(الصفحة 379)
اللهمّ إلاّ أن يناقش في ذلك بأنّ الروايات الواردة في الكنز لا تكون بصدد بيان ثبوت الملكيّة للواجد بمجرّد الوجدان ، بل غاية مفادها أنّ الكنز الذي صار ملكاً للواجد يجب عليه إخراج خمسه ، فهي واردة بعد الفراغ عن ثبوت الملكيّة ، واللازم حينئذ استكشاف حكم الملكيّة من دليل آخر ، بل لو قلنا بدلالة تلك الروايات على ثبوت الملكيّة في المعدن ونحوه بمجرّد الإخراج لا يسعنا القول بذلك في الكنز ; لأنّه مال ادّخره صاحبه تحت الأرض لبعض الأغراض ، وليس كالمعدن المتكوّن تحت الأرض الذي يكون إخراجه من الطرق العقلائية للاكتساب والمعيشة ، فالحكم بثبوت الملكيّة للمخرج في المعدن لا يكون قرينة على الحكم بثبوت الملكيّة للواجد في الكنز بعد عدم كون العثور عليه وإخراجه من الطرق المعمولة للمعيشة ، وكونه مالا لإنسان ادّخره قصداً لبعض الأغراض .
(الصفحة 380)
الرابع : الغوص
لا إشكال ولا خلاف في وجوب الخمس فيه وتعلّقه بما يخرج به(1) ، بل حكي دعوى الاجماع عليه عن ظاهر الانتصار(2) وصريح الغنية(3) والمنتهى(4) .
ويدلّ عليه ما رواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن مهزيار ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال : عليه الخمس(5) .
ورواية محمّد بن علي بن أبي عبدالله ، عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد ، وعن معادن الذهب والفضّة ، هل فيها زكاة؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(6) .
وكذا الروايات المتقدّمة الدالّة على أنّ الخمس من خمسة أشياء ، كمرسل حمّاد(7) ، وكذا ابن أبي عمير(8) وغيرهما ، حيث عدّ فيها الغوص في عِداد ما يجب فيه الخمس .
- (1) راجع الحدائق الناضرة 12 : 343 ، وجواهر الكلام 16 : 39 .
- (2) الانتصار : 225 .
- (3) غنية النزوع : 129 .
- (4) منتهى المطلب 1 : 547 .
- (5) التهذيب 4 : 121 ح346 ، الكافي 1 : 548 ح28 ، الوسائل 9 : 498 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب7 ح1 .
- (6) الكافي 1: 547 ح21، الفقيه 2 : 21 ح72 ، التهذيب 4 : 124 ح356 ، الوسائل 9 : 493 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب3 ح5 .
- (7) الكافي 1 : 539 ح4 ، الوسائل 9 : 487 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب2 ح4 .
- (8) تقدّمت في ص357 .
(الصفحة 381)
وبالجملة : فلا إشكال في هذه الجهة ، وكذا في اعتبار النصاب فيه وأنّ نصابه دينار واحد وإن حكي عن المفيد في عزّيته اعتبار العشرين(1) ، إلاّ أنّه ضعيف لم يعرف له مأخذ ، كما اعترف به غير واحد من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين(2) .
ثمّ إنّه لا إشكال في تعلّق الخمس فيما أُخرج من داخل البحر بالغوص ، من مثل الجواهر والدّرر ممّا اُعتيد خروجه منه ، وأمّا لو اُخذ شيء قد خرج عن البحر بنفسه عن ساحله ، بحيث كان المخرج له هو البحر لأجل اختلاف حاله من الجزر والمدّ ففي ثبوت الخمس فيه إشكال ، ومقتضى تعليق الحكم بالغوص في أكثر الروايات الواردة في هذا الباب عدم الوجوب فيه .
ولكن حكي عن الشهيد في البيان أنّه قال: لو أُخذ منه شيء بغير غوص فالظاهر أنّه بحكمه ، ولو كان ممّا ألقاه الماء على الساحل(3) . واحتمل في الجواهر استناده في ذلك إلى رواية محمّد بن عليّ بن أبي عبدالله ، حيث لم يعلّق الحكم فيها بالغوص ، بل بما يخرج من البحر ، واستشكل فيه باحتياجه إلى الجابر في ذلك ، وليس ، بل الموهن متحقّق على الظاهر(4) .
وكيف كان، فالظاهر أنّه لا يجوز الفتوى على طبق هذه الرواية مع احتمال انصرافها إلى المتعارف ، وهو الإخراج بالغوص ، فلم يثبت وجوب الخمس في هذه الصورة ، كما أنّه لا دليل على ثبوته فيما إذا اُخرج بالآلات لا بالغوص وإن كان
- (1) حكى عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 3 : 191 ، مسألة 148 .
- (2) كالعاملي في مدارك الأحكام 5 : 375 ، والبحراني في الحدائق الناضرة 12 : 344 ، والطباطبائي في رياض المسائل 5 : 251 ، والنراقي في مستند الشيعة 10 : 60 ، والنجفي في جواهر الكلام 16 : 41 .
- (3) البيان : 216 .
- (4) جواهر الكلام 16 : 41 .
(الصفحة 382)
المحكي عن المسالك الجزم بالثبوت وإلحاق ذلك بما إذا اُخرج بالغوص(1) ، وكذلك لا دليل على ثبوته فيما يؤخذ عن وجه الماء وإن حكي عن الوسيلة(2) تعلّق الخمس به .
ثمّ إنّه لو فرض معدن تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلاّ بالغوص ، فاُخرج منه شيء، فهل يتعلّق الخمس به من حيث المعدن، أو من حيث الغوص؟ الظاهر هو التفصيل بين ما إذا كان المعدن الموجود تحت الماء يحتاج إلى الحفر والاستخراج تحت الماء أيضاً ، بحيث كان تحت الماء بالنسبة إليه كسطح الأرض بالنسبة إلى المعادن المستخرجة في البرّ ، وبين ما إذا كان المعدن قد خرج من محلّه واستقرّ تحت الماء ، بحيث كان إخراجه من داخل البحر بالغوص ، كحمل سائر المعادن من مكان إلى آخر ، فإنّه في الأوّل البلوغ إلى نصاب المعدن لكونه من أفراده ، وفي الثاني يكفي البلوغ إلى نصاب الغوص كذلك أيضاً ، كما لا يخفى .
فرع:
لا خلاف في وجوب الخمس في العنبر ; لرواية الحلبي المتقدّمة التي سُئل فيها عن العنبر وغوص اللؤلؤ ، وحكم بثبوت الخمس في كلّ واحد منهما ، ولكن وقع الاختلاف في ثبوت النصاب فيه وعدمه ، وفي مقدار نصابه على تقدير اعتباره ، فالمحكيّ عن نهاية الشيخ(3) ووسيلة ابن حمزة(4) بل وسرائر ابن إدريس(5) أنّه
- (1) مسالك الأفهام 1 : 463 .
- (2) الوسيلة : 136 .
- (3) النهاية : 197 .
- (4) الوسيلة : 136 .
- (5) السرائر 1 : 485 و488 .
(الصفحة 383)
لا نصاب فيه .
والمستند في ذلك إطلاق رواية الحلبي ، حيث لم يقع فيها تعرّض لذكر النصاب ، وحكي عن المفيد في عزّيته اعتبار نصاب المعدن فيه مطلقاً(1) ، نظراً إلى كونه من أفراد المعدن أو ملحقاً بها ، واحتمل ثبوت حكم الغوص فيه مطلقاً ، نظراً إلى ظاهر جمع الحلبي لهما في السؤال في روايته ، وشهادة سوقها باتّحاد حكمه مع الغوص ، وذكر في الجواهر أنّه لم أجد قائلا به ولا من نسب إليه ذلك ، عدا ظاهر الاُستاذ في كشفه أو صريحه هنا وإن قوّى نصاب المعادن فيه(2)(3) .
وفصّل المحقّق في الشرائع بين ما إذا خرج من داخل الماء بالغوص ، فيراعى فيه مقدار الدينار ، وبين ما إذا جني من وجه الماء أو من الساحل ، فيكون له حكم المعادن(4) ، وهذا التفصيل بالنسبة إلى الغوص الأوّل حسن ; لأنّ ما إذا اُخرج من داخل الماء بالغوص يكون من أفراده ، فلابدّ فيه من رعاية نصابه ، مضافاً إلى خبر محمّد بن عليّ بن أبي عبدالله المتقدّم .
واستشكال الجواهر فيه بعدم تحقّق الجابر له حتى يحكم على إطلاق رواية الحلبي المتقدّمة ، مدفوع بأنّه يكفي في الجبر كون الخبر بمضمونه مورداً للفتوى ، ولا يحتاج إلى ثبوت الفتوى بالنسبة إلى كلّ واحد من أفراد المضمون مستقلاّ ، كما لا يخفى ، فهذا الشقّ من التفصيل ممّا لا بأس به .
وأمّا اعتبار نصاب المعدن فيما إذا جني من وجه الماء أو من الساحل ، فلا دليل
- (1) حكى عنه العلاّمة في مختلف الشيعة 3 : 191 مسألة 148 .
- (2) كشف الغطاء 4 : 204.
- (3) جواهر الكلام 16 : 44 .
- (4) شرائع الإسلام 1 : 180 .