(الصفحة 36)
واُورد عليها بالإرسال أوّلاً، وبكونها أخصّ من المدّعى ثانياً ; لدلالتها على حكم المماليك فقط دون سائر الأموال ، إلاّ أن يدّعى القطع بعدم الفرق. وبمعارضتها مع الصحيحة الاُولى ـ خصوصاً مع موافقتها للشهرة الفتوائية التي هي أوّل المرجّحات في الخبرين المتعارضين ـ ثالثاً .
ومنها : صحيحة الحلبي، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته عن رجل لقيه العدوّ وأصاب منه مالاً أو متاعاً ، ثمّ إنّ المسلمين أصابوا ذلك كيف يصنع بمتاع الرجل؟ فقال : إذا كانوا أصابوه قبل أن يحوزوا متاع الرجل ردّ عليه ، وإن كانوا أصابوه بعدما حازوه فهو فيء المسلمين فهو أحقّ بالشفعة(1) .
وفي معناها احتمالان :
أحدهما : أن يكون المراد بالحيازة هو الجهاد والمقاتلة، والضمير في قوله : «أصابوه» راجع إلى الرجل ، والمراد أنّه إذا أصابوا الرجل قبل المقاتلة فاللازم ردّ المال إليه، وإن أصابوه بعد الجهاد فهو فيء للمسلمين .
ويرد على هذا الاحتمال أنّ جعل الحيازة بمعنى المقاتلة ممّا لم يعهد، ولعلّه غير صحيح أصلاً ، مع أنّ متاع الرجل لا يمكن أن يكون مفعولاً للحيازة بهذا المعنى في قوله : «قبل أن يحوزوا متاع الرجل» كما لا يخفى .
وثانيهما : ما عن الجواهر من أنّ الحيازة بمعنى المقاسمة(2)، وأنّ الضمير في قوله : «إذا كانوا أصابوه» راجع إلى الرجل صاحب المال والمتاع ، والمراد حينئذ أنّه إذا أصاب المسلمون صاحب المال قبل التقسيم ردّ إليه، وإن أصابوه بعد
- (1) الكافي 5 : 42 ح2 ، التهذيب 6 : 160 ح289 ، الوسائل 15 : 98 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح2 .
- (2) جواهر الكلام 21 : 224 .
(الصفحة 37)
القسمة فهو فيء للمسلمين .
والظاهر أيضاً أنّ هذا التفسير بعيد خلاف الظاهر; لأنّ جعل الحيازة بمعنى المقاسمة ممّا لا وجه له .
قال بعض الأعلام (قدس سره) ما ملخّصه : ولا يبعد أن يكون الأقرب من هذين الاحتمالين تفسير الحيازة بالاستيلاء على المال واغتنامه مع عود الضمير إلى الرجل ، فمعناه حينئذ إن عرف صاحب المال قبل أن يغتنم فهو له، وإلاّ فللمسلمين ، ويؤيّده ما هو المشهور بل المتسالم عليه بينهم من أنّ مجهول المالك لو عرف صاحبه بعد الصرف فيما قرّره الشارع من الصدقة ونحوها لم يستحقّ شيئاً، بخلاف اللقطة التي لو تصدّق بها ضمن على تقدير العثور على صاحبها وعدم رضائه بها، فيكون المال في المقام من قبيل مجهول المالك الذي عثر على صاحبه بعد التصدّق .
وقد اعترف في الذيل بأنّ هذا الاحتمال وإن كان أقرب، إلاّ أنّه بعد غير واضح، فلا تخلو الرواية مع كونها صحيحة من حيث السند من أنّها مضطربة من حيث الدلالة(1) .
ويرد عليه أنّ تفسير الحيازة بالاستيلاء والاغتنام وإن لم يكن خلاف الظاهر، إلاّ أنّ عود الضمير في قوله : «أصابوه» إلى الرجل خلاف الظاهر جدّاً، مع ذكر الإصابة في السؤال وتكرارها مرّتين وعدم تعلّقها إلاّ بالمال والمتاع ، ومن البعيد جدّاً أن تكون الإصابة الواقعة في الجواب مرّتين أيضاً يراد به غير الإصابة الواقعة في السؤال ، على أنّ عود الضمير إلى الرجل مع ذكره بصورة الاسم الظاهر في قوله : «قبل أن يحوزوا متاع الرجل». والمناسب له(عليه السلام) على هذا التقدير أن يقول : قبل أن
- (1) مستند العروة الوثقى، كتاب الخمس : 32 .
(الصفحة 38)
يحوزوا متاعه غير تامّ .
مع أنّه يمكن أن يقال : إنّ الرواية وإن كانت مضطربة من حيث الدلالة، إلاّ أنّه لا مجال للمناقشة في دلالتها على عدم لزوم الردّ إلى الصاحب مطلقاً ، بل يكون فيئاً في بعض الصور وإن كان ذلك البعض غير معلوم المراد، فتدبّر جيّداً .
ثمّ إنّ قوله(عليه السلام) في الذيل متفرّعاً على كونه فيئاً: «فهو أحقّ بالشفعة» يدلّ على لزوم أداء صاحب المال الثمن إذا أراده، لا على لزوم الأداء من بيت المال الذي كان هو مدّعى الشيخ والقاضي، فلا تنطبق الرواية على المنسوب إليهما .
ونظيرها في عدم الانطباق مرسلة جميل، عن رجل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل كان له عبد فاُدخل دار الشرك ثمّ اُخذ سبياً إلى دار الإسلام ، قال : إن وقع عليه قبل القسمة فهو له، وإن جرى عليه القسم فهو أحقّ به بالثمن(1) .
وقد تحصّل من المجموع أنّ اللاّزم مراعاة ما هو المشهور الذي هو مقتضى القاعدة كما عرفت، ويدلّ عليه صحيحة هشام بظهور .
ويؤيّد المشهور رواية طربال، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سُئل عن رجل كانت له جارية فأغار عليه المشركون فأخذوها منه، ثمّ إنّ المسلمين بعد غزوهم فأخذوها فيما غنموا منهم ، فقال : إن كانت في الغنائم وأقام البيّنة أنّ المشركين أغاروا عليهم فأخذوها منه ردّت عليه، وإن كانت قد اشتريت وخرجت من المغنم فأصابها ردّت عليه برمّتها، واُعطي الذي اشتراها الثمن من المغنم من جميعه . قيل له : فإن لم يصبها حتّى تفرّق الناس وقسّموا جميع الغنائم فأصابها بعد؟ قال : يأخذها من الذي هي في يده إذا أقام البيّنة، ويرجع الذي هي في يده إذا أقام البيّنة على أمير
- (1) التهذيب6: 160 ح290، الاستبصار3: 5 ح9، الوسائل15: 98، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح4.
(الصفحة 39)
الجيش بالثمن(1) .
الجهة العاشرة : في جواز أخذ مال الناصب وتعلّق الخمس به، والكلام فيه يقع في مقامين :
المقام الأوّل : في لحوق الناصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم، بل استظهر جواز أخذ ماله أين ما وجد وبأيّ نحو كان، والدليل عليه روايات :
منها : صحيحة حفص بن البختري، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : خُذ مال الناصب حيثما وجدته وادفع إلينا الخمس(2) .
ومثلها صحيحة معلّى بن خنيس(3)، والظاهر أنّ الأمر بالأخذ لا دلالة له على الوجوب واللزوم; لوروده في مقام توهّم الحظر، كما لا يخفى .
ومنها : المرسلة عن إسحاق بن عمّار قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : مال الناصب وكلّ شيء يملكه حلال إلاّ امرأته، فإنّ نكاح أهل الشرك جائز، وذلك أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال : لا تسبّوا أهل الشرك، فإنّ لكلّ قوم نكاحاً، ولولا أنّا نخاف عليكم أن يقتل رجل منكم برجل منهم ـ ورجل منكم خير من ألف رجل منهم ـ لأمرناكم بالقتل لهم، ولكن ذلك إلى الإمام(4) .
وبملاحظة هذه الروايات لا يبقى مجال للإشكال في حلّية أخذ مال الناصب ولو في غير الحرب ، غاية الأمر لزوم دفع الخمس . وأمّا غير الناصب من الخوارج والبغاة والغالين فلا دليل على الحليّة فيهم وإن كانوا مشتركين مع النواصب في
- (1) التهذيب 6 : 160 ح291 ، الاستبصار 3 : 6 ح11 ، الوسائل 15 : 99 ، أبواب جهاد العدوّ ب35 ح5 .
- (2) التهذيب 4 : 122 ح350 ، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح6 .
- (3) التهذيب 6 : 387 ح1153 ، الوسائل 9 : 488 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح7 .
- (4) التهذيب 6 : 387 ح1154 ، الوسائل 15 : 80 ، أبواب جهاد العدوّ ب26 ح2 .
(الصفحة 40)
انتحال الإسلام، وعدم ثبوته فيهم لعدم ورود الدليل إلاّ في النواصب ، وسيرة الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في الحرب مع الخوارج ومع أصحاب الجمل غير معلومة إمّا أصلاً وإمّا علّة وجهة، ولأجله لا مجال للاستدلال بها أصلاً ، وهذا بخلاف النواصب الذين ورد فيهم الروايات المتقدّمة .
المقام الثاني : في أنّ تعلّق الخمس بمال الناصب المأخوذ منه بأيّ نحو كان هل هو بمجرّده ، أو فيما إذا كان زائداً على مؤونة السنة، كأرباح المكاسب التي يجيء البحث فيها فيما بعد إن شاء الله تعالى؟ ظاهر إطلاق الصحيحتين الأوّل، ولا يبعد أن يقال بأنّه ظاهر المتن أيضاً ، ولكنّ السيّد في العروة احتاط بإخراج الخمس مطلقاً(1) .
هذا ، وليس في مقابل إطلاق الروايتين هنا إلاّ قوله(عليه السلام): «الخمس بعد المؤونة» حيث إنّ ظاهره أنّ طبيعة الخمس لازمة بعد المؤونة، مع أنّ الظاهر ـ خصوصاً بملاحظة كلمة «المؤونة» التي لا ترتبط نوعاً إلاّ بأرباح المكاسب، ضرورة أنّ كثيراً من الاُمور المتعلّقة للخمس خارجة عن هذه الجهة، كأصل الغنيمة والكنز والمعدن والحلال المختلط بالحرام ـ خروج المقام وهو أخذ مال الناصب منه كخروج مال الكافر الحربي، ولو اُخذ بنحو السرقة والغيلة أو الربا أو الدعوى الباطلة على ما تقدّم وإن جعل الأقوى في الأخيرين الخلاف ، وقد مرّ الكلام فيهما .
وكيفما كان، فالظاهر أنّ مقتضى الإطلاق في المقام هو الثبوت بمجرّد الأخذ وعدم الاحتياج إلى مراعاة مؤونة السنة، والسرّ فيه ظهورالاختصاص في قوله(عليه السلام): «الخمس بعد المؤونة» بمثل أرباح المكاسب والتجارات والصناعات ممّا يستعمل
- (1) العروة الوثقى 2 : 368 مسألة 2 .