(الصفحة 362)مسأ لـة 5: الـمحبوس في مكان مغصوب يجوز أن يتيمّم فيه بلا إشكال إن كان محلّ الـضرب خارج الـمغصوب، و أمّا الـتيمّم فيه مع دخول محلّ الـضرب أو به فالأقوى جوازه و إن لايخلو من إشكال، و أمّا الـتوضّوء فيه فإن كان بماء مباح فهو كا لـتيمّم فيه لابأس به، خصوصاً إذا تحفّظ من وقوع قطرات الـوضوء على أرض الـمحبس، و أمّا با لـماء الـذي في الـمحبس فإن كان مغصوباً لايجوز الـتوضّوء به ما لم يحرز رضا صاحبه كخارج الـمحبس، و مع عدم إحرازه يكون كفاقد الـماء يتعيّن عليه الـتيمّم1 .
ثمّ إنّ الـلازم هو تقديم الـتيمّم كما صرّح به في الـمتن، لأنّه لو توضّأ أوّلاً يعلم بعدم صحّـة الـتيمّم بعده، إمّا لنجاسـة أعضائه، و إمّا لنجاسـة الـتراب الـملازمـة لصحّـة الـوضوء و عدم مشروعيـة الـتيمّم، و نجاسـة الأعضاء و إن لم تمنع من صحّـة الـتيمّم عند الاضطرار لكنّها توجب نقصه بنحو لايجوز إيقاع الـنفس فيه.
في تيمّم الـمحبوس في مكان مغصوب
(1) لاإشكال في صحّـة تيمّم الـمحبوس في مكان مغصوب إن كان محلّ الـضرب خارج الـمغصوب، و إن كان الـفضاء الـذي يقع فيه الإمرار و يتحقّق فيه الـمسح هو الـفضاء الـمرتبط با لـمغصوب، إلاّ أنّ الإمرار لايعدّ تصرّفاً فيه محرّماً، مع أنّ الـيد لابدّ أن تشغل الـمقدار الـذي يسعها من الـفضاء، سواء كان بنحو الإمرار أو بغيره، و الـمفروض عدم كون محلّ الـضرب الـذي يكون الـضرب عليه تصرّفاً فيه مغصوباً، أو تصرّفاً فيه بغير رضا صاحبه، فلا وجه لبطلان هذا الـتيمّم.
و أمّا الـتيمّم فيه مع دخول الـضرب، فقد قال في «جامع الـمقاصد»: «ولو حبس الـمكلّف في مكان مغصوب، و لم يجد ماء مباحاً، أو لزم من استعما لـه إضرار با لمكان،
(الصفحة 363)
يتيمّم بترابه الـطاهر و إن وجد غيره، لأنّ الإكراه أخرجه عن الـنهي، فصارت الأكوان مباحـة، لامتناع الـتكليف بما لايطاق، إلاّ ما يلزم منه ضرر زائد على أصل الـكون، و من ثمّ جاز له أن يصلّي و ينام و يقوم».
و مرجعه إلى أنّ الإكراه على الـكون في مكان كما يرفع الـحرمـة الـمتعلّقـة بنفس الـكون فيه، كذلك يرفع حرمـة الـتصرّفات الـملازمـة عادة أو شرعاً للكون فيه، كا لـقيام و الـنوم و الـصلاة و الـتيمّم، و يمكن الاستشكال في الـتصرّفات الـشرعيـة بأنّ جوازها متوقّف على ثبوت الإكراه الـمسوّغ بالإضافـة إليها، و ثبوته متفرّع على جوازها في هذه الـحال، فكيف يمكن الاستدلال؟!
و لعلّه لذا اُورد على «جامع الـمقاصد» بأنّ ما أفاده إنّما يتمّ بالإضافـة إلى الـفضاء، و أمّا با لـنسبـة إلى الأرض فلايتمّ; لأنّ الـضرب على الأرض تصرّف فيها زائد على الـتصرّف في الـفضاء، فلايجوّزه الاضطرار إلى شغل الـفضاء با لـجسم، هذا بالإضافـة إلى الـتيمّم فيه. و أمّا الـتيمّم به فجوازه مبنيّ على خروج الـضرب على الأرض عن حقيقـة الـتيمّم و ماهيـة، كما مرّت الإشارة إليه.
و أمّا الـتوضّوء في ذلك الـمكان فإن كان بماء مباح فهو كا لـتيمّم فيه، و قد عرفت عدم كون هذا الـنحو من الـتصرّف في الـفضاء محرّماً، فلا إشكال فيه، خصوصاً إذا تحفّظ من وقوع قطرات الـوضوء على أرض الـمحبس، و مع عدم الـتحفّظ لايتحقّق قدح في الـوضوء; لأنّ غايته حرمـة الـوقوع عليها، و هي لاتستلزم بطلان الـوضوء بعد عدم اتّصاف نفس الـكون فيها محرّماً بلحاظ الإكراه على الـحبس فيها، كما لايخفى.
نعم، مع عدم إباحـة الـماء لأجل عدم إحراز رضا صاحبه يصير كفاقد الـماء، و يتعيّن عليه الـتيمّم، كما هو ظاهر.
(الصفحة 364)مسأ لـة 6: لو فقد الـصعيد تيمّم بغبار ثوبه، أو لبد سرجه، أو عرف دابّته ممّا يكون على ظاهره غبار الأرض، ضارباً على ذي الـغبار، و لايكفي الـضرب على ما في باطنه الـغبار دون ظاهره و إن ثار منه با لـضرب عليه، هذا إذا لم يتمكّن من نفضه و جمعه ثمّ الـتيمّم به و إلاّ وجب.
و مع فقد ذلك تيمّم با لـوحل، ولو تمكّن من تجفيفه ثمّ الـتيمّم به وجب، و ليس منه الأرض الـنديـة و الـتراب الـندي، فإنّهما من الـمرتبـة الاُولى، و إذا تيمّم با لـوحل لاتجب إزا لـته على الأصحّ، لكن ينبغي أن يفركه كنفض الـتراب، و أمّا إزا لـته با لـغسل فلاشبهـة في عدم جوازها1 .
في الـتيمّم با لـغبار
(1) لا إشكال نصّاً و فتوىً في أنّه مع فقد الـصعيد أو تعذّر استعما لـه يجوز الـتيّمم بغبار الـثوب، أو لبد الـسرج، أو عرف الـدابـة، و عن «ا لـمعتبر» هو مذهب علمائنا و أكثر الـعامّـة، و مستند الـحكم أخبار مستفيضـة:
كصحيحـة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت الـمواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع و لايقدر على الـنزول؟
قال:
«يتيمّم من لبده، أو سرجه، أو معرفـة دابّته، فإنّ فيها غباراً، و يصلّي».(1)
و موثّقته، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«إن كان أصابه الـثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو من شيء معه، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلابأس أن يتيمّم منه».(2)
ولايبعد أن يكون «معه» مصحف «مغبر»، و تؤيّده صحيحـة رفاعـة الآتيـة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 2.
(الصفحة 365)
و صحيحـة رفاعـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«إذا كانت الأرض مبتلّـة، لـيس فيها تراب و لاماء، فانظر أجفّ موضع تجـده فـتيمّم منه، فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّوجلّ».
قال:
«فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو شيء مغبر، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلا بأس أن يتيمّم منه».(1)
و صحيحـة أبي بصير يعنى الـمرادي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«إذا كنت في حال لاتقدر إلاّ على الـطين فتيمّم به، فإنّ اللّه أولى با لـعذر إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لبد تقدر أن تنفضه و تيمّم به».(2)
فلا إشكال في أصل الـحكم، نعم يبقى الـكلام في اُمور:
الأوّل: أنّ الـظاهر من تعليل صحيحـة زرارة بقوله (عليه السلام):
«فإنّ فيها غباراً» و كذا إطلاق قوله (عليه السلام):
«أو شيء معه» في موثّقته، و كذا
«أو شيء مغبر» في صحيحـة رفاعـة، أنّ الـحكم لايختصّ بالأمثلـة الـمذكورة في الـنصوص، بل لولا ذلك لايكاد يفهم منها الاختصاص، و الـتخصيص با لـذكر إنّما هو لأجل خصوصيـة الـمورد الـمقتضيـة لذكره، كا لـمحارب في الـصحيحـة الاُولى، و الـمسافر الـذي يكون مفروض سائر الـروايات ظاهراً، فمفادها مطلق ما له غبار، كما لايخفى.
ا لـثاني: ظاهر الـمتن أنّ جواز الـتيمّم با لـغبار إنّما هو مع فقد الـصعيد، فا لـجواز مشروط به، كما نسبه في محكيّ «ا لـتذكرة» إلى علمائنا، و عن «ا لـكفايـة» أنّه ظاهر أكثر الأصحاب، و الـمحكيّ عن الـسيّد (قدس سره) صحّـة الـتيمّم به اختياراً، و عن
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 7.
(الصفحة 366)
«ا لـمنتهى» و «إرشاد الـجعفريـة» تقويته، لكنّ عبارتهما كعبارة الـسيّد قابلـة للتوجيه و الـحمل على الـجواز في الـجملـة، و مع ذلك فا لـلازم ملاحظـة الأدلّـة.
فنقول: أمّا الآيـة و الـروايات الـدالّـة على أنّ التيمّم إنّما هو بالأرض و التراب، فمقتضاهما عدم صحّته با لـغبار مطلقاً ولو في حال الاضطرار; لعدم صدق الـعنوانين على الـشيء الـمغبر، أو نفس الـغبار على مثل الـسرج و اللبد، لأنّ الـغبار أثر الـتراب لانفسه، كا لـرطوبـة بالإضافـة إلى الـماء.
و أمّا الـروايات الـواردة في الـتيمّم با لـغبار، فمقتضى عموم الـتعليل في صحيحـة زرارة جواز الـتيمّم بما فيه الـغبار مطلقاً، و فرض الـسائل عدم الـقدرة على الـنزول لايوجب تنزيل الـتعليل عليه; لأنّ الـمورد لايوجب تضييقاً في سعـة الـتعليل عموماً أو إطلاقاً.
نعم، لو كان تقديره في كلام الإمام (عليه السلام) كان ظاهراً في الـتأخّر، كما في ذيل الـروايـة الـوارد في الـتيمّم با لـطين، هذا مع تسليم أنّ الـمفروض في الـصحيحـة عدم الـقدرة على الـتيمّم بالأرض، لكنّه ممنوع; لأنّ الـمفروض فيها بحسب الـظاهر الـمتفاهم عرفاً عدم الـتمكّن من الـنزول للوضوء.
و أما فرض عدم الـتمكّن من الـنزول للتيمّم فهو أمر آخر لابدّ من فرض فقدان الـماء معه، و لم يفرضه مع أنّ فقدانه نادر، و عدم الـقدرة على الـنزول لصرف ضرب الـكفّ على الأرض نادر أيضاً، بخلاف عدم الـقدرة للوضوء لاحتياجه إلى زمان معتدّبه، فا لـمفروض فيها هو الـعذر عن الـوضوء، فكأنّه قال: إذا تعذّر الـنزول للوضوء يتيمّم بلبدسرجه، لأنّ فيه غباراً، فيدلّ على أنّه عند فقدان الـماء يجوز الـتيمّم با لـغبار، و مجرّد كون الـمورد مَنِ الـذي لايتمكّن من الـتيمّم على الأرض لو فرض فقدان الـماء