(الصفحة 224)
قضيّة درهم الودعي ، وقد ذكرنا غير مرّة(1) أنّ هذه القاعدة لم يقم عليها دليل شرعيّ ولا عقلائيّ ، والقياس على درهم الودعي قياس مع الفارق; لعدم ثبوت الضمان في مورده بوجه; لعدم تحقّق التعدّي والتفريط أصلاً بعد عدم كون الأمين ضامناً ، بخلاف المقام الذي تحقّق فيه الضمان لأجل الاشتمال على الحرام ، ومقتضى القاعدة في مثله الاحتياط بحكم العقل ، والاشتمال على الضرر لا يمنع عن ذلك ; لأنّه ـ مضافاً إلى ما مرّ مراراً من عدم ارتباط قاعدة الضرر بالأحكام الشرعية ـ يمكن أن يقال كما قيل بأنّه على تقدير الارتباط بالحكم الشرعي فهو مخصوص بما إذا كان الضرر ناشئاً عن الحكم الشرعي . ومن المعلوم في المقام عدم كون لزوم الدفع إلى المالك مستلزماً للضرر ، بل هو ينشأ من حكم العقل بلزوم الاحتياط كما في سائر موارد العلم الإجمالي ، فاللازم في المقام الاحتياط .
نعم ، مع عدم إمكانه لا محيص عن الرجوع إلى القرعة; لأنّها لكلّ أمر مشكل(2)فيما يرتبط بحقوق الناس ، ولا إشكال في المقام بعد وجود حكم العقل بلزوم الاحتياط ، نظراً إلى أنّ المراد بالمشكل ما لا يكون الحكم فيه بيّناً لا واقعيّاً ولا ظاهريّاً .
فالإنصاف أنّ القاعدة تقتضي الرجوع إلى الاحتياط في صورة الإمكان . نعم ، في صورة عدم الإمكان لا مجال إلاّ للرجوع إلى القرعة كما لا يخفى ، والرجوع إلى أدلّة مجهول المالك ـ مضافاً إلى استبعاد الحكم نفسه; لاقتضائه جواز التصدّق إلى فقير مع تردّد المالك الموجود بين شخصين ، وعدم رضاية واحد منهما بالتصدّق ،
- (1) في ص176 وغيره .
- (2) راجع عوالي اللئالي 2: 112 ، وروضة المتّقين 6: 215 وقاعدة القرعة للشيخ الكريمي: 45 .
(الصفحة 225)
والمفروض عدم ثبوت الوكالة والولاية ، فهل رفع اليد عنهما والتصدّق إلى شخص ثالث لا يكون في أعلى درجة البُعد ـ يكون موردها تردّد المالك بين غير محصورين أو تعذّر الإيصال إلى شخصه كما سيأتي ، فلا مجال لإجراء تلك الأدلّة في المقام ، فلم يبق إلاّ ما هو مذكور في المتن ، فتدبّر جيّداً .
الثاني : ما أفاده في المتن بقوله : «ولو جهل صاحبه أو كان في عدد غير محصور تصدّق بإذن الحاكم على الأحوط على من شاء ما لم يظنّه بالخصوص ، وإلاّ فلا يترك الاحتياط بالتصدّق به عليه إن كان محلاًّ له . نعم ، لا يجدي ظنّه بالخصوص في المحصور» .
ويظهر من صاحب الحدائق ـ على ما حكي ـ أنّ في المسألة أقوالاً ثلاثة :
التصدّق مطلقاً ، سواء كان ما يعلمه من الحرام بمقدار الخمس ، أو أزيد ، أو أنقص ، واستظهر الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره)(1) أنّ وجوب التصدّق في هذا الفرض مورد لاتّفاق الأصحاب ، لكنّ الظاهر ثبوت الشهرة المحقّقة على ذلك .
والتخميس والتصدّق بالزائد إن كان المعلوم أزيد من الخمس ، ونسبه صاحب الحدائق إلى بعضهم .
والتخميس مطلقاً ، سواء كان المعلوم أقلّ أو أكثر أو بقدره ، وقد اختاره صاحب الحدائق نفسه ، مستنداً في ذلك إلى أنّ روايات التخميس مثل موثّقة عمّار ابن مروان المتقدّمة تشمل ما إذا كان المعلوم أزيد أو أقلّ من الخمس ، وأنّ ما ورد في باب التصدّق بمجهول المالك خاصّ بالمال المتميّز ، وأمّا المخلوط فلم يرد التصدّق به ولو في رواية واحدة ، فالظاهر شمول أخبار الخمس له ، وقياس المخلوط مع
- (1) كتاب الخمس (تراث الشيخ الأعظم): 251 ـ 252 .
(الصفحة 226)
المتميّز قياس مع الفارق ، فإنّ المال المتميّز المعلوم مالكه معيّن ، غير أنّه مجهول لا يمكن الإيصال إليه ، فيتصدّق به عنه فإنّه نحو إيصال إليه ، وأمّا المخلوط فليس مالكه متميّزاً ، بل المال مشترك بينهما .
ومن المعلوم أنّ تقسيم المشترك وإفراز حصّة الغير يحتاج إلى إذن من المالك أو وليّه ، فالتقسيم على نحو تتشخّص حصّة الغير فيما اُفرز ثمّ التصدّق به من غير إذن ولا ولاية على التقسيم يحتاج إلى دليل ، ولم يقم عليه أيّ دليل في المقام ، فاللاّزم الرجوع إلى أخبار الخمس(1) .
وقد أورد عليه بعض الأعلام (قدس سره) بما يرجع ملخّصه إلى أنّ دعوى اختصاص نصوص التصدّق بمجهول المالك بالمال المتعيّن المتميّز وعدم شمولها للمختلط لم يكن له أيّ أثر في المقام ، فلا يفرق الحال فيه بين صورتي التعيّن والاختلاط ، وإن كان ما ذكره من الاختصاص صحيحاً في أكثر هذه الأخبار فإنّ أغلبها وردت في الدين أو الأمانة التي تبقى عنده ويذهب المالك ولا يرجع ، أو كان أجيراً قد مضى ولا يعرفه(2) ، أو وجد متاع شخص عنده قد ذهب إلى بلده ولا يعرفه (3) . نعم ، هنا رواية واحدة لا يبعد شمولها للمتميّز وغيره; وهي رواية علي بن أبي حمزة الواردة فيمن أصاب مالاً كثيراً من بني اُميّة قد أغمض في مطالبه ، حيث إنّها تأمر بالخروج عن جميع ما كسب في ديوانهم بالردّ إلى من عرف والتصدّق عمّن لم يعرف(4) .
- (1) الحدائق الناضرة 12 : 364 ـ 365 .
- (2) الوسائل 26 : 296 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ميراث الخنثى وما أشبهه ب6 .
- (3) الوسائل 25 : 450 ، كتاب اللقطة ب7 ح2 .
- (4) الكافي 5 : 106 ح4 ، الوسائل 17 : 199 ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ب47 ح1 .
(الصفحة 227)
ومن البعيد جدّاً أن يكون هذا الشخص عارفاً بأشخاص الأموال التي تكون لغيره ، بل بطبيعة الحال يكون أكثرها نقوداً مختلطة في أمواله ، ولو بين من يعرف مالكه ومن لا يعرف; لحكم الإمام(عليه السلام) بالتفصيل المذكور ، لكنّها ضعيفة السند بإبراهيم بن إسحاق ، فلا عبرة يعتمد عليها .
والعمدة أنّ هذا الاختصاص أو التعميم لا أثر له في محلّ الكلام; لأنّا إذا بنينا على شمول أدلّة التخميس لهذه الصورة ، فلا يفرق في ذلك بين كون أدلّة مجهول المالك مطلقة أم لا ، أمّا على الثاني فواضح ، وأمّا على الأوّل ، فلأنّ غايته تقييد إطلاق تلك الأدلّة بمثل الموثّقتين الدالّتين على التخميس أو التصدّق به كما مرّ ، وإذا بنينا على عدم الشمول فلا دليل على التخميس حتّى على فرض الاختصاص ، فالعبرة في وجوب التخميس بشمول أدلّته للمقام وعدمه ، لا بالإطلاق أو الاختصاص أو التعميم في أدلّة الصدقة(1) .
ويمكن الإيراد عليه بأنّه لو قلنا بالتعميم في أدلّة مجهول المالك والشمول للمتميّز والمختلط فلا شبهة في اختصاصها بما إذا كان مقدار الحرام معلوماً ولو في صورة الاختلاط ، والمفروض أنّ القدر المتيقّن من موثّقة عمّار(2) صورة الجهل بمقدار الحرام المختلط ، وعليه فتصير النسبة عموماً من وجه ومادّة الاجتماع المختلط مع معلومية مقدار الحرام ، كما أنّ مادّة افتراق الموثّقة صورة الجهل بالمقدار ، ومادّة افتراق تلك الأدلّة صورة التعيّن والتميّز . ودعوى تقيّدها بالموثّقة خالية عن الشاهد ، فما ذكره من عدم ابتناء البحث على التعميم أو التخصيص في تلك الأدلّة في
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 135 ـ 136 .
- (2) تقدّمت في ص209 ـ 210 .
(الصفحة 228)
غير محلّه ، فافهم واغتنم .
ثمّ قال ما ملخّصه : إنّ الأقوى عدم الشمول; إذ لا يكاد يحتمل وجوب التخميس على من يعلم بوجود دينارين محرّمين في ضمن عشرة آلاف من دنانيره المحلّلة ، كما لا يكاد يحتمل الاكتفاء بالتخميس لمن يعلم بوجود دينار مثلاً محلّل في ضمن عشرة آلاف من الدنانير المحرّمة ، بحيث يحلّ له الباقي بعد أداء الخمس ، ولا سيّما إذا كان متعمّداً في الخلط للتوصّل إلى هذه الغاية ، فإنّ هذا لعلّه مقطوع البطلان(1) .
أقول : وهذا هو الذي ذكرناه في ذيل رواية عمّار المتقدّمة(2) من أنّ تناسب الحكم والموضوع يقضي بصورة الاختصاص بالجهل بالمقدار ، وأنّ الحرام المختلط بالحلال هل هو بمقدار الخمس أو أزيد أو أقلّ ، والسؤال في موثّقة السكوني(3) وإن كان بحسب بادئ النظر مطلقاً ولم يقع في الجواب الاستفصال ، إلاّ أنّ المتفاهم العرفي صورة الجهل بالمقدار وأنّ الحرام بمقدار الخمس أو لا؟
ومرجع الجواب فيها إلى أنّه لو كان الحرام أزيد من الخمس واقعاً فقد رضي الله تعالى بالخمس .
ثمّ إنّه أفاد في هذا المجال ما ملخّصه يرجع إلى لزوم التصدّق بهذا المال ، سواء قلنا باختصاص أدلّة مجهول المالك بالمتميّز والمتعيّن ، أم قلنا بالتعميم ، أمّا على الثاني فواضح ; لأنّه بعد عدم شمول أخبار الخمس للمقام لابدّ من الرجوع إلى أخبار مجهول المالك ، وأمّا على الأوّل فلإلغاء الخصوصية من تلك الأدلّة; لأنّه بعد عدم
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 137 .
- (2) في ص210 .
- (3) تقدّمت في ص214 .