(الصفحة 560)
عن الأحياء في الواجبات، وإن كانوا عاجزين عن المباشرة إلاّ الحجّ إذا كان مستطيعاً وكان عاجزاً عن المباشرة . نعم، يجوز إتيان المستحبات وإهداء ثوابها للاحياء كما يجوز ذلك للأموات ، ويجوز النيابة عن الأحياء في بعض المستحبات .
[1813] مسألة 1 : لا يكفي في تفريغ ذمة الميّت إتيان العمل وإهداء ثوابه، بل لابدّ إمّا من النيابة عنه بجعل نفسه نازلاً منزلته، أو بقصد(1) إتيان ما عليه له ولو لم ينزّل نفسه منزلته، نظير أداء دين الغير ، فالمتبرّع بتفريغ ذمة الميّت له أن ينزِّل نفسه منزلته، وله أن يتبرّع بأداء دينه من غير تنزيل ، بل الأجير أيضاً يتصوّر فيه الوجهان، فلا يلزم أن يجعل نفسه نائباً، بل يكفي أن يقصد إتيان ما على الميّت وأداء دينه الذي لله .
فربما يستشكل فيه ، بل ربما يقال من هذه الجهة: أنّه لا يعتبر فيه قصد القربة، بل يكفي الإتيان بصورة العمل عنه ، لكن التحقيق(3) أنّ أخذ الاُجرة داع لداعي
- (1) فيه إشكال، والتنظير بأداء الدين في غير محلّه، فإنّه لا يعتبر فيه الصدور من المديون والانتساب إليه، بل المعتبر وصوله إلى الدائن . وأمّا في المقام فالمعتبر صدوره من الشخص والانتساب إليه، وهو لا يتحقّق إلاّ بالنيابة عنه .
- (2) لا بلحاظ أصل التبرّع، بل بلحاظ العمل .
- (3) بل التحقيق أنّه بعد حكم الشارع بصحّة النيابة وقوع العبادة للمنوب عنه، يكون لازمه أنّ القربة المنويّة هي قرب المنوب عنه لا قرب النائب، فمرجعه إلى إمكان تحصيل قرب المنوب عنه بفعل النائب، من دون فرق بين أن يكون فعل النائب لداعي القربة أو أخذ الاُجرة، وأمّا ما أفاده من الوجهين فلا يندفع بهما الإشكال، خصوصاً الثاني; لأنّ الأمر الإجاري إنّما يكون متعلّقاً بعنوان الوفاء بعقد الإجارة، ولا يكون تابعاً للعمل المستأجر عليه أصلاً، ومن المعلوم أنّ الوفاء به بعنوانه لا يكون من العبادات .
(الصفحة 561)
القربة، كما في صلاة الحاجة وصلاة الاستسقاء، حيث إنّ الحاجة ونزول المطر داعيان إلى الصلاة مع القربة ، ويمكن أن يقال : إنّما يقصد القربة من جهة الوجوب عليه من باب الإجارة ، ودعوى أنّ الأمر الإجاري ليس عبادياً بل هو توصّلي، مدفوعة بأنّه تابع للعمل المستأجر عليه ، فهو مشترك بين التوصّلية والتعبّدية .
[1815] مسألة 3 : يجب على من عليه واجب من الصلاة أو الصيام أو غيرهما من الواجبات أن يوصي به، خصوصاً مثل الزكاة والخمس والمظالم والكفارات من الواجبات المالية ، ويجب على الوصي إخراجها من أصل التركة في الواجبات المالية، ومنها الحجّ الواجب ولو بنذر ونحوه ، بل وجوب إخراج الصوم والصلاة من الواجبات البدنية أيضاً من الأصل لا يخلو عن قوّة(1); لأنّها دين الله ودين الله أحقّ أن يقضى .
[1816] مسألة 4 : إذا علم أنّ عليه شيئاً من الواجبات المذكورة وجب إخراجها(2) من تركته وإن لم يوص به ، والظاهر أنّ إخباره بكونها عليه يكفي في وجوب الإخراج من التركة .
[1817] مسألة 5 : إذا أوصى بالصلاة أو الصوم ونحوهما ولم يكن له تركة لا يجب على الوصي أو الوارث إخراجه من ماله، ولا المباشرة إلاّ ما فات منه لعذر من الصلاة والصوم، حيث يجب على الولي وإن لم يوص بهما . نعم، الأحوطمباشرة الولد ذكراً كان أو اُنثى مع عدم التركة إذا أوصى بمباشرته لهما، وإن لم يكن ممّا يجب على الولي، أو أوصى إلى غير الولي بشرط أن لا يكون مستلزماً للحرج
- (1) بل الظاهر هو الخروج من الثلث .
- (2) فيما يجب إخراجه من أصل التركة في صورة الوصيّة .
- (3) إذا كان الملاك وجوب الإطاعة كما هو الظاهر، فشمول دليل الوجوب لمثل ذلك غير معلوم.
(الصفحة 562)
من جهة كثرته . وأمّا غير الولد ممّن لا يجب عليه إطاعته فلا يجب عليه، كما لا يجب
على الولد أيضاً استئجاره إذا لم يتمكّن من المباشرة، أو كان أوصى بالاستئجار عنه لا بمباشرته .
[1818] مسألة 6 : لو أوصى بما يجب عليه من باب الاحتياط وجب إخراجه(1) من الأصل أيضاً ، وأمّا لو أوصى بما يستحب عليه من باب الاحتياط وجب العمل به، لكن يخرج من الثلث، وكذا لو أوصى بالاستئجار عنه أزيد من عمره، فإنّه يجب العمل به والإخراج من الثلث ; لأنّه يحتمل أن يكون ذلك من جهة احتماله الخلل في عمل الأجير ، وأمّا لو علم فراغ ذمّته علماً قطعياً فلا يجب وإن أوصى به ، بل جوازه أيضاً محلّ إشكال .
[1819] مسألة 7 : إذا آجر نفسه لصلاة أو صوم أو حجّ فمات قبل الإتيان به، فإن اشترط المباشرة بطلت الإجارة بالنسبة إلى ما بقي عليه، وتشتغل ذمّته بمال الإجارة إن قبضه، فيخرج من تركته ، وإن لم يشترط المباشرة وجب استئجاره من تركته إن كان له تركة ، وإلاّ فلا يجب على الورثة كما في سائر الديون إذا لم يكن له تركة . نعم، يجوز تفريغ ذمته من باب الزكاة أو نحوها أو تبرّعاً .
[1820] مسألة 8 : إذا كان عليه الصلاة أو الصوم الاستئجاري ومع ذلك كان عليه فوائت من نفسه، فإن وفت التركة بهما فهو، وإلاّ قدّم الاستئجاري; لأنّه من قبيل دين الناس .
[1821] مسألة 9 : يشترط في الأجير أن يكون عارفاً(2) بأجزاء الصلاة وشرائطها ومنافياتها وأحكام الخلل عن اجتهاد أو تقليد صحيح .
- (1) فيما كان أصله مخرجاً من الأصل .
- (2) بل يشترط أن يكون عمله صحيحاً، ولو من جهة العلم بعدم عروض الخلل في عمله أو الاحتياط .
(الصفحة 563)
[1822] مسألة 10 : الأحوط اشتراط عدالة الأجير، وإن كان الأقوى كفاية
الاطمئنان بإتيانه على الوجه الصحيح وإن لم يكن عادلاً .
[1823] مسألة 11 : في كفاية استئجار غير البالغ ولو بإذن وليه إشكال، وإن قلنا بكون عباداته شرعية، والعلم بإتيانه على الوجه الصحيح ، وإن كان لا يبعدذلك مع العلم المذكور، وكذا لو تبرّع عنه مع العلم المذكور .
[1824] مسألة 12 : لا يجوز استئجار ذوي الأعذار، خصوصاً من كان صلاته بالايماء أو كان عاجزاً عن القيام، ويأتي بالصلاة جالساً ونحوه، وإن كان ما فات من الميّت أيضاً كان كذلك ، ولو استأجر القادر فصار عاجزاً وجب عليه التأخير إلى زمان رفع العذر ، وإن ضاق الوقت انفسخت الإجارة .
[1825] مسألة 13 : لو تبرّع العاجز عن القيام مثلاً عن الميّت ففي سقوطه عنه إشكال .
[1826] مسألة 14 : لو حصل للأجير سهو أو شك يعمل بأحكامه على وفق تقليده أو اجتهاده ، ولا يجب عليه إعادة الصلاة .
[1827] مسألة 15 : يجب على الأجير أن يأتي بالصلاة على مقتضى تكليف الميّت اجتهاداً أو تقليداً ، ولا يكفي(2) الإتيان بها على مقتضى تكليف نفسه ، فلو كان يجب عليه تكبير الركوع أو التسبيحات الأربع ثلاثاً، أو جلسة الاستراحة اجتهاداً أو تقليداً، وكان في مذهب الأجيرعدم وجوبها يجب عليه الإتيان بها ، وأمّا
لو انعكس فالأحوط الإتيان بها أيضاً; لعدم الصحّة عند الأجير على فرض الترك ،
- (1) فيه تأمّل.
- (2) الظاهر هي الكفاية إلاّ مع شرط الزائد في عقد الإجارة .
(الصفحة 564)
ويحتمل الصحّة(1) إذا رضي المستأجر بتركها ، ولا ينافي ذلك البطلان في مذهب الأجير إذا كانت المسألة اجتهادية ظنّية; لعدم العلم بالبطلان، فيمكن قصد القربة
الاحتمالية . نعم، لو علم علماً وجدانياً بالبطلان لم يكف; لعدم إمكان قصد القربة حينئذ ، ومع ذلك لا يترك الاحتياط .
[1828] مسألة 16 : يجوز استئجار كلّ من الرجل والمرأة للآخر، وفي الجهر والإخفات يراعى حال المباشر ، فالرجل يجهر في الجهرية وإن كان نائباً عن المرأة ، والمرأة مخيّرة وإن كانت نائبة عن الرجل .
[1829] مسألة 17 : يجوز مع عدم اشتراط الانفراد الإتيان بالصلاة الاستئجارية جماعة، إماماً كان الأجير أو مأموماً ، لكن يشكل الاقتداء بمن يصلّي الاستئجاري إلاّ إذا علم اشتغال ذمة من ينوب عنه بتلك الصلاة، وذلك لغلبة كون الصلوات الاستئجارية احتياطية .
[1830] مسألة 18 : يجب على القاضي عن الميّت أيضاً مراعاة الترتيب في فوائته مع العلم به ، ومع الجهل يجب اشتراط(2) التكرار المحصّل له، خصوصاً إذا عـلم أنّ الميّت كان عالماً بالترتيب .
[1831] مسألة 19 : إذا استؤجر لفوائت الميّت جماعة يجب أن يعيّن الوقت لكلّ منهم ليحصل الترتيب الواجب ، وأن يعيّن لكلّ منهم أن يبدأ في دوره بالصلاة الفلانية مثل الظهر ، وأن يتمّم اليوم والليلة في دوره ، وأنّه إن لم يتمم اليوم والليلة بل مضى وقته وهو في الأثناء أن لا يحسب ما أتى به، وإلاّ لاختلّ الترتيب ، مثلاً إذا صلّى الظهر والعصر فمضى وقته ، أو ترك البقية مع بقاء الوقت ففي اليوم الآخر يبدأ
- (1) لا مجال لهذا الاحتمال، بل لو قيّدت الإجارة بالعدم تكون صحّة الإجارة محلّ إشكال.
- (2) قد مرّ أنّه لا يجب في صورة الجهل .