(الصفحة 41)
غالباً في مؤونة السنة، وقد تتحقّق الزيادة عنها وقد لا تتحقّق ، وأمّا مثل المقام فهو خارج عن ذلك .
ثمّ إنّه لو تنزّلنا عن ذلك وشككنا في أنّ اللاّزم دفع خمسه مطلقاً أو فيما إذا كان زائداً على مؤونة السنة فهل القاعدة تقتضي الأوّل أو الثاني ؟
ربما يقال في بادئ النظر بأنّ مقتضى القاعدة هو الثاني; لأنّ مرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في لزوم أداء الخمس من غير ما زاد على مؤونة السنة، وهو مجرى أصالة البراءة، كما هو الشأن في جميع موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين، ولكنّ التحقيق يقتضي خلافه; لأنّ إيجاب الخمس في خصوص ما زاد على مؤونة السنة حتّى في أرباح المكاسب التي هي القدر المتيقّن من مورد الخمس بعد المؤونة يرجع إلى ترخيص الإمام(عليه السلام) وتسهيله لتأخيره وعدم أدائه من جميع ما تعلّق به وإذنه في الأداء من خصوص ما زاد على مؤونة السنة، وإلاّ فلو أراد أن يؤدّي الخمس من الربح بمجرّد حصوله قبل أن يخرج منه مؤونة السنة كما هو المتداول بين بعض المتديّنين لا مانع منه أصلاً، بل يتحقّق كمال المطلوب ، كما أنّه لو مات فرضاً بعد الربح قبل مجيء السنة يجب على وارثه الخمس، وهذا دليل على ثبوت الخمس بمجرّد تحقّق الربح . غاية الأمر أنّه اُجيز صرفه في مؤونة السنة المطابقة للشأن .
وعليه فالشكّ في مثل المقام يرجع إلى الشكّ في ثبوت الإجازة في غير موارد قيام الدليل على التأخير والتصرّف في مقدار الخمس وعدمه، وهو مجرى أصالة العدم; لأنّ الأصل عدم الإجازة، فلا مجرى لأصالة البراءة في مثله، كما لا يخفى .
فانقدح أنّ الأقوى تعلّق الخمس بجميع المال المأخوذ من الناصب كأصل الكافر الحربي،كما لعلّه الظاهر من عبارة المتن وإن لم يقع التصريح بذلك، كماعرفت.
(الصفحة 42)
الثاني : المعدن
والمرجع فيه العرف، ومنه الذهب والفضّة، والرصاص والحديد، والصفر والزئبق، وأنواع الأحجار الكريمة، والقير، والنفط، والكبريت، والسبخ، والكحل، والزرنيخ، والملح، والفحم الحجري، بل والجصّ، والمغرة ـ أي الطين الأحمر ـ وطين الغسل والأرمني على الأحوط. وما شكّ أنّه منه لا يجب فيه الخمس من هذه الجهة، ويعتبر فيه ـ بعد إخراج مؤونة الإخراج والتصفية ـ بلوغه عشرين ديناراً أو مائتي درهم عيناً أو قيمة على الأحوط. ولو اختلفا في القيمة يلاحظ أقلّهما على الأحوط، وتلاحظ القيمة حال الإخراج، والأحوط الأولى إخراجه من المعدن البالغ ديناراً بل مطلقاً ، بل لاينبغي تركه، ولا يعتبر الإخراج دفعة على الأقوى، فلو اُخرج دفعات وبلغ المجموع النصاب وجب خمس المجموع، حتّى فيما لو أخرج أقلّ منه وأعرض ثمّ عاد وأكمله على الأحوط لو لم يكن الأقوى، ولو اشترك جماعة في استخراجه فالأقوى اعتبار بلوغ نصيب كلّ واحد منهم النصاب، وإن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ المجموع ذلك، ولو اشتمل معدن واحد على جنسين أو أزيد كفى بلوغ قيمة المجموع نصاباً على الأقوى، ولو كانت معادن متعدّدة لا يضمّ بعضها إلى بعض على الأقوى وإن كانت من جنس واحد . نعم ، لو عدّت معدناً واحداً تخلّل بين أبعاضها الأجزاء الأرضية يضمّ بعض إلى بعض1 .
1 ـ في هذا الأمر الثاني المتعلّق للخمس جهات من الكلام أيضاً :
الجهة الاُولى : الظاهر أنّه لا خلاف بين علمائنا الإماميّة(1) رضوان الله عليهم في
- (1) الخلاف 2 : 116 مسألة 138 ، السرائر 1 : 488 ، تذكرة الفقهاء 5 : 409 ، مدارك الأحكام 5 : 362 .
(الصفحة 43)
تعلّق الخمس المقابل للزكاة بالمعدن في الجملة، وإن وقع الاختلاف بينهم في بعض أنواعه من جهة الشكّ في كونه معدناً، وعدم نهوض دليل خاصّ على تعلّق الخمس به . وعن أبي حنيفة(1) تخصيص وجوب الخمس بخصوص الذهب والفضّة، لكن لا من باب الخمس المجعول في الآية الشريفة للأصناف المذكورة فيها، بل من باب الزكاة والصدقة المطهّرة للمال .
الجهة الثانية : في معنى المعدِن ، والظاهر أنّه بحسب اللغة اسم مكان كـ «مجلس»(2) ومادّته بمعنى الإقامة والركاز والثبات ، يقال : عدنت الإبل أي لم يبرح من الأرض التي هو فيه ، وقوله تعالى :
{جَنَّاتِ عَدْن}(3) من هذا القبيل ، وصرّح المحقّق الهمداني (قدس سره) باختلاف معنى المعدن في كلمات اللغويّين وكلمات الأصحاب، وأنّه في الاُولى بمعنى المحلّ، وفي الثانية بمعنى الحالّ وما يستخرج منه(4) ، مع أنّه من الواضح أنّ تعلّق الخمس بما يستخرج منه لا يوجب كون المعدن عندهم بمعنى الحالّ، ضرورة أنّه لا يقال للذهب مثلاً: إنّه معدن، وكذا النفط وأمثالهما ، والتعبير بأنّ من الاُمور المتعلّقة للخمس المعدن لا يستلزم ما أفاده، كما لا يخفى .
ثمّ لا يخفى أنّ كلمة «الركاز» الواردة في جملة من أخبار الخمس يراد به المعدن ولا يشمل حتّى مثل الكنز الذي اُخفي في الأرض . وبالجملة : فالروايات الواردة في المعادن على أنواع : فنوع منها يدلّ على ثبوت الخمس فيها بعنوان المعدن، مثل:
- (1) كذا في النسخة، ولكن الظاهر أنّ هذا القول للشافعي، راجع الشرح الكبير لابن قدامة 2 : 580 والخلاف 2: 116 ـ 117 مسألة 138 وغيرهما .
- (2) لسان العرب 4: 278، تاج العروس 18: 371.
- (3) سورة التوبة 9: 72 وغيرها.
- (4) مصباح الفقيه 14: 17 ـ 18.
(الصفحة 44)
صحيحة الحلبي في حديث قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الكنز كم فيه؟ قال : الخمس، وعن المعادن كم فيها؟ قال : الخمس ، وعن الرصاص والصفر والحديد وما كان بالمعادن (من المعادن خ ل) كم فيها؟ قال : يؤخذ منها كما يؤخذ من معادن الذهب والفضّة(1) .
وصحيحة زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : كلّ ما كان ركازاً ففيه الخمس ، وقال : ما عالجته بمالك ففيه ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفّى الخمس(2) . ولعلّ العدول في الجواب عن عنوان المعدن بالركاز باعتبار عدم تعلّق الخمس إلاّ بما يكون مستخرجاً من المركز الأصلي لا بمطلق الذهب والفضّة ومثلهما من أيّ طريق حصل .
ونوع ثان يدلّ على الثبوت في بعض المصاديق، مثل:
صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص ؟ فقال : عليها الخمس جميعاً(3) .
ورواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال : سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضّة هل فيها زكاة؟ فقال : إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(4) .
ونوع ثالث يدلّ على الثبوت في بعض الموارد معلّلاً بأنّه من المعدن أو مثل
- (1) التهذيب 4 : 121 ح346 ، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح2 .
- (2) التهذيب 4 : 122 ح347 ، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح3 .
- (3) الكافي 1 : 544 ح8 ، التهذيب 4 : 121 ح345 ، الوسائل 9 : 491 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح1 .
- (4) الكافي 1 : 547 ح21 ، الفقيه 2 : 21 ح72 ، التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
(الصفحة 45)
المعدن، مثل:
صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) عن الملاحة؟ فقال : وما الملاحة؟ فقال (فقلت خ ل) : أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحاً ، فقال : هذا المعدن فيه الخمس ، فقلت : والكبريت والنفط يخرج من الأرض ؟ قال : فقال : هذا وأشباهه فيه الخمس . وفي رواية الصدوق مثل المعدن فيه الخمس(1) .
وقد أفاد سيّدنا الاُستاذ البروجردي (قدس سره) أنّ الصحيح في سند الرواية كون الراوي عن محمّد بن مسلم هو أبو أيّوب لا حسن بن محبوب ، قال : وذلك لأنّ محمّد بن مسلم من الطبقة الرابعة من الطبقات التي رتّبناها، وقد اتّفق وفاته في سنة 150(2)وحسن بن محبوب من الطبقة السادسة من تلك الطبقات، وقد اتّفق وفاته في سنة 224 مع كون عمره خمساً وسبعين سنة ، كما ذكره الكشي(3). وعليه فلا يمكن له النقل عن محمّد بن مسلم من دون واسطة، فالظاهر ثبوت الواسطة وأنّه هو أبوأيّوب ـ الذي هو في الطبقة الخامسة ـ كما في النسخ الصحيحة من الوسائل(4) .
وبعض الأعلام (قدس سره)(5) مع الاقتصار في نقل الرواية على غير ما رواه الصدوق من دون دلالة ولا إشعار بوجه ذلك ـ والظاهر أنّ الوجه فيه عدم صحّة طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم كما ذكره في موارد اُخر ـ استفاد من الرواية كون الأرض المذكورة في مورد سؤالها معدناً شرعاً وإن لم يكن كذلك عرفاً، ولذا جعل
- (1) التهذيب 4 : 122 ح349 ، الفقيه 2: 21 ح76، الوسائل 9 : 492 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح4 .
- (2) رجال الطوسي: 294 رقم 4293.
- (3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشي»: 584 رقم 1094.
- (4) كتاب الخمس (تقريرات بحث السيّد البروجردي): 355.
- (5) مستند العروة الوثقى ، كتاب الخمس : 37 .