(الصفحة 348)
با لـذكر إنّما هو للإشارة إلى بطلان ما حكي عن الـشافعي في أصحّ قوليه من الـمنع قياساً على الـماء الـمستعمل في رفع الـحدث الأكبر، و الـوجه فيه بطلان الـقياس، و الـمراد با لـمستعمل على ما ذكره بعض هو الـممسوح به، أو الـمتساقط عن محلّ الـضرب لا الـمضروب، فإنّه ليس بمستعمل عند الـجميع.
وكذا يجوز التيمّم با لتراب ذي اللون، لعدم الـفرق بين أقسام الـتراب من الأبيض و الأسود و الأصفر و الأحمر بإجماع الـعلماء، كما عن «ا لـتذكرة» لإطلاق الـتراب.
ا لـتيمّم با لـرماد
ا لـرابع: لايجوز الـتيمّم با لـرماد و إن كان من الأرض بلا إشكال و لاخلاف في الـجملـة، لعدم كونه أرضاً، و تؤيّده روايـة الـسكوني الـمتقدّمـة.
لكن ربّما يقال: إنّ الـتعليل فيها بعدم خروجه من الأرض و خروجه من الـشجر ربّما يقتضي جوازه برماد الـتراب و الـحجارة، و ليس با لـبعيد; إذ الـظاهر عدم خروج أجزاء الأرض بتأثّرها من الـنار، أو حرارة الـشمس، و صيرورتها رماداً من كونها من أجزاء الأرض حقيقـة.
وا لـظاهر عدم تماميـة هذا الـقول; لأنّ الـرماد حقيقـة غير حقيقـة الـتراب و الـحجر عرفاً، و ليس تبدّلهما به تبدّل صفـة مع بقاء الـذات، بل تبدّل حقيقـة بالاُخرى عرفاً و عقلاً. و منه يظهر أنّه مع الـشكّ في الـجواز لايبقى مجال للاستصحاب أصلاً; لعدم اتّحاد الـقضيتين بعد انتفاء الـحقيقـة الأوّليـة، و حدوث الـثانويـة.
و أمّا الـروايـة فقد عرفت ضعفها، فلايبقى مجال لمقتضى الـتعليل فيها، كما لايخفى. و كذا الـتعليل في روايـة الـراوندي: قيل هل يتيمّم با لـرماد؟
(الصفحة 349)
قال:
«لا; لأنّ الـرماد لم يخرج من الأرض».(1)
وكذا في رواية «ا لجعفريات»:
«ولايجوز با لـرماد; لأنّه لم يخرج من الأرض».(2)
مع أنّه ربّما يقال: إنّ الـتعليل لا دلالـة له إلاّ على الـمنع من كلّ ما لم يخرج من الأرض، و أمّا الـجواز بكلّ ما خرج منها فلا، و إلاّ لفهم منه جوازه با لـنباتات، و لكن فيه كلام يأتي في بحث الـمعادن إن شاء اللّه تعا لـى.
ا لـتيمّم با لـمعادن
ا لـخامس: لايجوز الـتيمّم با لـمعادن الـخارجـة من اسم الأرض، و إن كان منها، وكذا با لـنبات و الـشجر بلا إشكال و لاخلاف، إلاّ من ابن أبي عقيل; حيث إنّه حكي عنه أنّه جوّزه بالأرض، و بكلّ ما كان من جنسها كا لـكحل و الـزرنيخ; لأنّه يخرج من الأرض، و إن كان يمكن أن يقال: إنّ مراده من قوله: من جنسها، مالايخرج عن مسمّاها، فيوافق الـمشهور، و إن كان الـمثال و الـتعليل ربّما لايجتمعان مع ذلك.
و كيف كان يدلّ على عدم الـجواز ـ مضافاً إلى الـشهرة الـمحقّقـة و الإجماعات الـمنقولـة ـ ظواهر الأدلّـة الـدالّـة على انحصار ما يتيمّم به في الأرض و الصعيد، و أنّ ما خرج عن مسمّاها، و لاينطبق عليه عنوان الـصعيد و الأرض لايجوز الـتيمّم به، من دون فرق بين ما إذا كان أصله غير الأرض، أو كان أصله منها.
و ممّا ذكرنا ظهر أنّ عنوان الـمعدن لايكون موضوعاً للحكم با لـعدم، بل الـملاك هو الـخروج عن مسمّى الأرض، فلو فرض صدق عنوان الأرض على بعض الـمعادن
- (1)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـتيمّم، الـباب 6، الـحديث 2.
- (2)
مستدرك الـوسائل، أبواب الـتيمّم، الـباب 6، الـحديث 3.
(الصفحة 350)
لامانع من الـتيمّم به، كحجر الـرمى و طين الـرأس و الأرمني و شبهها من الـمعادن الـمنطبق عليها عنوان الأرض.
ثمّ إنّه ربّما يستدلّ على الـجواز بمطلق الـمعادن الـمتكوّنـة من الأرض الـمتحصّلـة منها، و إن لم ينطبق عليه عنوانها فعلاً با لـروايات الـمتقدّمـة الـواردة في الـرماد الـناهيـة عن الـتيمّم به، الـمعلّلـة بعدم الـخروج من الأرض، و قد عرفت الإيراد على الاستدلال بتعليلها.
و لكنّه أجاب عنه الـماتن ـ دام ظلّه ـ في رسا لـة الـتيمّم بما محصّله: أنّه بعد بطلان الـنقض با لـنباتات ـ لأنّها نابتـة من الأرض، لا متبدّلـة منها، و الـمراد من الـخروج من الأرض في الـروايات ليس مثل خروج الـنبات من الأرض، بل كخروج الـرماد من الـشجر ـ أنّ ذلك وارد لو اُريد الاستدلال
بمفهوم الـتعليل بدعوى دلالته على الـحصر و الانتفاء عند الانتفاء، ضرورة أنّ مقتضى إطلاق الـتعليل و إن كان تمام الـموضوعيـة و الـعلّيـة الـتامّـة إلاّ أنّ ذلك لايقتضي انحصار الـعلّـة، فيمكن أن يقوم شيء آخر مقامها في نفي الـجواز.
و أمّا لو اُريد الاستدلال بأنّه إذا كان عدم الـخروج من الأرض ـ الـذي يكون الـمراد به ظاهراً عدم الانقلاب منها ـ علّـة لعدم جواز الـتيمّم با لـرماد، لايمكن أن يكون الـتبدّل و الـخروج من الأرض أيضاً علّـة لعدم الـجواز، فالاستدلال على عدم جوازه با لـمعادن بأنّها خارجـة عن مسمّى الأرض ينافي مفاد الـروايات.
إن قلت: هذا إذا اُريد بقوله (عليه السلام):
«لم يخرج من الأرض» أنّه لم ينقلب منها، و أمّا لو اُريد منه أنّه لم تكن مادّته من الأرض، فلاينافي قول الـفقهاء بتقريب أنّ عدم الـجواز معلول لعلّتين:
(الصفحة 351)مسأ لـة 2: لو شكّ في كون شيء تراباً أو غيره ممّا لايتيمّم به، فإن علم بكونه تراباً في الـسابق، و شكّ في استحا لـته إلى غيره، يجوز الـتيمّم به، و إن لم يعلم حا لـته الـسابقـة، فمع انحصار الـمرتبـة الـسابقـة به يجمع بين الـتيمّم به و با لـمرتبـة الـلاحقـة من الـغبار و الـطين لو وجدت، و إلاّ يحتاط با لـجمع بين الـتيمّم به و الـصلاة في الـوقت و الـقضاء خارجه1 .
إحداهما: عدم كون مادّة الـشيء من الأرض، كما دلّت عليه الـروايات.
و الـثانيـة: عدم كون صورته من الأرض، أي الـخروج عن مسمّاها، كما ذكره الـفقهاء.
قلت: لايمكن جعل الـشيئين علّة فعلية لشيء إلاّ إذا أمكن افتراقهما في الـجملة، فإذا كان تبدّل صورة الأرض، و عدم الـخروج عن مادّتها، علّتين لعدم الـجواز، لابدّ من الالتزام بأنّه إذا لم يخرج الـشيء من الأرض لايجوز الـتيمّم به ولو صدق عليه مسمّاها، وهو كما ترى، ضرورة صحّـة الـتيمّم با لـتراب كتاباً و سنّـة و إجماعاً ولو كان أصله غير الأرض، فا لـعمدة أنّ الـروايات ضعيفـة سنداً، شاذّة، غير معمول بها.
في الـشكّ في كون شيء تراباً
(1) أمّا جواز الـتيمّم بما يشكّ في كونه تراباً مع الـعلم بكونه كذلك في الـسابق، فلجريان الاستصحاب و عدم الـمانع منه بعد كون الـشبهـة موضوعيـة، كاستصحاب الـخمريـة في الـمايع الـمشكوك الـذي كان في الـسابق خمراً، و يحتمل تبدّله إلى عنوان آخر، و تحقّق الاستحا لـة فيه، فلاينافي ما ذكرنا سابقاً من عدم جريان الاستصحاب الـموضوعي; لأنّ مورده هي الـشبهـة الـمفهوميـة و دوران الـمفهوم بين الأمرين، كما هو ظاهر.
(الصفحة 352)
و أمّا مع عدم الـعلم با لـحا لـة الـسابقـة و الانحصار با لـمشكوك، فهل ينتقل إلى الـمرتبـة الـلاحقـة من الـغبار و الـطين لو وجدت، أو يحتاط با لـجمع بين الـتيمّم به و بها؟؟ وجهان، بل قولان، اختار الأوّل الـسيّد في «ا لـعروة»، و الـثاني الـماتن دام ظلّه.
و منشأ الأوّل أنّ الـعلم الإجما لـي و إن كان حاصلاً بوجوب الـتيمّم إمّا با لـمشكوك أو با لـمرتبـة الـلاحقـة، إلاّ أنّه ينحلّ بالأصل الـذي يثبت موضوع الانتقال، و هي أصا لـة عدم وجود الـتراب، فإنّها تثبت موضوع الـحكم بوجوب الـتيمّم با لـمرتبـة الـلاحقـة، و إذا ثبت الـتكليف تعبّداً في أحد أطراف الـشبهـة انحلّ الـعلم الإجما لـي، و أمكن الـرجوع إلى أصا لـة الـبرائـة في الـطرف الآخر.
و يرد عليه: أنّ موضوع الانتقال ليس عدم وجود الـتراب، ضرورة أنّه لايشكّ في وجود الـتراب في الـعا لـم في أيّ زمان، و لا عدم كون هذا الـشيء تراباً، بل الـموضوع عدم وجدان الـمكلّف تراباً، و عدم كونه واجداً له، و هذا ربّما لايكون له حا لـة سابقـة، بل حا لـة سابقـة مضادّة، فا لـعلم الإجما لـي الـمقتضي للزوم الاحتياط بحا لـه.
مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ وجوب الـتيمّم با لـمرتبـة الـسابقـة لمّا كان من قبيل الـوجوب الـمطلق، وجب في نظر الـعقل الاحتياط في موافقته مع الـشكّ في الـقدرة عليه، كما إذا تردّد الـمايع الـمنحصر بين أن يكون ماء أو غيره، فإنّه يجب الـجمع بين الـوضوء به و الـتيمّم با لـتراب، فتدبّر.
هذا كلّه مع وجود الـمرتبـة الـلاحقـة، و مع عدمه فا لـواجب الاحتياط با لـجمع بين الـتيمّم به و الـصلاة في الـوقت، و بين الـصلاة في خارجه، لأنّ مقتضى الـعلم الإجما لـي بوجوب أحد الأمرين هو الـجمع بينهما، و لامجال لاحتمال أن يكون وجوب