(الصفحة 6)
بسمه تعالى
هذا شرح كتاب الخمس من كتاب تحرير الوسيلة للإمام الراحل الخميني قدّس سرّه الشريف ، وأنا الأقلّ الفاني محمّد الفاضل اللنكراني عفي عنه وعن والديه، والمرجوّ من الله تعالى التوفيق لإتمام هذا الشرح وشرح سائر الكتب التي لم تشرح بعد، بحقّ أوليائه الطاهرين المعصومين ـ صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ـ الذين إليهم يرجع جميع العلوم الإسلاميّة سيّما علم الفقه ، وكان الشروع فيه في 8 جمادى الثانية 1420 .
(الصفحة7)
كتاب الخمس
[وجوب الخمس]
وهو الذي جعله الله تعالى لمحمّد (صلى الله عليه وآله) وذرّيته كثّر الله نسلهم المبارك عوضاً عن الزكاة التي هي من أوساخ أيدي الناس إكراماً لهم ، ومن منع منه درهماً كان من الظالمين لهم والغاصبين لحقّهم ، فعن مولانا الصادق (عليه السلام) : «إنّ الله لا إله إلاّ هو لمّا حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس، فالصدقة عليناحرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال»(1) . وعنه (عليه السلام) : «لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئاً أن يقول: ياربّ اشتريته بمالي حتّى يأذن له أهل الخمس»(2) . وعن أبي جعفر (عليه السلام) : «ولا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاً حتّى يصل إلينا حقّنا»(3) . والكلام فيما يجب فيه الخمس وفي مستحقّيه وكيفيّة قسمته بينهم وفي الأنفال1 .
1 ـ أقول: قبل الشروع في مباحث الخمس ينبغي تقديم اُمور :
الأوّل : أنّ وجوب أصل الخمس إنّما هو كالصلاة ونحوها في أنّه من ضروريّات
- (1) الفقيه 2 : 21 ح77 ، الوسائل 9 : 483 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 ح2 .
- (2) المستدرك 7 : 278 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 ح4 .
- (3) الكافي 1 : 545 ح14 ، الوسائل 9 : 484 ، أبواب ما يجب فيه الخمس ب1 ح4 .
(الصفحة 8)
الدين ومن المسلّمات الإسلامية، ولم يختلف فيه أحد من فقهاء الفريقين وإن كان بينهما الاختلاف في المتعلّق وفي المصرف كما سيأتي بيانه ، إلاّ أنّ أصل الوجوب في الجملة من ضروريّات الإسلام، ويكون منكره منكراً للضروري من الدين الذي يرجع إنكاره إلى إنكار أصل النبوّة المستلزم للكفر، كما تقدّم بيانه في بحث أعيان النجاسات(1) ، ونحن وإن اخترنا عدم نجاسة الكتابي إذا لم يكن مشركاً، إلاّ أنّ ذلك لا يلازم عدم اتّصافه بالكفر، فهو أي الكتابي غير المشرك كافر غير نجس، ولا يكون هذا الإنكار إنكاراً لضروريّ المذهب فقط حتّى لا يكون مستلزماً للكفر كإنكار أصل الولاية لصاحبها ومستحقّيها، والاختلاف في المتعلّق أو في المصرف لا يكون إنكاراً لأصل الوجوب كالاختلاف بين فقهائنا أحياناً ، كما أنّ الالتزام بظاهر أخبار الاستحلال الآتية لا يقدح في ذلك .
الثاني : أنّ ثبوت الخمس له مأخذ قرآني وسند كتابي، وهو قوله تعالى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِن شَىْء فَأَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}(2) إلى آخر الآية ، وقد نزلت في قصّة بدر في رمضان السنة الثانية من الهجرة النبوية مع أنّ ارتحال النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في السنة الحادية عشرة من الهجرة في أواخر شهر صفر الخير .
الثالث : أنّ التعبيرات القرآنية في موارد التكاليف اللزومية مختلفة، ففي مثل الصلاة قد عبّر بالإقامة التي لا يراد بها إلاّ نفس إيجادها ، ولذا يقال في فصول الإقامة: «قد قامت الصلاة» وفي مثل الزكاة قد عبّر بالإيتاء، وفي مثل الحجّ باللام
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة (كتاب الطهارة، النجاسات) : 233 .
- (2) سورة الأنفال 8 : 41 .
(الصفحة 9)
وعلى في قوله تعالى :
{وَللهِِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا}(1)كالتعبير في باب الدين «لزيد على عمرو عشرة توامين» مثلاً .
الرابع : أنّ التعبير باللاّم في آية الخمس بالإضافة إلى الله جلّ وعلا، مع أنّ لله ما في السماوات والأرض، ونذكر في آية الاسترجاع
{إِنَّا للهِِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}(2)ومرجعه إلى أنّ كلّنا بأجمعنا مملوك له تعالى، وظاهرٌ أنّ هذه الملكية هي الملكية الحقيقيّة التي هي لازمة الربوبيّة والخالقية، إنّما هو للإشارة إلى مغايرة ملكية الخمس له تعالى مع ملكية غيره، وأنّها نظير ملكنا للأشياء بالملكية الاعتبارية غير المنافية للملكية الحقيقيّة المذكورة ، ويؤيّده عطف الرسول وذي القربى وسائر أصحاب السهام عليه، مع أنّه لا معنى للعطف بدون ما ذكرنا، فإنّا بأجمعنا مع ما يتعلّق بنا ملكٌ له تعالى فقط .
الخامس : أنّ تصدير الآية بقوله : «واعلموا» دليل على شدّة الاهتمام بهذا الأمر وأنّه كان ينبغي أن يتعلّق العلم به ، كما أنّ التأكيد بقوله : «أنّما» يفيد ذلك ، والظاهر أنّ المتعلّق هي طبيعة الغنيمة أو عمومها على نحو الإطلاق، أو العموم الاستغراقي، والغرض تعلّق الخمس بطبيعة ما غنمتم من شيء أو عمومه .
السادس : قد ثبت في علم الاُصول حجّية ظواهر الكتاب كظواهر الروايات ، غاية الأمر أنّ بيان الإمام(عليه السلام) إذا كان في مورد مخالفاً لظاهر الكتاب يكون بمنزلة القرينة الصارفة في مثل قوله : «رأيت أسداً يرمي» إذا أُريد به الرجل الشجاع ، وعليه فأصالة الظهور أعمّ من أصالة الحقيقة، وفي موارد كثيرة نرى استشهاد
- (1) سورة آل عمران 3: 97.
- (2) سورة البقرة 2: 155.
(الصفحة 10)
الأئمّة (عليهم السلام)بما هو ظاهر الكتاب فيما إذا كان مقصوداً لله تعالى .
السابع : أنّ المراد بـ «ما غنمتم» مطلق ما يستفيده الإنسان ويكون له الاستيلاء عليه، والذي يستفاد من بعض الكلمات أنّ الأصل فيه الغنم في مقابل البقر، ولعلّ أصل إطلاق الغنم بلحاظ كثرة فوائده وعموم منافعه بجميع أبعاضه وأجزائه حتّى فضلاته .
قال الراغب في محكيّ المفردات : الغنم معروف، قال :
{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا}(1)، والغُنم إصابته والظفر به ، ثمّ استعمل في كلّ مظفور به من جهة العِدى وغيرهم . قال :
{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَىْء}(2) .
وعن الخليل في العين التي هي من المنابع اللغوية القويّة: الغُنم هو الفوز بالشيء من غير مشقّة(3) .
وعن القاموس : الغنم بالضمّ، والمغنم والغنيمة في اللغة: ما يصيبه الإنسان ويناله ويظفر به من غير مشقّة(4) . ونظيره ما في بعض آخر من الكتب اللغوية الاُخرى المعتمدة.
ويدلّ على عموم الغنيمة في آية الخمس وعدم الاختصاص بغنائم دار الحرب ـ مضافاً إلى ما ذكر، وإلى أنّ تعليق الحكم على «ما غنمتم» إنّما هو بصورة الفعل الماضي ولم يقل أحد بالاختصاص بغزوة بدر مع كونها شأن نزول الآية; لأنّ القول بالاختصاص بغنائم دار الحرب عامّ يشمل جميع الغزوات من دون اختصاص بها
- (1) سورة الأنعام 6 : 146 .
- (2) المفردات في غريب القرآن : 366 .
- (3) ترتيب كتاب العين 2 : 1359 .
- (4) القاموس المحيط 4 : 159 .