(الصفحة 219)
المختلط; لأنّه رضي الله تعالى من الأشياء بالخمس ولا حاجة إلى دفع أزيد منه ، ومرجع ذلك إلى وقوع معاوضة قهريّة بين المالين على تقدير كون الحرام أزيد من مقدار الخمس بحسب الواقع ، فهذه المعاوضة إنّما هي لأجل الجهل بالمقدار ، فهذه المعاوضة القهريّة لازمة ، سواء قلنا بالتصدّق أو بالخمس المصطلح المعهود .
وأمّا إذا قلنا بلزوم أداء مقدار الخمس ومصرفه فيما يصرف فيه سائر الاُمور المتعلّقة للخمس فاللازم الالتزام بتبدّل المالك قهراً إلى بني هاشم مثلاً المستحقّين للخمس الاصطلاحي ، ففي الحقيقة يكون في البين مبادلتان بخلاف الالتزام بالتصدّق ، فإنّه لا يكون إلاّ مبادلة واحدة ومعاوضة فاردة ، وهي تبديل المال الحرام بالخمس مطلقاً مساوياً كان أو أزيد أو أقلّ . ومن المعلوم أنّ هذا يحتاج إلى تعبّد زائد ولا يكفي فيه مجرّد إيجاب الخمس ، مع أنّه من البعيد أن يكون المراد هو التصدّق عن نفسه بعد فرض كون الموضوع هو الحلال المختلط بالحرام وإرادة تخليص الحلال عن الحرام . واحتمال كون المراد هو التصدّق لنفسه لا عن المالك موهون جدّاً بعدما عرفت من فرض الموضوع ، ومن انسباق التصدّق عن المالك إلى الذهن من الأمر بالتصدّق هنا .
وعليه فخلاصة الكلام ترجع إلى لزوم عناية زائدة لو كان المراد هو الخمس المصطلح ، بخلاف ما لو كان المراد هو التصدّق عن المالك بالخمس كما عرفت ، ويؤيّد عدم ثبوت الخمس المصطلح في المقام أمران :
أحدهما : عدم إمكان تعلّق الخمس بالمال المختلط بمثل ما يتعلّق بسائر الاُمور المتعلّقة للخمس ، مثلاً إذا قلنا فيها بالشركة وأنّ المعدن المستخرج يشترك فيه المالك ومصرف الخمس في مورد بلوغ النصاب وتحقّق سائر الشرائط ، فهل يمكن الالتزام بذلك في المال المختلط ، وأنّ الاختلاط بمجرّده يوجب الشركة مع أرباب
(الصفحة 220)
الخمس ، أو أنّ إخراج الخمس إنّما هو لتخليص الحلال عن الحرام وصيرورة سائر المال حلالاً ، من دون أن يكون الاختلاط في نفسه موجباً لاستحقاق أرباب الخمس ؟
ثانيهما : ما تقدّم ممّا ورد من أنّه ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصّة ، مع ملاحظة عدم تحقّق الغنيمة بسبب الاختلاط كما عرفت .
ثمّ إنّه ذكر المحقّق الهمداني (قدس سره) القائل بالتخيير: أنّ هذا هو الأوجه في مقام الجمع إن لم يكن على خلاف الإجماع .
قال في هذا المجال ما ملخّصه(1) على ما لخّصه بعض الأعلام (قدس سره) : إنّ تعلّق الخمس بالمختلط ليس معناه أنّ خمس المال ملك فعليّ للسادة ، بحيث إنّ الخلط بمجرّد حصوله أوجب انتقال هذا الكسر من المال إليهم ابتداءً ، ويشتركون فيه مع المالك بنحو من الشركة ، كما هو الحال في سائر أقسام الخمس من الغنائم ، والمعادن ، والكنوز ونحوها ، فليس تعلّق الخمس في المختلط كتعلّقه في سائر الأقسام ، بل الخمس هنا مطهّر ويكون الباقي له بعد الخمس .
وعليه فله التصدّي للتطهير بنحو آخر; بأن يسلّم المال بأجمعه للفقير قاصداً به التصدّق بجميع ما للفقير في هذا المال واقعاً ، فينوي الصدقة في حصّة المالك الواقعي ردّاً للمظالم ، وبما أنّ الحصّتين مجهولتان حسب الفرض فيقتسمان بعد ذلك بالتراضي أو القرعة أو نحو ذلك ، وبهذه الكيفيّة يحصل التطهير وتبرأ الذمّة أيضاً .
وعلى هذا فليس الخمس واجباً تعيينياً ـ وكلمة العيني في كلامه (قدس سره) سهو من قلمه الشريف ، كما لا يخفى ـ بل التخلّص عن الضمان يتحقّق بكلّ من الأمرين
- (1) مصباح الفقيه 14 : 158 ـ 161 .
(الصفحة 221)
حسب ما عرفت ، فهو أيضاً مخيّر بينه وبين الصدقة .
وأمّا رواية السكوني فهي أيضاً غير ظاهرة في الوجوب التعييني ، إذ هي في مقام دفع توهّم الحظر من أجل تخيّل عدم جواز التصرّف في مال الغير حتّى بنحو التصدّق عن صاحبه ، فغاية ما هناك أنّها ظاهرة في الجواز ، وأنّه يجوز الاكتفاء بالتصدّق بمقدار الخمس من غير أن يتعيّن في ذلك ، بل يجوز التخلّص بالتصدّق بنحو آخر حسبما عرفت آنفاً ، والنتيجة هو التخيير بين الأمرين ، انتهى .
ثمّ إنّه قد أورد عليه الملخِّص بوجوه :
منها : أنّ ما ادّعاه في رواية السكوني من ورود الأمر فيها موقع توهّم الحظر فليس الأمر كذلك بحيث يمنع عن ظهور الأمر في الوجوب ، فإنّ التصدّق بمال الغير وإن كان حراماً ، لكن ليس كلّ محرّم يمنع عن ظهور الأمر المتعلّق به في الوجوب ، فإنّ السؤال هنا عن الوظيفة الفعلية في مقام تفريغ الذمّة بعدما كان يعلم السائل بعدم جواز التصرّف في مال الغير .
وهذا الإيراد في محلّه ، ضرورة أنّه لو فرض مثلاً أنّ حفظ نفسه يتوقّف على أكل مال الغير ، فإذا تعلّق به الأمر من قبل المولى فهل يمكن أن يقال بعدم ظهور هذا الأمر في الوجوب ، وأنّه في مقام توهّم الحظر فلا دلالة له على الوجوب ؟
ومنها : أنّ ما أفاده بالإضافة إلى موثّقة عمّار من جواز التصدّي للتفريغ والتطهير بغير التخميس أعني التصدّق فلا يمكن تصديقه بوجه ، ضرورة أنّ التصدّق بمال الغير والاجتزاء به في مقام التفريغ يحتاج إلى الدليل ، ولولا قيامه على ذلك في مجهول المالك لم يكن أيّ وجه للالتزام به ، إذ كيف يكون التصدّق ممّن لا وكالة عنه ولا ولاية عليه مفرّغاً؟ وإنّما التزمنا بذلك من أجل الروايات
(الصفحة 222)
الخاصّة الخ(1) .
وهذا الإيراد أيضاً في محلّه ، إذ حمل رواية عمّار على أنّ المراد التطهير بأيّة كيفيّة ولو بنحو التصدّق بمثل ما أفاده في غاية الإشكال; لظهور الرواية قويّاً في لزوم الخمس وإن قلنا باختلاف كيفيّة التعلّق ومغايرتها مع سائر الاُمور المتعلّقة للخمس .
وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في دلالة موثّقة عمّار على لزوم إخراج الخمس عن الحلال المختلط بالحرام ، وعليه فلا وجه للحمل على أنّ المراد إفادة التطهير والتصدّي للتفريغ ولو بغير التخميس بالكيفيّة التي ذكرها أو بمثلها ، فالإنصاف عدم تماميّة هذا البيان .
إلاّ أنّ الذي يوجب الإشكال في أساس المسألة أنّ المستفاد من الوسائل اشتمال موثّقة السكوني على قوله : «تصدّق بخمس مالك» سواء في رواية الكافي(2) أو الشيخ نقلاً عنه(3) أو الصدوق(4) أو البرقي في المحاسن(5) أو المفيد في المرسلة(6) ، مع أنّ المحكي عن الفقيه بسند معتبر قوله : «أخرج خمس مالك» بدل قوله «تصدّق بخمس مالك» كما أنّ فيه في التعليل: «فإنّ الله ـ عزّوجلّ ـ قد رضي من الإنسان بالخمس» بدل قوله: «فإنّ الله رضي من الأشياء بالخمس» إلاّ أن يقال: إنّ الكافي
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 130 ـ 131 .
- (2) الكافي 5 : 125 ح5 .
- (3) التهذيب 6 : 368 ح1065 .
- (4) الفقيه 3 : 117 ح499 .
- (5) المحاسن 2: 40 ح1130 .
- (6) المقنعة : 283 ، وفيه : يخرج منه الخمس .
(الصفحة 223)
أضبط من الفقيه ، لتمحّضه في نقل الرواية دونه .
ويؤيّده الكتب الاُخرى المشتملة على هذه اللفظة ، كما أنّه يؤيّده الأخبار الواردة في مجهول المالك(1) .
المقام الثالث : في سائر الفروع التي وقع التعرّض لها في هذا الأمر ، وهي كثيرة :
الأوّل : ما لو علم مقدار المال الحرام ، وفي المتن أنّه لو علم صاحبه أيضاً دفعه إليه ولا خمس ، والوجه فيه واضح; لمعلومية المقدار والمالك كما هو المفروض . ولو علمه في عدد محصور فاحتاط وجوباً بالتخلّص عن الجميع في صورة الإمكان ، والرجوع إلى القرعة في صورة عدم الإمكان ، ولكن صاحب العروة احتمل في المسألة وجوهاً أربعة :
وجوب التخلّص وإرضاء من يحتمل ملكيّته بأيّ نحو كان ولو بدفع المال لكلّ منهم مِثلاً أو قيمةً; لحصول العلم بالفراغ بعد العلم بالضمان; لفرض كونه حراماً .
والتصدّق من قبل المالك ، كما في مجهول المالك مطلقاً ; نظراً إلى أنّه أيضاً من مصاديقه .
واستخراج المالك بالقرعة ، كما هو الشأن فيها في موارد الحقوق الماليّة المشكلة .
وتوزيع مقدار الحرام عليهم بالسويّة ، كما في درهم الودعي المعروف فيه التنصيف(2) مع العلم بملكية كلّ واحد منهما للتمام أو للنصف .
وقد قوّى الأخير(3) ، والظاهر أنّ مستنده قاعدة العدل والإنصاف المتّخذة من
- (1) الوسائل 25 : 450 ـ 451 ، كتاب اللقطة ب7 ح 2و3 .
- (2) شرائع الإسلام 2 : 121 ، الدروس الشرعية 3: 333 ، الوسائل 18 : 451 ، كتاب الصلح ب11 .
- (3) العروة الوثقى 2 : 381 مسألة 30 .