(الصفحة 12)
قلت: فما الـفرق بينهما؟
قال:
«لأنّ ما يخرج من الـمرأة إنّما هو من ماء الـرجل».(1)
و دلالتها على عدم وجوب الـغسل مع الـعلم بكون الـخارج منها ماء الـرجل واضحـة.
نعم، ربّما يستفاد منها أنّ الـحكم في صورة الـشكّ، أيضاً هو الـحمل على كونه ماء الـرجل; إمّا تعبّداً، و إمّا لأجل ما عرفت: من أنّ منيّ الـمرأة يستقرّ في الـرحم غا لـباً.
ولكنّ الـحكم بعدم وجوب الـغسل عليها في هذه الـصورة، لايترتّب على الاستفادة الـمذكورة; فإنّ مجرّد عدم إحراز كونه منها يكفي في عدم الـوجوب، كما إذا كان أصل الـخروج مشكوكاً، و عليه فلاوجه لما عن «ا لـدروس» و «ا لـبيان» من وجوب الـغسل مع الـشكّ.
كما أنّه لا اعتبار با لـظنّ على ما حكي عن «نهايـة الأحكام» لعدم الـدليل على اعتباره. هذا كلّه فيما لو علم بكون الـخارج منيّاً.
فيما لو شكّ في كونه منيّاً
و أمّا لو شكّ في ذلك، و احتمل كونه منيّاً، ففي الـمتن أنّ الـصحيح يرجع في معرفته إلى اجتماع الـدفق، و الـشهوة، و فتور الـجسد. و قد صرّح جلّ الأعلام ـ لولا كلّهم ـ بأنّ ما اجتمع فيه الأوصاف هو الـماء الأعظم، الـذي رتّب الـشارع عليه أحكامه.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 13، الـحديث 1.
(الصفحة 13)
و يدلّ عليه صحيحـة علي بن جعفر (عليه السلام) الـمتقدّمـة، قال: سأ لـته عن الـرجل يلعب مع الـمرأة، و يقبّلها، فيخرج منه الـمنيّ، فما عليه؟
قال:
«إذا جاءت الـشهوة، و دفع و فتر لخروجه، فعليه الـغسل، و إن كان إنّما هو شيء لم يجد له فترة و لا شهوة، فلا بأس».(1)
و قد مرّ أنّ الـمرويّ في محكيّ «كتاب علي بن جعفر» هو: «فيخرج منه الـشيء». و هو الأنسب با لـجواب، كما لايخفى.
و كيف كان: فلا إشكال في أنّه مع اجتماع الـصفات الـمذكورة، يجب الـحكم بكون الـخارج منيّاً، و إن لم يعلم كونه كذلك، نعم عن بعض اعتبار خصوصيـة في الـرائحـة أيضاً. إنّما الإشكال في أنّه هل يعتبر اجتماع تلك الـصفات، كما هو ظاهر الـمتن و غيره و صريح بعض، أم لا؟
و الأقوال في هذه الـمسأ لـة متكثّرة، فعن ظاهر بعض الاكتفاء با لـدفق و الـشهوة، و عن بعض آخر الاكتفاء با لـدفق و فتور الـبدن، و عن ظاهر آخرين اعتبار الـدفق خاصّـة، و عن جماعـة الاكتفاء بحصول واحد من الأوصاف الـثلاثـة، و عن بعض الاكتفاء با لـرائحـة فقط مع نفي الـخلاف عنه; معلّلاً له بتلازم الـصفات، إلاّ لعارض، فوجود بعضها كاف.
و الـحقّ: أنّه لو قلنا بعدم انفكاك الأوصاف الـثلاثـة بعضها عن بعض، بل بعدم انفكاك وصف الـرائحـة ـ الـتي هي عبارة عن كونها كرائحـة الـطلع و الـعجين رطباً، و بياض الـبيض جافّاً ـ عنها، فلايبقى موقع للبحث عن كفايـة الـواحدة، أو اعتبار اجتماع الـثلاث، بل الأربع.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 8، الـحديث 1.
(الصفحة 14)
كما أنّه لا مجال للإشكال على الـقائل باعتبار الـرائحـة أيضاً، أو كفايتها: بعدم الـدليل عليها أصلاً; لأنّه مع عدم الانفكاك لاوجه لشيء من ذلك. كما أنّ لازمه حصول الـوثوق، بل الـعلم بكونه منيّاً، فتدبّر.
و أمّا لو قلنا بإمكان الانفكاك; و عدم ندرته، و يؤيّده وجوده في الـمريض و الـمرأة على ما سيأتي، فا لـلازم حينئذ ملاحظـة الـدليل، و أنّه هل مقتضاه اعتبار الاجتماع، أو عدمه؟
و نقول: ظاهر صدر صحيحـة ابن جعفر (عليه السلام) اعتبار اجتماع الـصفات الـثلاث: من الـشهوة، و الـدفع، و الـفتور، في الـرجل الـذي هو موردها بضميمـة كونه صحيحاً غير مريض، الـذي هو منصرفها.
نعم، ذيل الـصحيحـة الـذي هو في الـحقيقـة تعبير عمّا يفهم من الـصدر عند الـعرف، يعارض ما هو ظاهر الـصدر; من جهـة ظهوره في أنّ عدم وجوب الـغسل، إنّما هو مع عدم ثبوت شيء من الأوصاف، ولو كان الـمجموع دخيلاً في الـحكم، لكان يكفي عدم ثبوته ولو بانتفاء واحد منها، و من جهـة عدم الـتعرض لذكر الـدفع، و الاقتصار على الـوصفين الآخرين.
كما أنّه ربّما يقال: بأنّه ينافي ظاهر الـصدر غير واحد من الأخبار، الـدالّـة على وجوب الـغسل عند إنزال الـماء من شهوة، و كذا ينافيه صحيح عبدا للّه بن أبي يعفور، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: قلت له: الـرجل يرى في الـمنام، و يجد الـشهوة، فيستيقظ فينظر فلايجد شيئاً، ثمّ يمكث الـهون بعد فيخرج.
قال:
«إن كان مريضاً فليغتسل، و إن لم يكن مريضاً فلا شيء عليه».
قلت: فما فرق بينهما؟
(الصفحة 15)
قال:
«لأنّ الـرجل إذا كان صحيحاً جاء الـماء بدفقـة قويّـة، و إن كان مريضاً لم يجئ إلاّ بعد».(1)
و كذا حسنـة زرارة، أو صحيحته، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«إذا كنت مريضاً فأصابتك شهوة، فإنّه ربّما كان هو الـدافق، لكنّه يجيء مجيئاً ضعيفاً ليست له قوّة; لمكان مرضك، ساعـة بعد ساعـة، قليلاً قليلاً، فاغتسل منه».(2)
نظراً إلى ظهورهما في أنّ الـفرق بين الـصحيح و الـمريض ليس هو قصور شهوة الأوّل عن الـطريقيـة، و عدم قصور شهوة الـثاني، بل هو أنّ عدم الـدفق في الـصحيح أمارة الـعدم، دون الـمريض، مع تساوي شهوتيهما في الـطريقيـة إلى كون الـخارج منيّاً.
فيكون الـوجه في عدم الـحكم بكون الـخارج منيّاً ـ إذا خرج من الـصحيح مع الـشهوة بلا دفق ـ هو تعارض الأمارتين، و لا كذلك في الـخارج من الـمريض مع الـشهوة بلا دفق; لأنّ الـشهوة فيه أمارة، و عدم الـدفق ليس بأمارة على الـعدم، فيحكم بكونه منيّاً، عملاً بطريقيـة الـشهوة.
أقول: أمّا الأخبار الـدالّـة على وجوب الغسل عند إنزال الماء من شهوة، فموردها الـمرأة كما يظهر با لـتتبع فيها، و الـكلام فعلاً في الـرجل دونها، فلا مجال للنظر فيها، كما في «ا لـمصباح».
و أمّا الـصحيحان، فمقتضى الـتأمّل فيهما أنّ وجدان الـشهوة، أو إصابتها، لايكفي بمجرّده في الـطريقيـة و الأماريـة، بل الـطريق في الـصحيح هو الـشهوة و الـدفق،
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 8، الـحديث 3.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 8، الـحديث 5.
(الصفحة 16)
وحيث إنّ الـمريض فاقد للأمر الـثاني، فا لـطريق بالإضافـة إليه هي الـشهوة فقط.
و عليه فعدم الـدفق في غير الـمريض، لايكون أمارة على الـعدم حتّى يتحقّق الـتعارض بينه و بين الأمارة على الـثبوت، بل يوجب عدم ثبوت الـطريق، كيف؟! ولو كان الـوجه في عدم الـحكم بكون الـخارج منيّاً ـ إذا خرج من الـصحيح مع الـشهوة بلا دفق ـ هو تعارض الأمارتين، لكان الـلازم الـرجوع مع الـتعارض إلى أصا لـة الـبرائـة، أو استصحاب عدم الـجنابـة، ضرورة أنّه بمجرّد الـتعارض لاوجه للحكم بعدم كونه منيّاً موجباً للغسل، مع أنّه ليس في الـصحيحين إشعار بذلك.
و الإنصاف: أنّه لامجال لإنكار دلالـة الـصحيحين على مدخليـة الـشهوة و الـدفق معاً، بالإضافـة إلى الـصحيح، و عليه فمنافاتهما لظاهر صدر صحيحـة علي بن جعفر(عليه السلام)إنّما هي من جهـة دلالته على اعتبار اُمور ثلاثـة، ودلالتهما على اعتبار أمرين فقط. كما أنّ أحد وجهي الـمنافاة بين الـصدر و الـذيل فيه أيضاً ذلك.
نعم، الأمران في الـصحيحين هما الـشهوة و الـدفق، و في ذيل الـصحيحـة هما الـشهوة و الـفترة.
و الـذي يقوّى في الـنظر في مقام دفع الـمنافاة أن يقال: إنّ ظهور ذيل الـصحيحـة في عدم اعتبار اجتماع الأوصاف الـثلاثـة، ليس بحيث يقاوم ظهور الـصدر في اعتباره، و ما ذكر من كونه تعبيراً عمّا يفهم من الـصدر، فهو إنّما يتمّ بالإضافـة إلى بعض الـمصاديق.
و بعبارة اُخرى: الـجمع الـعرفي بين الـصدر و الـذيل يقضي ببقاء الـصدر على ظهوره، و حمل الـذيل على كون موضوعه بعض مصاديق مفهوم الـشرطيـة الاُولى، و عدم الـتعرّض للبعض الآخر.