(الصفحة 400)
مجرّد الجهل وعدم تمييز المالك الحلال عن الحرام، أو أنّ الموجب له ليس هو الجهل فقط ، بل استحقاقهم إنّما يثبت حين الاداء؟ وكلاهما بعيدان .
ثمّ إنّ القدر المتيقّن من الحلال المختلط بالحرام الواجب فيه الخمس هو ما إذا كان القدر والمالك كلاهما مجهولين ; لأنّه ـ مضافاً إلى انصراف أكثر الروايات عمّا إذا كان المالك معلوماً كما هو واضح ـ تكون رواية عمّار دالّة على التقييد بما إذا لم يعرف صاحبه كما تقدّم .
وأمّا من جهة الاختلاط وعدم التميّز ، فمورد رواية حسن بن زياد المتقدّمة وإن كان هو الاختلاط الخارجي ، وعدم تميّز عين الحلال عن عين الحرام كما مرّ آنفاً ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اختصاص الحكم بهذه الصورة ، بل يشمل ما إذا كان الحرام كسراً مشاعاً بين المجموع بحيث يوجب الشركة .
(الصفحة 401)
السابع [: ما زاد عن مؤونة السنة]
ما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة من أرباح التجارات والصناعات والزراعات وأشباهها ، وثبوت الخمس في ذلك في الجملة من متفرّدات الإمامية ، حيث لم يقل به من العامّة أحد(1) ; لأجل عدم اعتنائهم بالروايات المرويّة عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، مع أنّه لا محيص عن الالتزام بحجّيتها ، مع ملاحظة حديث الثقلين المعروف بين الفريقين(2) ، بل ومع قطع النظر عنه لاتّصال رواياتهم بالنبي(صلى الله عليه وآله) ، كما ذكرنا ذلك فيما سبق(3) .
وكيف كان، فالكلام في هذا المقام يقع في أمرين:
الأمر الأوّل: في أصل الثبوت ، وقد عرفت أنّه ممّا تفرّد به الإمامية ، ولم يخالف فيه أحد من أصحابنا إلاّ ابن أبي عقيل المعاصر للكليني ، وابن الجنيد المعاصر للصدوق على وجه(4) ; لاحتمال إرادته ما هو المشهور . وبالجملة ، فقد أفتى بذلك المفيد في المقنعة(5) ، والسيّد المرتضى في الانتصار(6) ، وابن زهرة في الغنية(7) ،
- (1) راجع الخلاف 2 : 118 مسألة 139 ، والمعتبر 2: 623 ، وتذكرة الفقهاء 5 : 421 .
- (2) راجع الكافي 1 : 294 ، والخصال 1 : 65 ح97 ، والمسند لأحمد بن حنبل 4 : 30 ح11104 ، وسنن الترمذي 5 : 663 ح3797 ، والمعجم الكبير للطبراني 3 : 65 ح2679 ، ورواها المجلسي بطرق عديدة في بحار الأنوار 23 : 106 ـ 152 .
- (3) في ص336 .
- (4) حكى عنهما في المعتبر 2 : 623 ، ومختلف الشيعة 3 : 185 مسألة 141 ، والبيان : 218 .
- (5) المقنعة : 276 .
- (6) الانتصار : 225 .
- (7) غنية النزوع : 129 .
(الصفحة 402)
والشيخ في جملة من كتبه(1) ، وابن إدريس في السرائر(2) ، كما سيجيء عبائرهم .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا إشكال في أصل الثبوت ; للآية الشريفة الواردة في الخمس(3) ، بعد كون المراد بالغنيمة الواردة فيها مطلق ما يغنمه الإنسان على ما هو معناها بحسب اللغة(4) ، ويدلّ عليه الرواية الآتية الواردة في تفسيرها ، وللفتاوى المذكورة وغيرها .
الأمر الثاني: في متعلّق هذا الخمس .
فنقول: لا إشكال في ثبوته في التجارات التي مرجعها إلى حصول الربح ; لأجل تغيير المكان أو اختلاف الزمان أو غيرهما ، وكذا في الصناعات التي معناها إيجاد الهيئة المقصودة في المادّة الخالية عنها صناعة ، وكذا في الزراعات التي حقيقتها التوليد . وأمّا في غيرها كالميراث والهبة والصداق ففي ثبوت الخمس فيها إشكال ، ولابدّ من النظر في الفتاوى والنصوص حتى يظهر مقدار دلالتها من حيث متعلّق الخمس في هذا القسم .
فنقول: قال المفيد في المقنعة : وكلّ ما فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات عن المؤونة والكفاية في طول السنة على الاقتصاد(5) ، وقال مثله السيّد في الانتصار(6) ، وقال الشيخ في النهاية : ويجب الخمس أيضاً في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك بعد إخراج مؤنته
- (1) النهاية : 196 ـ 197 ، المبسوط 1 : 238 ، الخلاف 2 : 118 مسألة 139 ، الاقتصاد : 427 ، الرسائل العشر (الجمل والعقود) : 207 .
- (2) السرائر 1 : 486 .
- (3) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (4) راجع مجمع البحرين 2: 1337 ، ولسان العرب 5: 66، وتاج العروس 17: 527.
- (5) المقنعة : 276 .
- (6) الانتصار : 225 .
(الصفحة 403)
ومؤنة عياله(1) . وقال ابن زهرة في الغنية : ويجب الخمس أيضاً في الفاضل عن مؤنة الحول على الإقتصاد من كلّ مستفاد بتجارة أو زراعة أو صناعة أو غير ذلك من وجوه الإستفادة أيّ وجه كان(2). وقال ابن إدريس في السرائر : ويجب الخمس أيضاً في أرباح التجارات والمكاسب ، وفيما يفضل من الغلاّت والزراعات على اختلاف أجناسها عن مؤنة السنة له ولعياله(3) .
والظاهر أنّه لا يستفاد من شيء منها ثبوت الخمس في مثل الميراث والهبة ، وإن وقع عطف كلمة «غير ذلك» في بعض العبارات المتقدّمة ، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد به ما يشبه التجارات ونحوها ، والضابط هو الفوائد الحاصلة من وجود المعاملات أو من كدّ يمينه أو مثلهما ، ولا تشمل كلماتهم ما ذكر .
وأمّا النصوص :
فمنها : رواية محمّد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني(عليه السلام) : أخبرني عن الخمس ، أ على جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه : الخمس بعد المؤونة(4) .
والظاهر عدم دلالتها إلاّ على وجوب الخمس بعد المؤونة ، وثبوته في جميع ما يستفيده الرجل من قليل وكثير ، ومن الواضح أنّ الاستفادة ظاهرة في الاستفادات المتعارفة الحاصلة من الطرق المعمولة بين الناس في إعاشتهم واكتسابهم .
- (1) النهاية : 196 ـ 197 .
- (2) غنية النزوع : 129 .
- (3) السرائر 1 : 486 .
- (4) التهذيب 4 : 123 ح352 ، الاستبصار 2 : 55 ح181 ، الوسائل 9 : 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1 .
(الصفحة 404)
ومنها : رواية أبي عليّ بن راشد قال : قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقّك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأيّ شيء حقّه؟ فلم أدر ما اُجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : ففي أيّ شيء؟ فقال : في أمتعتهم وصنائعهم ، قلت : والتاجر عليه والصانع بيده؟ فقال : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(1) .
والمراد بقوله(عليه السلام) : «إذا أمكنهم بعد مؤونتهم» إذا فضل لهم شيء بعد إخراج المؤونة واستثنائها ، وعدم دلالته على ثبوت الخمس في مثل الهبة والميراث واضحة .
ومنها : رواية سماعة قال : سألت أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمس؟ فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير(2) .
والحكم فيها معلّق على جميع ما أفاد(3) الناس ، ومن الظاهر أنّ المتبادر من الفائدة الحاصلة للناس الفائدة الحاصلة من الطرق المعمولة المتعارفة التي بها يكتسب غالباً ، كما لا يخفى .
ومنها : رواية عبدالله بن القاسم الحضرمي(4) ، عن عبدالله بن سنان قال : قال أبوعبدالله(عليه السلام) : على كلّ امرئ غَنِمَ أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة (عليها السلام) ، ولمن يلي أمرها من بعدها من ذرّيتها الحجج على الناس ، فذاك لهم خاصّة يضعونه حيث شاؤوا، وحرّم عليهم الصدقة ، حتّى الخيّاط يخيط قميصاً بخمسة دوانيق فلنا
- (1) التهذيب 4 : 123 ح353 ، الاستبصار 2 : 55 ح182 ، الوسائل 9 : 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح3 .
- (2) الكافي 1 : 545 ح11 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح6 .
- (3) وليعلم أنّ «أفاد» بمعنى الإستفادة والفائدة ; لأنّه يستعمل بهذا المعنى أيضاً ، كما يظهر بمراجعة اللغة ، (المقرّر).
- (4) والظاهر أنّه ضعيف ، راجع رجال النجاشي: 226 الرقم 594، ومجمع الرجال 4: 36 ، (المقرّر) .