(الصفحة 441)
في اعتبار الـموالاة في الـتيمّم
رابعها: الـموالاة، و قد حكي الإجماع على اعتبارها في الـتيمّم عن «ا لـغنيـة» و «جامع الـمقاصد» و «ا لـروض» و «مجمع الـبرهان» و ظاهر «ا لـمنتهى» و «ا لـذكرى» و «ا لـمدارك» و الـسيرة الـمستمرّة من الـمتشرّعـة جاريـة عليها من دون فرق بين ما كان للحدث الأصغر، و بين ما كان للحدث الأكبر، لكن عن الـشهيد (قدس سره) في «ا لـدروس» هو الـتفصيل و عدم اعتبار الـموالاة في الـثاني كما في الـغسل.
و يدلّ على اعتبارها مطلقاً ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ الآيـة الـشريفـة بلحاظ الـتعبير فيها با لـفاء فى قوله:
(فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ) منه بعد تحقّق الـضرب أو الـوضع; لأنّ الـفاء ـ على ما هو الـمعروف ـ إنّما هي للترتيب باتّصال، ولكن ربّما يتأمّل في دلالـة الـفاء عليه، و أنّ غايـة مدلولها هو الـترتّب و الـتعقّب و هو غير كاف، فدلالـة الآيـة من هذه الـجهـة غير تامّـة.
و أمّا من جهـة اشتما لـها على الـتعبير بكلمـة «منه»، فقد ذكر الـعلاّمـة الـماتن ـ دام ظلّه الـعا لـي ـ أنّ الأولى الاستدلال بها من هذه الـجهـة; لأنّ «من» على ما تقدّم ابتدائيـة لا تبعيضيته، و الـمعنى: فامسحوا بوجوهكم و أيديكم مبتدء من الـصعيد و منتهياً إلى الـوجوه و الأيدي، و الـتمسّح من الـصعيد بهذا الـمعنى لا يصدق عرفاً إلاّ مع حفظ الـعلاقـة بين الـضرب على الأرض و الـمسح منها على الـوجه و الـيدين، ألا ترى أنّه لو قيل لمريض: «تمسّح من الـضرائح الـمقدّسـة تبرّكاً» لا ينقدح في ذهن الـعقلاء منه إلاّ مع حفظ الـعلقـة بين الـمسح عليها و الـمسح على موضوع الـعلّـة، فلو مسحها بيده ثمّ انصرف و ذهب إلى حوائجه، ثمّ مسح يده على الـموضع بعد سلب
(الصفحة 442)
ا لـعلاقـة الـعرفيـة لم يعمل بقوله: «تمسّح منها»، لأنّه لا يكون إلاّ بعلاقـة خاصّـة مقطوعـة با لـفصل الـمعتدّ به، كما ربّما تقطع بغيره، كما لو ضرب يده على الأرض فغسلها، فإنّ الـظاهر سلب الـعلاقـة و عدم صدق الـتمسّح منها، لا لاعتبار الـعلوق بل لاعتبار الـعلاقـة الـخاصّـة الـعرفيـة.
ثمّ دفع توهّم أنّ الابتدائية لاتدلّ إلاّ على مجرّد كون ضرب الـيد مبتدء من الأرض و منتهياً إلى الـوجه، و أمّا اعتبار الـعلقـة فلا، ألا ترى أنّ الـمسافر إذا سافر من بلده إلى مكّـة الـمعظّمـة مع اشتغا لـه بين الـطريق بأمور كثيرة، بل مع تعطّله عن الـسير في بعض الـبلاد الـتي بين الـطريق، يقال: سافر من بلده إلى مكّـة، من غير لزوم الـعلاقـة.
بما ملخّصه: أنّه مع أنّ الـقياس لعلّه مع الـفارق، كما يظهر من الـتأمّل في مثل تمسّح من الـتربـة، أو من الـضرائح الـمقدّسـة و الأشباه و الـنظائر أنّ مورد الـنقض أيضاً حا لـه مثل الـمقام، لأنّه لو فرض الـتعطّل عنه بين الـطريق بمقدار انقطعت الـعلقـة بين قطعات سفره عرفاً، يخرج من الـصدق الـمذكور، كما لو سافر من بلده إلى الـحجّ، فأقام في الـنجف الأشرف مدّة لتحصيل الـعلم أو غيره، بحيث سلبت الـعلاقـة بين قطعات سفره، فإنّه يخرج عن الـصدق الـمذكور، فا لـملاك هو وجود الـعلاقـة، غايـة الأمر اختلاف الـمقامات و تفاوت الـموارد.
و ممّا ذكر يظهر: صحّـة الـتمسّك ببعض الأخبار الـذي عبّر فيه بكلمـة «من»، مثل صحيحـة الـحلبي قال: سمعت أباعبدا للّه (عليه السلام) يقول:
«إذا لم يجد الـرجل طهوراً و كان جنباً فليتمسّح من الأرض ...»(1)
و صحيحـة ابن سنان(2)
الـتي هي نظيرها.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 14، الـحديث 7.
(الصفحة 443)
و ما ذكر هو الـدليل على اعتبار الـموالاة في الـتيمّم، لا أدلّـة الـبدليـة و لا الـنصوص الـبيانيـة فعلاً أو قولاً كما عن «ا لـذكرى»، و لا ما أفاده صاحب «ا لـمدارك» من أنّه لو قلنا باختصاص الـتيمّم بآخر الـوقت با لـمعنى الـذي ذكروه، كانت الـموالاة من لوازم صحّته لتقع الـصلاة في الـوقت، لعدم تماميـة شيء من هذه الـوجوه كما يظهر با لـتدبّر فيها.
ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا أمران:
أحدهما: أنّه لا فرق في اعتبار الـموالاة في الـتيمّم بين ما يكون بدلاً عن الـوضوء، و ما يكون بدلاً عن الـغسل، خلافاً لما عرفت من محكيّ «ا لـدروس»; لجريان الـدليل في كلا الـمقامين، بل الـروايتان واردتان في الـجنب، فا لـتفصيل غير صحيح، بل مقتضى بعض الـروايات مساواتهما، كموثّقـة عمّار عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال: سأ لـته عن الـتيمّم من الـوضوء و الـجنابـة و من الـحيض للنساء سواء
فقال:
«نعم»(1)
.
و الـحمل على صرف الـكيفيـة دون سائر ما يعتبر فيهما فاسد، بعد اقتضاء الإطلاق الـسوائيـة من جميع الـجهات، كما لا يخفى.
ثانيهما: أنّ معنى الـموالاة الـمعتبرة يرجع إلى ما اُفيد في الـمتن من عدم الـفصل الـمنافي لهيأته و صورته، و بعبارة اُخرى عدم سلب الـعلاقـة و الـعرفيـة الـمذكورة، و تفسيرها با لـمعنى الـمعتبر في الـوضوء الـراجع إلى الـتقدير بمقدار الـجفاف لا دليل عليه، خصوصاً بعد عدم اختصاص اعتبارها بخصوص ما يكون بدلاً عن الـوضوء، لما عرفت من اعتبارها في مطلق الـتيمّم.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 1.
(الصفحة 444)
في اعتبار كون الـمسح من الأعلى
خامسها: الابتداء في الـمسح بالأعلى إلى الأسفل في الـجبهـة و الـيدين، و قد حكي عن «ا لـكفايـة» و «ا لـحدائق» نسبـة اعتبار هذا الأمر إلى الـشهرة، بل عن «شرح الـمفاتيح» نسبته إلى ظاهر الأصحاب، و عن ظاهر «جامع الـمقاصد» الإجماع عليه في الـيدين، لكنّ الـذي صرّح به هو الـعلاّمـة في «ا لـتذكرة» و «ا لـنهايـة» و الـشهيد في «ا لـذكرى» و «ا لـدروس».
و في «كشف اللثام» بعد نقل ذلك استدلّ عليه با لـتسويـة بينه و بين الـوضوء، و با لـتمسّك با لـبياني، ثمّ قال: و فيهما نظر و الأصل الـعدم.
و أمّا أكثر الـكلمات فهي متعرّضـة لوجوب الـمسح من الـقصاص إلى طرف الأنف، و ربّما استظهر منها رجوع الـقيد إلى الـمسح، نظراً إلى أنّه هو الأصل في الـقيود الـتي يتردّد الأمر فيها بين كونها قيداً للحكم، و بين كونها قيداً للموضوع، ولكنّ الاستظهار محلّ نظر بل منع، لظهورها في كونها في مقام تحديد الـممسوح، لا بيان كيفيـة الـمسح، خصوصاً مع عدم الـتعرّض لذلك بالإضافـة إلى الـكفّ، فلا مجال لدعوى الـشهرة في الـمقام، هذا بالإضافـة إلى الـكلمات.
و أمّا الأدلّـة: فمقتضى إطلاق الآيـة الـذي قد مرّ أنّه في مقام الـبيان، و لذا وقع مورداً لتمسّك الـنبي و الإمام عليهما الـصلاة و الـسلام، و كذا إطلاق بعض الـروايات هو عدم اعتبار كيفيـة خاصّـة في الـمسح، و أنّ الـتيمّم متقوّم بمسح الـوجه و الـكفّين با لـيدين، سواء وقع من الأعلى، أو إلى الأعلى، أو بكيفيات اُخر مثل وقوع طول الـباطن على عرض الـظاهر، أو غيره.
(الصفحة 445)
و عمدة الـدليل على عدم الاعتبار هو سكوت أبي جعفر (عليه السلام) عن الـخصوصيـة الـواقعيـة الـتي وقع بها تيمّم رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقام تعليم عمّار، فإنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد كان في مقام بيان الـماهيـة له بلا إشكال، و كان حكايـة أبي جعفر (عليه السلام) و نقله لذلك إنّما هو لإفادة الـحكم و بيان الـحقيقـة بلا ارتياب و إن كان ـ كما أفاده الـماتن دام ظلّه في «ا لـرسا لـة» ـ في تكرار الـقضيـة و من أبي عبدا للّه (عليهما السلام) فائدة اُخرى أو فوائد اُخر، كإفحام الـمخا لـفين، و الـتنبيه على جهل الـثاني بالأحكام و با لـقرآن الـذي بين أيديهم، أو تجاهله و مخا لـفته للّه و رسوله.
و قد حكي عن كتاب «سليم بن قيس الـهلالي» عن أميرا لـمؤمنين (عليه السلام): و الـعجب بجهله و جهل الاُمّـة أنّه كتب إلى جميع عمّا لـه أنّ الـجنب إذا لم يجد الـماء فليس له أن يصلّي، و ليس له أن يتيمّم با لـصعيد حتّى يجد الـماء، و إن لم يجده حتّى يلقى اللّه، ثمّ قبل الـناس ذلك منه و رضوا به، و قد علم و علم الـناس أنّ رسول اللّه قد أمر عمّاراً و أمر أباذر أن يتيمّما من الـجنابـة و يصلّيا، و شهدا به عنده وغيرهما، فلم يقبل ذلك، و لم يرفع به رأساً.
و كيف كان: فا لـسكوت الـمذكور أقوى دليل على عدم اعتبار هذا الأمر، لكن في مقابله الـسيرة الـقطعيـة الـمستمرّة من الـمتشرّعـة على رعايـة هذه الـكيفيـة الـمعهودة، و احتمال انصراف مسح الـوجه إلى الـمسح من الأعلى و أدلّـة الـمنزلـة و الـبدليـة كما في «ا لـمدارك»، و إن كان الاستدلال بها غير تامّ بعد كونه بدلاً عن الـوضوء و الـغسل معاً بنحو واحد، و هذه الـكيفيـة غير معتبرة في الـغسل، و كذا الـتيمّمات الـبيانيـة الـتي أشار إليها «كاشف اللثام» في عبارته الـمتقدّمـة و إن كان الاستدلال بها أيضاً غير صحيح، لأنّ مجرّد الـفعل لا يدلّ على اللزوم لإجما لـه، و مجرّد