(الصفحة 363)
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصلاة
مقدّمة : في فضل الصلوات اليوميّة وأنّها أفضل الأعمال الدينيّة .
إعلم أنّ الصلاة أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، وهي آخر وصايا الأنبياء (عليهم السلام) ، وهي عمود الدين، إذا قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها ، وهي أوّل ما ينظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحّت نظر في عمله، وإن لم تصحّ لم ينظر في بقيّة عمله، ومثلها كمثل النهر الجاري، فكما أنّ من اغتسل فيه في كلّ يوم خمس مرّات لم يبق في بدنه شيء من الدرن، كذلك كلّما صلّى صلاة كفّر ما بينهما من الذنوب، وليس ما بين المسلم وبين أن يكفر إلاّ أن يترك الصلاة ، وإذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد، فأوّل شيء يسأل عنه الصلاة، فإذا جاء بها تامّة، وإلاّ زخّ في النار .
وفي الصحيح قال مولانا الصادق(عليه السلام) : «ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريم(عليهما السلام) قال : وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً» . وروى الشيخ في حديث عنه(عليه السلام) قال : «وصلاة فريضة تعدل عند الله ألف حجّة وألف عمرة مبرورات متقبّلات» .
(الصفحة 364)
وقد استفاضت الروايات في الحثّ على المحافظة عليها في أوائل الأوقات، وأنّ من استخفّ بها كان في حكم التارك لها ، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «ليس منّي من استخفّ بصلاته» . وقال : «لا ينال شفاعتي من استخفّ بصلاته» . وقال : «لا تضيّعوا صلاتكم، فإنّ من ضيّع صلاته حشر مع قارون وهامان، وكان حقّاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين» . وورد : بينا رسول الله(صلى الله عليه وآله) جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام فصلّى فلم يتمّ ركوعه ولا سجوده، فقال(صلى الله عليه وآله) : «نقر كنقر الغراب، لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتنّ على غير ديني» . وعن أبي بصير قال : دخلت على اُمّ حميدة اُعزّيها بأبي عبد الله(عليه السلام) فبكت وبكيت لبكائها، ثمّ قالت : يا أبا محمّد لو رأيت أبا عبد الله(عليه السلام) عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه ثمّ قال : «اجمعوا كلّ من بيني وبينه قرابة» قالت : فما تركنا أحدا إلاّ جمعناه، فنظر إليهم ثمّ قال : «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة» . وبالجملة ما ورد من النصوص في فضلها أكثر من أن يحصى ، ولله درّ صاحب الدرّة، حيث قال :
- تنهى عن المنكر والفحشاء
تنهى عن المنكر والفحشاء
-
أقصر فهذا منتهى الثناء
أقصر فهذا منتهى الثناء
فصل
في أعداد الفرائض ونوافلها
الصلوات الواجبة ستّة : اليومية ومنها الجمعة ، والآيات ، والطواف الواجب ، والملتزم بنذر(1) أو عهد أو يمين أو إجارة ، وصلاة الوالدين على الولد الأكبر ،
- (1) قد مرّ مراراً أنّ الواجب بسبب هذه الاُمور هي عناوين خاصّة، ولا يتعدّى الحكم عنها إلى الصلاة المتّحدة معها، فالواجب في نذر الصلاة مثلاً عنوان الوفاء بالنذر لا الصلاة .
(الصفحة 365)
وصلاة الأموات .
أمّا اليومية فخمس فرائض : الظهر أربع ركعات ، والعصر كذلك ، والمغرب ثلاث ركعات ، والعشاء أربع ركعات ، والصبح ركعتان ، وتسقط في السفر من الرباعيات ركعتان ، كما أنّ صلاة الجمعة أيضاً ركعتان .
وأمّا النوافل فكثيرة، آكدها الرواتب اليومية; وهي في غير يوم الجمعة أربع وثلاثون ركعة : ثمان ركعات قبل الظهر ، وثمان ركعات قبل العصر ، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء من جلوس تعدّان بركعة، ويجوز فيهما القيام، بل هو الأفضل، وإن كان الجلوس أحوط، وتسمّى بالوتيرة ، وركعتان قبل صلاة الفجر ، وإحدى عشر ركعة صلاة الليل; وهي ثمان ركعات، والشفع ركعتان، والوتر ركعة واحدة ، وأمّا في يوم الجمعة فيزاد على الست عشرة أربع ركعات ، فعدد الفرائض سبع عشرة ركعة ، وعدد النوافل ضعفها بعد عدّ الوتيرة ركعة ، وعدد مجموع الفرائض والنوافل إحدى وخمسون . هذا، ويسقط في السفر نوافل الظهرين والوتيرة(1) على الأقوى .
[1176] مسألة 1 : يجب الإتيان بالنوافل ركعتين ركعتين إلاّ الوتر فإنّها ركعة ، ويستحب في جميعها القنوت حتّى الشفع(2) على الأقوى في الركعة الثانية ، وكذا يستحب في مفردة الوتر .
[1177] مسألة 2 : الأقوى استحباب الغفيلة; وهي ركعتان بين المغرب والعشاء ، ولكنّها ليست من الرواتب ، يقرأ فيها في الركعة الاُولى بعد الحمد :
(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِى الظُّلُمَاتِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّأَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ
- (1) والأحوط إتيانها رجاءاً .
- (2) الأولى الإتيان به رجاءاً .
(الصفحة 366)
نُنْجِى الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء21 : 87 ـ 88] . وفي الثانية بعد الحمد
[الأنعام 6 : 59] ، ويستحب أيضاً بين المغرب والعشاء(1) صلاة الوصيّة ; وهي أيضاً ركعتان يقرأ في اُولاهما بعد «الحمد» ثلاث عشرة مرّة سورة «إذا زلزلت الأرض» ، وفي الثانية بعد «الحمد» سورة «التوحيد» خمس عشرة مرّة .
[1178] مسألة 3 : الظاهر أنّ صلاة الوسطى التي تتأكّد المحافظة عليها هي الظهر ، فلو نذر أن يأتي بالصلاة الوسطى في المسجد أو في أوّل وقتها مثلاً أتى بالظهر .
[1179] مسألة 4 : النوافل المرتّبة وغيرها يجوز إتيانها جالساً ولو في حال الاختيار ، والأولى حينئذ عدّ كلّ ركعتين بركعة، فيأتي بنافلة الظهر مثلاً ست عشرة ركعة ، وهكذا في نافلة العصر ، وعلى هذا يأتي بالوتر مرّتين كلّ مرّة ركعة .
فصل
في أوقات اليوميّة ونوافلها
وقت الظهرين ما بين الزوال والمغرب، ويختصّ الظهر بأوّله مقدار أدائها بحسب حاله ، ويختصّ العصر بآخره كذلك ، وما بين المغرب ونصف الليل وقت للمغرب والعشاء ، ويختصّ المغرب بأوّله بمقدار أدائه ، والعشاء بآخره كذلك ، هذا
للمختار ، وأمّا المضطرّ لنوم أو نسيان أو حيض أو نحو ذلك من أحوال الاضطرار
- (1) بل بين المغرب وسقوط الشفق الغربي، وكذا في صلاة الوصيّة .
(الصفحة 367)
أن لا ينوي الأداء والقضاء ، بل الأولى ذلك في المضطر أيضاً ، وما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس وقت الصبح ، ووقت الجمعة من الزوال إلى أن يصير الظلّ(3) مثل الشاخص ، فإن أخّرها عن ذلك مضى وقته ووجب عليه الإتيان بالظهر .
ووقت فضيلة الظهر من الزوال إلى بلوغ الظلّ الحادث بعد الانعدام أو بعد الانتهاء مثل الشاخص ، ووقت فضيلة العصر من المثل(4) إلى المثلين على المشهور ، ولكن لا يبعد أن يكون من الزوال إليهما ، ووقت فضيلة المغرب من المغرب إلى ذهاب الشفق أي الحمرة المغربية ، ووقت فضيلة العشاء من ذهاب الشفق إلى ثلث الليل ، فيكون لها وقتا إجزاء: قبل ذهاب الشفق، وبعد الثلث إلى النصف ، ووقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر إلى حدوث(5) الحمرة في المشرق .
[1180] مسألة 1 : يعرف الزوال بحدوث ظلّ الشاخص المنصوب معتدلاً في أرض مسطّحة بعد انعدامه، كما في البلدان التي تمرّ الشمس على سمت الرأس كمكّة
- (1) والأحوط الإتيان بهما بقصد ما في الذمّة، ولو لم يبق إلى طلوعه بمقدار الصلاتين يأتي بالعشاء احتياطاً، والأحوط قضاؤهما بعد الوقت مترتّباً .
- (2) فيه إشكال، بل منع .
- (3) فيه إشكال، والأحوط أن لا يتحقّق التأخير من الأوّل العرفي للزوال .
- (4) بل مبدأ فضيلة العصر إذا بلغ الظلّ أربعة أقدام أي أربعة أسباع الشاخص، وأن لا يبعد أن يكون مبدئها بعد مقدار أداء الظهر .
- (5) ولعلّ حدوثها يساوق مع زمان التجلّل والإسفار وتنوّر الصبح، وكذا الإضائة المنصوص بها .