(الصفحة 405)
منه دانق، إلاّ من أحللناه من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة ، إنّه ليس من شيء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا ، إنّه ليقوم صاحب الخمس فيقول : ياربّ سل هؤلاء بما أبيحوا(1) . والحكم فيها معلّق أيضاً على الغنيمة والتكسّب ، وهما لا يشملان المقام .
ومنها : رواية حكيم ، الواردة في تفسير الآية الشريفة(2) ، وأنّ المراد بالغنيمة هي الإفادة يوماً بيوم(3) .
وليس المراد حصر المراد فيما ذكر ، بل بيان أنّ الإفادة يوماً بيوم أيضاً من مصاديق الغنيمة المعلّق عليها وجوب الخمس ، وظاهرها الفوائد اليومية الحاصلة من الطرق العادية التي يتحقّق للناس نوعاً في كلّ يوم ، فلا تشمل المقام أيضاً ، وقد انقدح أنّ شيئاً من هذه الروايات لا تدلّ على ثبوت الخمس فيما ذكر .
نعم ، يمكن أن يستدلّ على الثبوت ـ مضافاً إلى دعوى أنّه إذا كان الخمس ثابتاً في الفوائد الحاصلة من الطرق العادية ، المبتنية على نوع كلفة ومشقّة من حيث تغيير المكان، أو تطويل الزمان، أو تغيير الهيئة أو نحوها ، كما في التجارة والصناعة والزراعة ، ففيما لا يكون مشتملا على شيء من ذلك ، بل يحتاج إلى قبول لفظيّ فقط كما في الهبة ، أو لا يحتاج إليه أيضاً كما في الميراث ، يكون الخمس ثابتاً بطريق أولى . وإن أبيت عن الأولويّة فمقتضى مفهوم الموافقة الذي هو عبارة عن إلغاء الخصوصية ، كما نبّهنا عليه مراراً ثبوت الخمس فيها أيضاً ـ ببعض الروايات التي يمكن التمسّك بها بذلك ، كرواية عليّ بن مهزيار الطويلة الدالّة على ثبوت الخمس
- (1) التهذيب 4 : 122 ح348 ، الاستبصار 2 : 55 ح180 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح8 .
- (2) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (3) التهذيب 4 : 121 ح344 ، الاستبصار 2 : 54 ح179 ، الوسائل 9 : 546 ، أبواب الأنفال ب4 ح8 .
(الصفحة 406)
في الجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن(1) .
ورواية يزيد ، الدالّة على ثبوت الخمس في مطلق الجائزة من دون التقييد بما له خطر(2) .
وليعلم أنّ الراوي عن يزيد في هذه الرواية هو أحمد بن محمّد بن عيسى ، ولم يرو عنه في الكتب الأربعة إلاّ هذه الرواية ، ولا يعلم من يزيد ، ولم يعلم أبوه ، فهو مجهول الحال رأساً .
ورواية أبي بصير ، الواقع في سندها «أحمد بن هلال» الدالّة على ثبوت الخمس في مطلق الهدية(3) ، ولكنّه يحتمل قوياً أن يكون الصادر نفي الخمس في ذلك ، بحيث كان الصادر كلمة «لا خمس» لا «الخمس» .
ورواية علي بن حسين بن عبد ربّه ، الدالّة على نفي الخمس فيما سرّح به صاحب الخمس ، الظاهرة في ثبوته فيما سرّح به غيره(4) ، كما لا يخفى .
ورواية أبي خديجة ، الدالّة على ثبوته في الميراث والعطية(5) .
هذا ، ولكن الفتوى على طبق هذه الروايات ـ مع عدم كون مثل الميراث والهبة من طرق الإكتساب ، المعمولة بين العقلاء الرائجة عندهم في كلّ يوم ، وحصر الخمس في الأشياء المعيّنة المعهودة التي منها أرباح المكاسب غير الشاملة
- (1) التهذيب 4 : 141 ح398 ، الاستبصار 2 : 60 ح198 ، الوسائل 9 : 501 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح5 .
- (2) الكافي 1 : 545 ح12 ، الوسائل 9 : 503 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح7 .
- (3) مستطرفات السرائر: 100 ح28 ، الوسائل 9 : 504 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح10 .
- (4) الكافي 1 : 547 ح23 ، الوسائل 9 : 508 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب11 ح2 .
- (5) التهذيب 4 : 137 ح384 ، الاستبصار 2 : 58 ح189 ، الوسائل 9 : 544 ، أبواب الأنفال ب4 ح4 .
(الصفحة 407)
لمثلهما ـ مشكل جدّاً ، خصوصاً مع عدم كون السند فيها نقيّاً ، وعدم وضوح دلالة بعضها ، وعدم كون بعض الأحكام المذكورة في بعضها كرواية ابن مهزيار الطويلة معمولا به لأحد من الأصحاب مشكل جدّاً ، مضافاً إلى أنّه لو كان الخمس في مثلهما ثابتاً في الشرع لكان اللازم أن لا يكون المسألة خلافيّة ، فضلا عن ثبوت الشهرة على العدم(1) ; لابتلاء الناس بذلك كثيراً ، ولو كان الخمس ثابتاً لكان بالغاً إلى حدّ الضروري بحيث لم يشكّ فيه أحد ، كما لا يخفى .
ثمّ إنّ متعلّق الخمس في هذا القسم إنّما هو الأرباح بعد استثناء المؤونة ، ولذا عبّر عنه في كلام الأكثر بما يفضل عن مؤونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة(2) ، والكلام في خصوصيات ذلك يتمّ في ضمن مسائل:
الاُولى: فيما يدلّ على هذا الاستثناء .
فنقول : ويدلّ عليه ـ مضافاً إلى عدم صدق الغنيمة ، الواردة في الآية الشريفة(3) المفسّرة بالإفادة يوماً بيوم(4) ، بناءً على عدم اختصاصها بخصوص غنائم دارالحرب على الإفادة المعادلة للمؤونة ، فانّه لا يصدق على من أفاد في السنة بمقدار مؤونته أنّه اغتنم في تلك السنة ، كما لا يخفى ـ قوله(عليه السلام) في رواية محمّد بن الحسن الأشعري: الخمس بعد المؤونة(5) ، وفي رواية علي بن محمّد بن شجاع
- (1) راجع السرائر 1 : 490 ، والمعتبر 2 : 623 ، ومختلف الشيعة 3 : 186 مسألة 142 ، ومدارك الأحكام 5 : 384 .
- (2) راجع النهاية : 196 ـ 197 ، والمبسوط 1 : 238 ، والسرائر 1 : 486 ، وشرائع الإسلام 1 : 180 ، وإرشاد الأذهان 1 : 292 ، والدروس الشرعيّة 1 : 258 .
- (3) سورة الأنفال 8 : 41 .
- (4) الوسائل 9 : 546 ، أبواب الأنفال ب4 ح8 .
- (5) التهذيب 4 : 123 ح352 ، الاستبصار 2 : 55 ح181 ، الوسائل 9 : 499 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح1 .
(الصفحة 408)
النيسابوري : الخمس ممّا يفضل من مؤونته(1) وفي رواية أبي علي بن راشد : إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(2) ، وفي رواية أبي بصير الواردة في الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال ; إنّما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً : أمّا ما أكل فلا ، وأمّا البيع فنعم هو كسائر الضياع(3) . وغير ذلك ممّا يدلّ على أنّ ثبوت الخمس إنّما هو بعد المؤونة .
الثاني: في المراد من المؤونة المستثناة ، وأنّه هل هو عبارة عن القوت والمأكل ، كما حكي عن القاموس تفسيرها به(4) ، أو الأعم منه والملبس والمسكن ، أو الأعم منها وممّا يحتاج ويضطرّ إليه لأجل لزوم امتثال التكاليف الموجّهة إليه ، كمؤونة الحجّ والكفّارة الثابتة عليه ونحوها من الحقوق المالية التي يجب عليه الخروج عن عهدتها ، أو الأعمّ من جميع ذلك وممّا يتعارف صرفه في طول السنة وإن لم يكن مضطرّاً إليه ، كمؤونة سفر الزيارة إلى واحد من المشاهد المشرّفة ونحوها؟ وجوه واحتمالات :
ولا يبعد ترجيح الوجه الأخير ; فإنّ المتبادر من المؤونة عند العرف ما يتعارف صرفه في طول السنة أعمّ ممّا يضطرّ إليه.
ثمّ إنّ المراد بالمؤونة هل هي المؤونة الشأنية ، بحيث كان الملاك فيها ما يناسب شأن المكلّف وكانت هي المستثناة ، أعمّ ممّا إذا صرفها وما إذا لم يصرفها للتقتير ، أو المؤونة الفعلية التي صرفها فعلا في طول السنة؟ وجهان :
- (1) التهذيب 4 : 16 ح39 ، الاستبصار 2 : 17 ح48 ، الوسائل 9 : 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح2 .
- (2) التهذيب 4 : 123 ح353 ، الاستبصار 2 : 55 ح182 ، الوسائل 9 : 500 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح3 .
- (3) مستطرفات السرائر: 100 ذ ح 28، الوسائل 9 : 504 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب8 ح10 .
- (4) القاموس المحيط 4 : 271 .
(الصفحة 409)
يستفاد من الشهيد الثاني في الروضة الأوّل ، حيث ذكر فيها : وإن قتّر حُسِبَ له ما نقص(1) ، فإنّ مقتضى ذلك أنّ الملاك هي المؤونة الشأنية التي كان من شأن المكلّف صرفها في طول السنة ، وأنّها هي المستثناة ، فإن زاد عليها حسب عليه ما زاد ، وإن نقص حسب له ما نقص ، مع أنّه لا دليل على ذلك ، فانّ الظاهر من المؤونة التي يجب الخمس بعدها بمقتضى الروايات الواردة في ذلك هي ما صرفها في شؤون حياته في طول السنة ، فلا يقال لمن قتّر ونقص : إنّ مؤونته ذلك المقدار الزائد على ما صرف ، كما لا يخفى ، فالظاهر هي المؤونة الفعلية .
نعم ، يعتبر أن لا يبلغ حدّ الإسراف والتبذير ، فإنّ البلوغ إلى ذلك الحدّ يخرج المؤونة عن عنوانها ويدخلها في ذلك العنوان . نعم ، لا يلزم أن يصدق عليه عنوان الاقتصاد وعدم الزيادة على المتوسّط ، فإنّ الزيادة عليه إذا كانت بمقدار يصرفه أكثر الناس في محاويجهم ـ إلاّ مَن كان ممسكاً ومعدوداً كذلك ـ لا مانع من الالتزام باستثنائها من الربح وعدّها من جملة المؤونة ، كما لا يخفى .
ثمّ على التقدير الثاني الذي يكون المراد بالمؤونة هي المؤونة الفعلية ، هل يعتبر في استثنائها أن يكون المال الذي يصرف فيها هي الأرباح المتعلّقة للخمس بعد إخراجها ، بحيث لو صرف في مؤونته مالا آخر غير متعلّق للخمس كالمال المخمّس، أو الذي لا خمس فيه كالهبة والميراث ونحوها ، يجب إخراج الخمس من جميع الأرباح ، ولا تستثنى المؤونة أصلا ، كما احتمل سيّدنا الاُستاذ ـ دام ظله ـ أن يكون هو مختار شيخه المحقّق الخراساني (قدس سره) ، أو أنّ المؤونة الفعلية مستثناة ولو لم يكن المال المصروف فيها من الأرباح؟
والظاهر هو الوجه الثاني كما لا يخفى وإن ذكر في الجواهر أنّ فيه وجوهاً ثلاثة:
- (1) الروضة البهيّة 2 : 76 .