقّق في شرائع الإسلام 1 : 179 ، والعلاّمة في تذكرة الفقهاء 5 : 409 .
- (6) الكافي في الفقه : 170 .
- (7) الحدائق الناضرة 12 : 324 .
(الصفحة 21)
المتأخّرين(1)، فتدبّر جيّداً .
واستدلّ صاحب الحدائق (قدس سره) لما رامه ـ بعد الاعتراف بثبوت الإطلاق للآية الكريمة الشامل للأراضي ونحوها ـ إلى أنّ النصوص قاصرة عن إفادة التعميم، بل ظاهرها الاختصاص بالأموال المنقولة، كما تشهد به صحيحة ربعي بن عبدالله بن الجارود(2) المشتملة على قول أبي عبدالله(عليه السلام) : أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وقسّم الباقي خمسة أخماس، ويأخذ خمسه، ثمّ يقسّم أربعة أخماس بين المقاتلين. فإنّ ظاهرها أنّ المال الذي يتعلّق به الخمس من المغنم هو المال الذي يؤتى به إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله)، ومن الظاهر أنّ الاُمور غير المنقولة لا يجري فيها ذلك .
وأورد عليه في الجواهر(3) بأنّ غاية ما يتحصّل من الصحيحة المذكورة ونحوها قصورها عن الإطلاق، لا الدلالة على الاختصاص لتصلح لتقييد الإطلاق، لخلوّ الصحيحة ومثلها عمّا يدلّ على الاختصاص . وأمّا نصوص الأراضي الخراجية فهي قابلة للتخصيص بأدلّة الخمس، كما لا يخفى .
ويظهر من بعض الأعلام في شرحه على العروة على ما في تقريراته(4) استظهار أنّ المناسب للمقام هو ما أفاده صاحب الحدائق لاُمور ترجع خلاصتها إلى منع الإطلاق في الآية الكريمة أوّلاً، نظراً إلى أنّ الأراضي المفتوحة عنوة ملك لجميع المسلمين، وليس للغانمين بما هم كذلك مزيّة بالإضافة إليها، وأنّ الآية لها دلالة على وجوب الخمس في المغنم الذي لو لم يجب فيه الخمس لكان المجموع للغانم، كأدلّة
- (1) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي): 340 ـ 343.
- (2) التهذيب 4 : 128 ح365 ، الوسائل 9 : 510 ، أبواب قسمة الخمس ب1 ح3 .
- (3) جواهر الكلام 16 : 8 ـ 9 .
- (4) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 11 .
(الصفحة 22)
الزكاة الثابتة في الأموال التي لو لم تثبت فيها الزكاة لكان المجموع لصاحبها .
وإلى أنّ ما أفاده في الجواهر من أنّ الآية لا تأبى التقييد بما هنا من كون ذلك بعد الخمس غير قابل للتصديق، ضرورة أنّ نصوص الخراج أخصّ من آية الغنيمة، فإنّ النسبة بين الدليلين عموم وخصوص مطلق، ولا شكّ أنّ إطلاق الخاصّ مقدّم على عموم العامّ، فتلك النصوص لأجل كونها أخصّ تخصّص الآية، لا أنّها تخصّص تلك النصوص .
وإلى أنّه لو فرض كون النسبة عموماً وخصوصاً من وجه، بدعوى أنّ الآية تعمّ المنقول وغيره وتختصّ بالخمس، ونصوص الخراج تختصّ بغير المنقول، تعمّ مقدار الخمس وغيره، فغايته أنّه يتعارض الدليلان في مورد الاجتماع; أي الخمس من غير المنقول، ولا يكون الدليل فيه إلاّ قطعيّاً، فيتحقّق التعارض والتساقط ، ثمّ يرجع إلى أصالة البراءة عن تكليف وجوب الخمس، فتكون النتيجة هي الاختصاص .
إن قلت : إنّ هنا بعض الروايات الظاهرة في العموم، مثل رواية أبي بصير، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : كلّ شيء قوتل عليه على شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله فإنّ لنا خمسه... إلخ(1) .
قلت : إنّه مع تسليم الدلالة فالسند قاصر من جهة الاشتمال على عليّ بن أبي حمزة البطائني الكذّاب المعروف، فلا يمكن الاعتماد عليها أصلاً .
أقول : ينبغي قبل بيان التحقيق من نقل فتاوى سائر علماء المسلمين غير الشيعة في هذا الباب .
- (1) الكافي 1 : 545 ح14 ، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح5 .
(الصفحة 23)
فنقول : قال الشيخ في كتاب الخلاف المعدّ لبيان المسائل الخلافية بين علماء المسلمين ـ كما أنّ كتاب مختلف العلاّمة معدّ لبيان المسائل الخلافية بين خصوص علماء الشيعة ـ في المسألة الثامنة عشرة من كتاب الفيء: ما لا ينقل ولا يحوّل من الدور والعقارات والأرضين عندنا أنّ فيه الخمس فيكون لأهله، والباقي لجميع المسلمين من حضر القتال ومن لم يحضر، فيصرف ارتفاعه إلى مصالحهم ، وعند الشافعي أنّ حكمه حكم ما ينقل ويحوّل خمسه لأهل الخمس، والباقي للمقاتلة الغانمين(1) وبه قال ابن الزبير ، وذهب قوم إلى أنّ الإمام مخيّر فيه بين شيئين: بين أن يقسّمه على الغانمين، وبين أن يقفه على المسلمين، ذهب إليه عمر ومعاذ والثوري وعبدالله بن المبارك، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنّ الإمام مخيّر فيه بين ثلاثة أشياء: بين أن يقسّمه على الغانمين، وبين أن يقفه على المسلمين، وبين أن يقرّ أهلها عليها ويضرب عليهم الجزية باسم الخراج(2) . وذهب مالك إلى أنّ ذلك يصير وقفاً على المسلمين بنفس الاستغنام والأخذ من غير إيقاف للإمام، فلا يجوز بيعه ولا شراؤه(3) . دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم ، وروي أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) فتح هوازن ولم يقسّم أرضها بين الغانمين ، وروي أنّ عمر فتح قرى الشام، فقال له بلال: أقسمها بيننا ، فأبى عمر ذلك ، وقال : اللّهم اكفني شرّ بلال وذربه . وروي أنّ عمر استشار عليّاً(عليه السلام) في أرض السواد، فقال علي(عليه السلام) : دعها عدّة للمسلمين(4) .
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ مقتضى التحقيق يتوقّف على ملاحظة أمرين :
- (1) الاُمّ 4 : 181 .
- (2) بداية المجتهد 1 : 418 ـ 419 .
- (3) الأحكام السلطانية للماوردي 1 : 146 ـ 147 .
- (4) كتاب الخلاف 4 : 194 مسألة 18 .