(الصفحة 552)
ولكن بملاحظـة ما ذكرنا ظهر: أنّه لا إجمال في الـروايـة; و أنّ الـمراد هو امتزاج الـماء با لـتراب على نحو لا يخرج با لـمزج عن صدق اسم الـتراب و اللّه أعلم، و الاحتياط حسن على كلّ حال.
ا لـمقام الـثاني: في موضوع الـحكم
و قد ادّعى في «ا لـجواهر»: أنّ الـمشهور شهرة كادت تبلغ الإجماع، قصر الـحكم على الـولوغ، و هو الـشرب كما عن «ا لـمصباح» أو بزيادة «طرف لسانه» كما عن «ا لـصحاح» أو هو ذلك، أو «إدخال لسانه في الإناء و تحريكه» كما في «ا لـقاموس».
و قد ظهر لك خلوّ الـروايات عن هذا الـتعبير، إلاّ الـنبويّان الـمتقدّمان الـضعيفان، و إنّما الـوارد في الـصحيحـة الـتي هي الـعمدة في الـباب، عنوان الـفضل و ظاهره الـباقي من الـطعام و الـشرب.
نعم، الـحكم بعدم جواز الـتوضّي بفضله، يختصّ با لـماء الـباقي من الـشراب، لكن قد عرفت عدم الـفرق بين الـماء و غيره من الـمايعات، بل في «ا لـجواهر»: ينبغي الـقطع به.
و أمّا اللطع، فا لـظاهر عدم صدق عنوان الـفضل عليه، كوضوح عدم صدق عنوان الـولوغ.
و يظهر منهم أنّ اللطع يكون عندهم بمعنى الـولوغ; قال في محكيّ «ا لـمعا لـم»: «و الـمشهور بين الأصحاب قصر الـحكم على الـولوغ، و ما في معناه و هو اللطع ... لكن عن الأردبيلي منع الـتعديـة إلى اللطع أيضاً».
و دعوى: أنّ اللطع لايفقد شيئاً ممّا يتضمّنه الـولوغ; من الاُمور الـمناسبـة
(الصفحة 553)
للتنجيس أو الـتعفير، مدفوعـة بعدم الـعلم بمناطات الأحكام الـشرعيـة، و ليس لنا قطع بعدم الـفرق.
كما أنّ ما ذكرنا: من أنّ الـتعفير إنّما هو لأجل ما اشتهر: من كون فم الـكلب و لسانه مشتملاً على (ميكروبات) لا تموت إلاّ با لـتراب، فإنّما هو حكمـة للحكم بعد ثبوته، و ليس ذلك بمقطوع حتّى يدور الـحكم مداره.
كما أنّ دعوى الأولويـة ـ من جهـة أنّ الـنجاسـة مع اللطع، إنّما تسري من الـفم إلى الإناء من دون واسطـة، فهي أولى من الـنجاسـة الـساريـة إلى الإناء بتوسّط الـمايع ـ ممنوعـة; لأنّ الـكلام ليس في أصل نجاسـة الإناء، بل في الـنجاسـة الـخاصّـة الـتي يترتّب عليها الـتعفير و الـغسلتان بعده، و لم يعلم ثبوتها في اللطع، كيف، و لازم هذه الـدعوى، ثبوت الـحكم فيما إذا باشر الإناء ـ من دون واسطـة ـ بسائر أعضائه مع الـرطوبـة فيه، أو في الإناء؟! و من الـمعلوم وضوح بطلان هذه الـدعوى فيه.
بل الـظاهر عدم الاشتراك في الـحكم; لعدم تحقّق عنوان الـولوغ و لا عنوان الـفضل الـمأخوذ في الـصحيحـة بوجه. و ممّا ذكرنا يظهر، عدم جريان الـحكم في اللعاب أيضاً.
و دعوى: أنّ الإنصاف أنّ اللعاب، لايقصر عن سائر الـمايعات في سرايـة الأثر بواسطـة من الـفم أو اللسان إلى الإناء، فإلحاق الـمايعات با لـماء دون اللعاب غير ظاهر.
مدفوعـة: بأنّ إلحاق الـمايعات به إنّما هو لصدق عنوان الـفضل فيها أيضاً و هو غير متحقّق في اللعاب، و قد عرفت عدم معلوميـة الـمناط في مثل هذه الأحكام، و لا يجوز الـتعدّي عمّا هو الـموضوع في الـنصّ الـدالّ على الـحكم.
(الصفحة 554)
نعم، في الـشرب بلا ولوغ ـ كما إذا كان مقطوع اللسان أو ممنوعاً من تحريك لسانه ـ لاتبعدد دعوى جريان الـحكم; لصدق عنوان الـفضل بل الـولوغ بناءً على كونه مطلق الـشرب، كما عرفته عن «ا لـمصباح».
و أمّا مطلق الـمباشرة و لو بغير اللسان من سائر الأعضاء، فقد استقرب الـعلاّمـة في محكيّ «ا لـنهايـة» لحوقه با لـولوغ، مستدلاًّ بأنّ فمه أنظف من غيره، و لهذا كانت نكهته أطيب من غيره من الـحيوانات; لكثرة لهثه.
ولكنّه في «ا لـمنتهى» نقل عن الـصدوقين الـتسويـة بين الـوقوع و الـولوغ، ثمّ أجاب بأنّه تكليف غير معقول، فيقف على الـنصّ، و هو إنّما دلّ على الـولوغ.
و الـظاهر أنّ مستند الـصدوقين قدّس سرّهما، ما ورد في «ا لـفقه الـرضوي» الـمتقدّم نقله من قوله: «إن وقع الـكلب في الـماء أو شرب منه ...».
ولكن قد عرفت: أنّه لا حجّيـة فيه، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يقال: بأنّ الـمراد من «وقوع الـكلب في الـماء» هو وقوعه بتمام جسده الـملازم لمباشرة لسانه نوعاً، فلا دلالـة له أيضاً على مباشرة بعض أعضائه فقط، فتدبّر.
(الصفحة 555)مسأ لـة 1: لو كانت الآنيـة الـمتنجّسـة با لـولوغ، ممّا يتعذّر تعفيرها با لـتراب با لـنحو الـمتعارف; لضيق رأسه، أو غير ذلك، فلا يسقط الـتعفير بما يمكن، ولو بوضع خرقـة على رأس عود، و إدخا لـها فيها، و تحريكها تحريكاً عنيفاً; ليحصل الـغسل با لـتراب و الـتعفير. و في حصوله بإدخال الـتراب فيها، و تحريكها تحريكاً عنيفاً، تأمّل.
ولو شكّ في حصوله يحكم ببقاء الـنجاسـة، كما لو فرض الـتعذّر أصلاً بقيت على الـنجاسـة.
و لا يسقط الـتعفير با لـغسل با لـماء الـكثير و الـجاري و الـمطر، و لا يترك الاحتياط با لـتعدّد أيضاً في غير الـمطر، و أمّا فيه فلا يحتاج إليه1 .
(1) في هذه الـمسأ لـة فروع:
فيما لو تعذّر تعفير الآنيه با لـنحو الـمتعارف
الأوّل: إذا كانت الآنيـة الـمتنجّسـة با لـولوغ ممّا يتعذّر تعفيرها با لـنحو الـمتعارف; لضيق رأسها، أو غيره، فبناءً على ما اخترناه: من أنّ الـلاّزم في الـمرّة الاُولى هو الـمزج با لـماء; و أنّه معنى قوله (عليه السلام) في الـصحيحـة: «اغسله با لـتراب ...» فا لـلاّزم إيصال الـماء الـممتزج با لـتراب إلى جميع أطراف الإناء، و هو ممكن غا لـباً، و لا يحتاج إلى وضع مثل الـخرقـة على رأس الـعود و نحوه كما في الـمتن.
و أمّا بناءً على كون الـلازم هو الـمسح; لدلالـة الـنصّ عليه، أو إجما لـه و لزوم الاحتياط، فا لـلاّزم إيجاد الـمسح با لـكيفيـة الـمذكورة في الـمتن، و لا يتحقّق بمجرّد إدخال الـتراب في الآنيـة و لو مع الـتحريك الـعنيف، و مع الـشكّ يكون مقتضى الاستصحاب بقاء الـنجاسـة.
(الصفحة 556)
نعم، لو كان الـمراد من الـمسح هو مجرّد وصول الـتراب إلى الآنيـة، يكفي ذلك، ولكنّه محلّ تامّل.
لو تعذّر الـتعفير ولو بغير الـمتعارف
ا لـثاني: الـصورة الـمفروضـة مع تعذّر الـتعفير و لو بغير الـنحو الـمتعارف، و إن كان هذا الـفرض لا واقع له; لعدم اجتماع فرض ولوغ الـكلب في الآنيـة مع عدم إمكان الـتعفير أصلاً إلاّ إذا لم يكن منشأه ضيق الـرأس، بل كان منشأه الـرقّـة، أو كونه ممّا يفسده الـتعفير.
و ربّما يحتمل في هذه الـصورة الاجتزاء في الـتطهير با لـغسل با لـماء; نظراً إلى لزوم تعطيل الإناء، و هو ضرر منفيّ بدليل نفيه.
ولكنّه ـ مضافاً إلى الـنقض بما إذا كان الـغسل با لـماء أيضاً متعذّراً; ضرورة أنّه لا يقول أحد بصيرورته طاهراً بدونه ـ يرد عليه ما عرفت: من عدم دلالـة حديث نفي الـضرر على ارتفاع الـحكم الـضرري; لعدم كونه مسوقاً لبيان هذه الـجهـة، بل هو حكم صادر من شخص الـرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أنّه وليّ و حاكم، كما مرّ.
و دعوى: قصور ما دلّ على اعتبار الـتعفير عن شمول مثل الـفرض; فإنّ الـمتبادر من مثل قوله (عليه السلام): «اغسله با لـتراب أوّل مرة ...» ليس إلاّ إرادته با لـنسبـة إلى ما أمكن فيه ذلك، كما هو الـغا لـب فيما يتحقّق فيه الـولوغ، فالأواني الـتي ليس من شأنها ذلك، خارجـة عن مورد الـروايـة.
مدفوعـة: بأنّ مثل هذه الأوامر مسوقـة لبيان الاشتراط، و لا يختصّ موردها بصورة الـتمكّن من الـشرط; فإنّ مفادها الإرشاد إلى طريق الـتطهير، و مع عدم
|