(الصفحة 316)
نعم ، في الأراضي الشخصيّة التي تكون ملكاً لشخص أعمّ من أن يكون واحداً أو عنواناً كذلك كالموقوف عليه العام إذا صارت أجمة بذاتها; أو بعمل تكون الملكية باقية على المالك الأوّل ، ولا تصير من الأنفال بصرف كونها أجمة مثلاً في شيء من الصورتين ، والوجه فيه واضح .
ولكنّه ناقش فيه جماعة(1) واحتمل التعميم ، وفي المقابل ناقش في التعميم جماعة كابن إدريس(2) وصاحب المدارك(3); لانصراف النصّ عن ذلك .
وذكر بعض الأعلام (قدس سره) أنّ محلّ الكلام فعلاً ما لو كانت الملكيّة مستندة إلى شراء ونحوه ، وأمّا المستندة إلى الإحياء ففيه كلام لا يخصّ بطون الأودية ، وهو أنّه لو ملك شخص بالإحياء ثمّ خربت فهل ترجع إلى الإمام(عليه السلام) ، أو تبقى في ملك المحيي؟ فيه بحث مذكور في كتاب الإحياء ، ولعلّ الأظهر هو الرجوع إلى الإمام(عليه السلام) .
وكيفما كان ، فهو خارج عن محلّ الكلام ، والبحث فعلاً متمحّض فيما لو ملك بغير الإحياء . والظاهر أنّه لا يرجع إلى الإمام(عليه السلام) ، وإن احتمل بعضهم أنّ عنوان بطن الوادي عنوان مستقلّ فيشمل بمقتضى إطلاقه ما كان منقلباً عن الملك الشخصي بزلزلة ونحوها ، ولكنّه لا يتمّ .
وذكر في وجهه ما ملخّصه: أنّ مورد هاتين الروايتين هي الأموال التي تنتقل من الكفّار إلى المسلمين ، كما يشهد به صدرهما من فرض المصالحة ، فذكر البطون في هذا السياق يكشف عن كون النظر مقصوراً على ما يتسلّمه المسلمون من الكفّار ، فلا تشمل الأرض التي هي ملك شخصي لمسلم ثمّ صارت بطن الوادي بزلزلة
- (1) المعتبر 2 : 633 ، البيان : 221 ـ 222 ، الحدائق الناضرة 12 : 475 ، جواهر الكلام 16 : 121ـ122 .
- (2) السرائر 1 : 497 .
- (3) مدارك الأحكام 5 : 416 .
(الصفحة 317)ومنها : ما كان للملوك من قطائع وصفايا1 .
ومنها : صفو الغنيمة كفرس جواد ، وثوب مرتفع ، وسيف قاطع ، ودرع فاخر ، ونحو ذلك2 .
ومنها : الغنائم التي ليست بإذن الإمام (عليه السلام)3 .
ونحوها ، فليست هي في مقام بيان أنّ كلّ شيء صدق عليه بطن الوادي فهو من الأنفال ، فالمقتضي قاصر ، وإن أبيت فلا ينبغي الارتياب في الانصراف عن المقام(1) .
قلت : ويؤيّده أنّه من المستبعد في نفسه رجوع ملك شخصي لمسلم إلى الإمام(عليه السلام) بزلزلة ونحوها ، كما لا يخفى .
1 ـ ولا إشكال في كونها من الأنفال ، وتدلّ عليه عدّة من الأخبار ، كصحيحة داود بن فرقد قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : قطائع الملوك كلّها للإمام ، وليس للناس فيها شيء(2) ، ومثلها موثّقة سماعة وغيرها(3) .
2 ـ ولا إشكال في كون صفو الغنيمة كالأمثلة المذكورة في المتن للإمام(عليه السلام) وإن كان الحرب بإذنه .
3 ـ قد تقدّم في بحث الغنيمة(4) التي هي أحد الاُمور المتعلّقة للخمس أنّ المراد
- (1) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 362 ـ363 .
- (2) التهذيب 4 : 134 ح377 ، الوسائل 9: 526 ، أبواب الأنفال ب1 ح6 .
- (3) الوسائل 9 : 526 ، أبواب الأنفال ب1 ح8 وص531 ـ 532 ح20 و21 .
- (4) في ص27 ، الجهة الثالثة .
(الصفحة 318)ومنها : إرث من لا وارث له1 .
ومنها : المعادن التي لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض أو بالإحياء2 .
بها ما إذا كان الحرب واقعاً بإذن الإمام(عليه السلام) وبلغ المسلمون إلى غنائم ، وأمّا إذا لم يكن الحرب كذلك،أيواقعاً بغيرإذن الإمام(عليه السلام) فالغنيمة كلّهامن الأنفال وللإمام(عليه السلام).
وقد تقدّم في صحيحة معاوية بن وهب(1) قوله(عليه السلام) : إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الإمام(عليه السلام) عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ .
1 ـ هذا أيضاً ممّا لا إشكال فيه ، وتدلّ عليه عدّة من الروايات أورد عمدتها في الوسائل في كتاب الميراث(2) . وقد ذكر رواية واحدة منها في هذا الباب ، وهي موثّقة أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يموت ولا وارث له ولا مولى ، قال : هو من أهل هذه الآية :
{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاَْنفَالِ}(3) . نعم ، قد وقع البحث في كتاب الإرث في اشتراك الإمام مع الوارث إذا كان زوجة منحصرة وعدم الاشتراك ، والتحقيق هناك .
2 ـ في المعادن ثلاثة أقوال :
الأوّل : أنّها من الأنفال مطلقاً ، سواء كان في الملك الشخصي بالمعنى الأعمّ من الموقوفة لعنوان عامّ ، أو في الملك العام كالمفتوحة عنوة ، غاية الأمر أنّهم (عليهم السلام)أباحوها لكلّ من أخرجها ، فيجب عليه التخميس من دون فرق بين ما إذا كان
- (1) في ص300 .
- (2) الوسائل 26 : 246 ، كتاب الفرائض والمواريث ، أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة ب3 .
- (3) التهذيب 4 : 134 ح374 ، الوسائل 9 : 528 ، أبواب الأنفال ب1 ح14 .
(الصفحة 319)
المستخرج شيعيّاً أو غيره ، كما سيأتي .
الثاني : مقابل القول الأوّل; وهو أنّها لا تكون من الأنفال مطلقاً ، غاية الأمر أنّه يستفاد من لزوم التخميس بإلزام الله تعالى ملكيّة أربعة أخماس المعادن للمستخرج وثبوت الخمس لأربابه ، ولا يرتبط ذلك بالأنفال وصدور الإذن من الإمام(عليه السلام) .
الثالث : ما يشير إليه المتن من أنّ المعدن المعدود من الأنفال ما لم يكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض المملوكة له شخصاً أو بالإحياء ، ولكن لا يترتّب على هذا الخلاف ثمرة عملية ; لأنّه لا إشكال في تملّك المستخرج الأربعة أخماس ولزوم أداء الخمس ، من غير فرق بين كونه من الأنفال وعدم كونه منها . نعم ، يمكن فرض ترتّب ثمرة عملية بالإضافة إلى مثل زماننا الذي يتداول فيه المعاملة على المعادن قبل الاستخراج ; لأنّه على تقدير كونها من الأنفال لا تجوز المعاملة عليها كذلك ، بخلاف ما إذا كانت ملكاً لشخص تبعاً للأرض .
وكيف كان ، فيدلّ على هذا القول صحيحة إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الأنفال؟ فقال : هي القرى التي قد خربت ـ إلى قوله: ـ وكلّ أرض لا ربّ لها ، والمعادن منها(1) . أو «فيها» على اختلاف النسخ ، فإنّ ظاهرها أنّ المعادن تكون بنفسها من الأنفال إذا كانت في الأراضي المذكورة قبلها لا مطلقاً .
وما دلّ من الروايات المتقدّمة على ثبوت الخمس في المعدن غايته الدلالة على ملكية المستخرج لما بقي من الخمس ، وأمّا ثبوت الإطلاق فيه وأنّ كلّ معدن كذلك فلا .
- (1) تفسير القمي 1 : 254 ، الوسائل 9 : 531 ، أبواب الأنفال ب1 ح20 ، وقد تقدّمت مراراً .
(الصفحة 320) مسألة : الظاهر إباحة جميع الأنفال للشيعة في زمن الغيبة على وجه يجري عليها حكم الملك ، من غير فرق بين الغنيّ منهم والفقير إلاّ في إرث من لا وارث له ، فإنّ الأحوط لو لم يكن الأقوى اعتبار الفقر فيه ، بل الأحوط تقسيمه على
وأمّا هذه الصحيحة ، فإن كانت النسخة «فيها» فدلالتها على أنّ المعادن من الأنفال فيما إذا كانت في الأراضي المذكورة قبلها التي هي من الأنفال ظاهرة ، وأمّا على تقدير كون النسخة «منها» فالظاهر أنّ الأمر كذلك وإن لم يكن بذلك الوضوح ; لأنّ الظاهر رجوع ضمير التأنيث إلى الأراضي المعدودة من الأنفال ، وإلاّ فعلى تقدير كون الضمير راجعاً إلى الأنفال لا يحتاج إلى ذكر الضمير ، بل كان معطوفاً على الأرض ، ومرجعه حينئذ إلى أنّ كلّ معدن من الأنفال ، وهذا مع استبعاده في نفسه يكون مخالفاً لظاهر العبارة ، وعليه فالظاهر بمقتضى الصحيحة الاختصاص بالمعادن من أراضي الأنفال .
ثمّ إنّ التبعيّة إنّما تكون بمقدار يقول به العقلاء ، ضرورة أنّ العمق فوق العادة كما في معادن النفط التي يكون المحكي بلوغها إلى ألفي متر ، وكذا السطح فوق العادة كما في الفضاء الذي يطير فيه الطائرات لا تكون التبعية فيهما بمتحقّقة . نعم ، قد ورد في خصوص الكعبة بلحاظ اختلاف المستقبلين إليها من جهة السطح: أنّها عبارة من تخوم الأرض إلى عنان السماء (1) ، وأمّا في سائر الموارد فلم يقم دليل على ذلك ، بل قام الدليل على العدم ، كطيران الطيّارة في الفضاء من دون افتقار إلى الإذن من أصحاب البيوت ونحوها .
وهذا القول الأخير هو الذي أشار إليه في المتن ، فتدبّر .
- (1) وسائل الشيعة 4: 339 ، كتاب الصلاة ، أبواب القبلة ب18 .