(الصفحة 157)
هذا، ولكن إبطاله إنّما هو إذا كان جزءاً من الداعي على العمل ولو على وجه التبعيّة، وأمّا إذا لم يكن كذلك، بل كان مجرّد خطور في القلب من دون أن يكون جزءاً من الداعي فلايكون مبطلا، وإذا شك حين العمل في أنّ داعيه محض القربة أو مركّب منها ومن الرياء فالعمل باطل ; لعدم إحراز الخلوص الذي هو الشرط في الصحّة .
وأمّا العجب: فالمتأخّر منه لا يبطل العمل ، وكذا المقارن، وإن كان الأحوط فيه الإعادة .
وأمّا السمعة(1): فإن كانت داعية على العمل أو كانت جزءاً من الداعي بطل ، وإلاّ فلا، كما في الرياء ، فإذا كان الداعي له على العمل هو القربة، إلاّ أنّه يفرح إذا اطّلع عليه الناس من غير أن يكون داخلا في قصده لا يكون باطلا ، لكن ينبغي للإِنسان أن يكون ملتفتاً، فإنّ الشيطان غرور وعدوّ مبين .
مباحة فالأقوى أنّها أيضاً كذلك، كضمّ التبرّد إلى القربة ، لكنّ الأحوط في صورة استقلالهما أيضاً الإعادة. وإن كانت محرّمة غير الرياء والسمعة فهي في الإبطال مثل
الرياء(4) ، لأنّ الفعل يصير محرّماً ، فيكون باطلا . نعم، الفرق بينها وبين الرياء أنّه لو
- (1) معناها أن يقصد بالعمل سماع الناس به ، فيعظم مرتبته عندهم بسببه ، وهي من أفراد الرياء.
- (2) في كون هذا مثالاً للضميمة الراجحة إشكال، بل منع.
- (3) الأقوى البطلان في صورة استقلالهما.
- (4) إذا كان ما انضمّ قصده من الشيء المحرّم متّحداً وجوداً مع الفعل العبادي، وأمّا إذا كان مترتّباً عليه في الخارج وملازماً له في التحقّق فحكمه حكم الضميمة المباحة في الأقسام الأربعة.
(الصفحة 158)
لم يكن داعيه في ابتداء العمل إلاّ القربة، لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء يختصّ البطلان بذلك الجزء ، فلو عدل عن قصده وأعاده من دون فوات الموالاة صحّ ، وكذا لو كان ذلك الجزء مستحبّاً وإن لم يتداركه ، بخلاف الرياء على ما عرفت ، فإنّ حاله حال الحدث في الإبطال .
[568] مسألة 29 : الرياء بعد العمل ليس بمبطل .
[569] مسألة 30 : إذا توضّأت المرأة في مكان يراها الأجنبيّ لا يبطل وضوؤها، وإن كان من قصدها ذلك .
[570] مسألة 31 : لا إشكال في إمكان اجتماع الغايات المتعدّدة للوضوء ، كما إذاكان بعدالوقت وعليه القضاءأيضاً، وكان ناذراً لمسّ المصحف وأرادقراءة القرآن وزيارة المشاهد ، كما لا إشكال في أنّه إذا نوى الجميع وتوضّأ وضوءاً واحداً لها كفى، وحصل امتثال الأمر بالنسبة إلى الجميع ، وأنّه إذا نوى واحداً منها أيضاً كفى عن الجميع وكان أداءً بالنسبة إليها، وإن لم يكن امتثالا إلاّ بالنسبة إلى ما نواه ، ولا ينبغي الإشكال في أنّ الأمر متعدّد حينئذ(1)، وإن قيل: إنّه لا يتعدّد وإنّما المتعدّد جهاته ، وإنّما الإشكال في أنّه هل يكون المأمور به متعدّداً أيضاً، وأنّ كفاية الوضوء الواحد من باب التداخل، أو لا بل يتعدّد ؟ ذهب بعض العلماء إلى الأوّل وقال : إنّه حينئذ يجب عليه أن يعيّن أحدها، وإلاّ بطل; لأنّ التعيين شرط عند تعدّد المأمور به.
- (1) قد عرفت أنّ الوضوء لا يكون مأموراً به حتّى فيما لو تعلّق النذر بعنوانه ، فإنّ الأمر حينئذ يتعلّق بعنوان الوفاء بالنذر لا بالوضوء، كما أنّ الوضوء لا يكون متعدّداً، بل هو أمر واحد متعلّق للأمر الاستحبابي لغاية الكون على الطهارة ، وهذه الغاية لا تكون في عرض سائر الغايات، بل تلك الغايات مترتّبة عليها شرطاً أو كمالاً أو شبههما ، ولا يجب عليه حينئذ تعيين شيء منها، وفي النذر أيضاً لا يجب التعدّد إلاّ فيما إذا كان المنذور فردين من الوضوء ، فإنّه حينئذ لا يغني أحدهما عن الآخر ، ولعلّه المراد من الفرض الأوّل.
(الصفحة 159)
وذهب بعضهم إلى الثاني، وأنّ التعدّد إنّما هو في الأمر أو في جهاته ، وبعضهم إلى أنّه يتعدّد بالنذر ولا يتعدّد بغيره ، وفي النذر أيضاً لا مطلقاً بل في بعض الصور، مثلاً إذا نذر أن يتوضّأ لقراءة القرآن، ونذر أيضاً أن يتوضّأ لدخول المسجد، فحينئذ يتعدّد، ولا يغني أحدهما عن الآخر ، فإذا لم ينو شيئاً منهما لم يقع امتثال أحدهما، ولا أداؤه ، وإن نوى أحدهما المعيّن حصل امتثاله وأداؤه، ولا يكفي عن الآخر ، وعلى أيّ حال وضوؤه صحيح; بمعنى أنّه موجب لرفع الحدث ، وإذا نذر أن يقرأ القرآن متوضّئاً، ونذر أيضاً أن يدخل المسجد متوضّئاً فلا يتعدّد حينئذ، ويجزىء وضوء واحد عنهما، وإن لم ينو شيئاً منهما ولم يمتثل أحدهما ، ولو نوى الوضوء لأحدهما كان امتثالا بالنسبة إليه وأداءً بالنسبة إلى الآخر، وهذا القول قريب .
[571] مسألة 32 : إذا شرع في الوضوء قبل دخول الوقت وفي أثنائه دخل لا إشكال في صحّته ، وأنّه متّصف بالوجوب(1) باعتبار ما كان بعد الوقت من أجزائه، وبالاستحباب بالنسبة إلى ما كان قبل الوقت ، فلو أراد نيّة الوجوب والندب نوى الأوّل بعد الوقت والثاني قبله .
[572] مسألة 33 : إذا كان عليه صلاة واجبة أداءً أو قضاءً ، ولم يكن عازماً على إتيانها فعلا، فتوضّأ لقراءة القرآن ، فهذا الوضوء متّصف بالوجوب(2)، وإن لم يكن الداعي عليه الأمر الوجوبي ، فلو أراد قصد الوجوب والندب لابدّ أن يقصد الوجوب الوصفيّ والندب الغائيّ; بأن يقول : أتوضّأ الوضوء الواجب امتثالا للأمر به لقراءة القرآن .
- (1) قد مرّ ما هو التحقيق.
- (2) تقدّم خلافه ، ولا يعقل الاتّصاف بالحكمين بنحو ما في المتن.
(الصفحة 160)
هذا ، ولكن الأقوى أنّ هذا الوضوء متّصف بالوجوب والاستحباب معاً، ولا مانع من اجتماعهما .
[573] مسألة 34 : إذا كان استعمال الماء بأقلّ ما يجزىء من الغسل غير مضرّ واستعمال الأزيد مضرّاً يجب عليه الوضوء كذلك ، ولو زاد عليه بطل، إلاّ أن يكون استعمال الزيادة بعد تحقّق الغسل بأقلّ المجزئ ، وإذا زاد عليه جهلا أو نسياناً لم يبطل ، بخلاف ما لو كان أصل الاستعمال مضرّاً وتوضّأ جهلا أو نسياناً، فإنّه يمكن الحكم ببطلانه(1) ; لأنّه مأمور واقعاً بالتيمّم هناك بخلاف ما نحن فيه .
[574] مسألة 35 : إذا توضّأ ثمّ ارتدّ لا يبطل وضوؤه، فإذا عاد إلى الإسلام لا يجب عليه الإعادة ، وإن ارتدّ في أثنائه ثمّ تاب قبل فوات الموالاة لا يجب عليه الاستئناف . نعم، الأحوط أن يغسل بدنه من جهة الرطوبة التي كانت عليه حين الكفر . وعلى هذا، إذا كان ارتداده بعد غسل اليسرى وقبل المسح ثمّ تاب يشكل المسح; لنجاسة الرطوبة التي على يديه .
[575] مسألة 36 :إذا نهى المولى عبده عن الوضوء في سعة الوقت إذا كان مفوّتاً لحقّه فتوضّأ يشكل الحكم بصحّته ، وكذا الزوجة(2) إذا كان وضوؤها مفوّتاً لحقّ الزوج ، والأجير مع منع المستأجر وأمثال ذلك .
[576] مسألة 37 : إذا شك في الحدث بعد الوضوء بنى على بقاء الوضوء ، إلاّ إذا كان سبب شكّه خروج رطوبة مشتبهة بالبول ولم يكن مستبرئاً ، فإنّه حينئذ يبني على أنّها بول وأنّه محدث ، وإذا شك في الوضوء بعد الحدث يبني على بقاء
الحدث ، والظنّ الغير المعتبر كالشك في المقامين ، وإن علم الأمرين وشك في المتأخّر
- (1) محلّ تأمّل ، خصوصاً في صورة الجهل بالضرر.
- (2) والظاهر الصحّة فيها وفي الأجير.
(الصفحة 161)
منهما بنى على(1) أنّه محدث إذا جهل تاريخهما، أو جهل تاريخ الوضوء ، وأمّا إذا جهلتاريخ الحدث وعلم تاريخ الوضوء بنى على بقائه ، ولا يجري استصحاب الحدث حينئذ حتّى يعارضه ; لعدم اتّصال الشك باليقين به حتّى يحكم ببقائه ، والأمر في صورة جهلهما أو جهل تاريخ الوضوء وإن كان كذلك، إلاّ أنّ مقتضى شرطيّة الوضوء وجوب إحرازه ، ولكنّ الأحوط الوضوء في هذه الصورة أيضاً .
[577] مسألة 38 : من كان مأموراً بالوضوء من جهة الشك فيه بعد الحدث إذا نسي وصلّى فلا إشكال في بطلان صلاته بحسب الظاهر ، فيجب عليه الإعادة إن تذكّر في الوقت، والقضاء إن تذكّر بعد الوقت ، وأمّا إذا كان مأموراً به من جهة الجهل بالحالة السابقة فنسيه وصلّى يمكن أن(2) يقال بصحّة صلاته من باب قاعدة الفراغ ، لكنّه مشكل ، فالأحوط الإعادة أو القضاء في هذه الصورة أيضاً ، وكذا الحال إذا كان من جهة تعاقب الحالتين والشك في المتقدّم منهما .
[578] مسألة 39 : إذا كان متوضّئاً وتوضّأ للتجديد وصلّى ثمّ تيقّن بطلان أحد الوضوءين ولم يعلم أيّهما لا إشكال في صحّة صلاته ، ولا يجب عليه الوضوء
للصلوات الآتية أيضاً، بناءً على ما هو الحقّ من أنّ التجديدي إذا صادف الحدث صحّ ، وأمّا إذا صلّى بعد كلّ من الوضوءين ثمّ تيقّن بطلان أحدهما فالصلاة الثانية
- (1) الظاهر أنّه يجب الأخذ بضدّ الحالة السابقة في مجهولي التاريخ ، سواء كانت الحالة السابقة هي الطهارة أو الحدث ، وفيما إذا كان أحدهما معلوماً ، فإن كانت الحالة السابقة هي الحدث وعلم بتاريخ الطهارة فالحكم هو البقاء على الطهارة ، وإن كان في هذا الفرض تاريخ الحدث معلوماً فالحكم وجوب تحصيل الطهارة ، وإن كانت الحالة السابقة هي الطهارة ، فإن كان تاريخ الطهارة اللاحقة معلوماً فالحكم أيضاً وجوب تحصيلها، وكذا لو كان في هذا الفرض تاريخ الحدث معلوماً، وأمّا إذا لم تكن الحالة السابقة معلومة فالحكم في جميع الصور الثلاثة المذكورة في المتن هو لزوم تحصيل الطهارة.
- (2) الظاهر هو البطلان فيه وفيما بعده.