(الصفحة 638)
و أمّا الـشبهـة الـحكميـة، فلا مجال لجريان الاستصحاب فيها مطلقاً، لا في ذات الـموضوع، و لا في الـموضوع بوصف كونه موضوعاً، و لا في الـحكم:
أمّا ذات الـموضوع; فلعدم تعلّق الـشكّ به بوجه، لأنّه كانت غير محروقـة قبل الـيوم يقيناً، و محروقـة الـيوم كذلك، فا لـشكّ لم يتعلّق به حتّى يجري الاستصحاب.
و أمّا الـموضوع بوصف كونه موضوعاً; فلأنّ مرجعه إلى استصحاب الـحكم، لأنّ الـموضوع بهذا الـوصف، لامعنى له غير ترتّب الـحكم عليه و ثبوته.
و استصحاب الـحكم لايجري; لعدم إحراز بقاء موضوعه، فإنّ الـموضوع هو عنوان الـعَذِرة و بقائها مشكوك على ما هو الـمفروض، فلا مجال لاستصحابه، و بعده لامانع من جريان قاعدة الـطهارة.
ا لـمقام الـثاني: الـشكّ في الاستحا لـة في الـمتنجّسات
كما إذا شكّ في استحا لـة الـخشب الـمتنجّس رماداً و عدمها. و الـظاهر أنّه يجري فيه استصحاب الـعنوان الـسابق بعين ما تقدّم في الـمقام الأوّل، فيقال: هذا الـموجود الـخارجي كان خشباً، و الآن يشكّ في بقائه على هذا الـعنوان، فيستصحب و يحكم بكونه خشباً الآن كما كان، و يترتّب عليه الـمتنجّس; لفرض الـملاقاة الـموجبـة له.
نعم، الـفرق بين الـمقامين هو أنّه لاتعقل الـشبهـة الـمفهوميـة هنا; للفرق بين الـنجس و الـمتنجّس في أنّ الـعناوين الـمحكومـة با لـنجاسـة في الأعيان الـنجسـة، لها دخل في الـموضوعيـة لترتّب الـحكم عليها، فعنوان الـعذرة مثلاً، دخيل في الـموضوعيـة، فا لـشّك في سعته و ضيقه أمر متصوّر كما عرفت.
و أمّا الـعناوين في الـمتنجّسات، فغير دخيلـة في الـحكم با لـتنجّس، فا لـخشب
(الصفحة 639)
إذ لاقى نجساً مع رطوبـة أحدهما، يصير متنجّساً بما أنّه جسم لاقى نجساً، لا بما أنّه خشب كذلك، و عليه فا لـشك في سعـة دائره مفهوم الـخشب و ضيقها، لايرتبط بهذا الـمقام.
و لاينافي هذا ما ذكرنا في وجه مطهّريـة الاستحا لـة، و ذلك لعدم الـمنافاة بين عدم تقوّم الـتنجّس بعنوان الـخشب و بين الاتّصاف با لـطهارة بعد استحا لـته رماداً يقيناً، لأنّ الاستحا لـة الـمبتنى ـ على ما عرفت ـ تصير موجبـة لإخراج الـمستحال إليها عن كونه ملاقياً للنجس، فلا يصدق أنّه شيء لاقى نجساً فلا مانع من الالتزام بعدم مدخليـة الـعناوين في الـمتنجّسات، و بين كون الاستحا لـة في الـمتنجّسات أيضاً، موجبـة لحصول الـطهارة لها، فتدبّر.
(الصفحة 640)خامسها: ذهاب الـثلثين في الـعصير با لـنار أو با لـشمس إذا غلى بأحدهما، فإنّه مطهّر للثلث الـباقي بناءً على الـنجاسـة، و قد مرّ أنّ الأقوى طهارته، فلا يؤثّر الـتثليث إلاّ في حلّيته.
و أمّا إذا غلى بنفسه، فإن اُحرز أنّه يصير مسكراً بذلك، فهو نجس، و لا يطهر با لـتثليث، بل لابدّ من انقلابه خلاًّ، و مع الـشكّ محكوم با لـطهارة1 .
ا لـخامس: في مطهّريـة ذهاب الـثلثين
(1) قد مرّ في مبحث الـنجاسات: أنّ الأقوال في مسأ لـة نجاسـة الـعصير مختلفـة، و الآراء متشتّتـة، و أنّ دعوى الإجماع أو الـشهرة ممّا لا وجه لها، و أنّ مقتضى الـتحقيق هو الـقول با لـعدم.
نعم، لا مجال لإنكار اتّصافه با لـحرمـة با لـنشيش، أو با لـغليان الـذي قد يتحقّق بعده على الاختلاف، و عليه فا لـتثليث إنّما يؤثّر في رفع الـحرمـة، كما أنّه يوجب رفع الإشكال من جهـة الـنجاسـة لمن أراد الاحتياط.
و تقدّم أيضاً: أنّ الـعصير الـمغلّي بنفسه دون الـنار أو الـشمس إن اُحرز أنّه يصير مسكراً بذلك فهو نجس من جهـة إسكاره.
و مرّ أيضاً: أنّه قد فصّل ابن حمزة في «ا لـوسيلـة» بين الـعصير الـعنبي الـذي غلى بنفسه، فحكم بحرمته و نجاسته إلى أن يصير خلاًّ، و بين ما إذا غلى با لـنار، فاختار حرمته قبل ذهاب الـثلثين، و عدم نجاسته.
و قد زعم شيخ الـشريعـة الإصبهاني (قدس سره) أنّ هذا الـتفصيل لايكون تفصيلاً في الـحكم الـشرعي، بل يكون لأجل مسكريـة ما غلى بنفسه، فحكمه با لـنجاسـة إنّما هو لأجل الإسكار، لا للتفصيل في الـعصير، و طعن على من زعم أنّ ابن حمزة متفرّد في هذا
(الصفحة 641)
ا لـتفصيل، بل نسب الـغفلـة إلى أساطين الـعلم و الـفقه.
و تقدّم منّا: أنّه مضافاً إلى ظهور كلام ابن حمزة في «ا لـوسيلـة» في كون الـتفصيل الـذي اختاره إنّما يكون مورده غير الـمسكر، بل كلامه صريح في ذلك فراجع، أنّ الإعضالات الأربعـة ـ الـتي ذكر في كلامه: أنّها لا تنحلّ إلاّ بالالتزام بمسكريـة الـعصير الـمغلّي بنفسه ـ كلّها مندفعـة، و أنّه لا دليل على كون الـعصير الـمغلّى بنفسه متّصفاً بالإسكار لا محا لـة.
و كيف كان: فإن اُحرز فيه الإسكار فهو نجس، و لايطهر با لـتثليث; لعدم دلالـة دليل على كون الـتثليث مطهّراً له أيضاً، بل لابدّ من استحا لـته و انقلابه خلاًّ; حتّى يطهر بالاستحا لـة الـموجبـة لتغيّر الـموضوع، و تبدّل الـعنوان.
ولو شكّ في حصول الإسكار له، فمقتضى قاعدة الـطهارة الـحكم بطهارته، كما هو ظاهر.
(الصفحة 642)سادسها: الانتقال، فإنّه موجب لطهارة الـمنتقل، إذا اُضيف إلى الـمنتقل إليه، و عدّ جزء منه، كانتقال دم ذي الـنفس إلى غير ذي الـنفس. و كذا لو كان الـمنتقل غير الـدم، و الـمنتقل إليه غير الـحيوان من الـنبات و غيره.
ولو علم عدم الإضافـة، أو شكّ فيها من حيث عدم الاستقرار في بطن الـحيوان مثلاً على وجه يستند إليه ـ كا لـدم الـذي يمصّه الـعلق ـ بقي على الـنجاسـة1 .
ا لـسادس: في مطهّريـة الانتقال
(1) لا إشكال في أنّ دم ذي الـنفس الـذي يكون محكوماً با لـنجاسـة، إذا انتقل إلى حيوان غير ذي الـنفس; بحيث عدّ جزء منه، و مضافاً إليه فقط، و انقطعت إضافته الأوّليـة، يصير طاهراً، لا لأجل الاستحا لـة; لما عرفت: من أنّ معناها تبدّل الـحقيقـة و تغاير الـماهيـة الـنوعيـة، و هو غير متحقّق في الـمقام; لعدم تبدّل الـحقيقـة الـدمويـة إلى حقيقـة اُخرى مغايرة، بل غايـة الأمر تبدّل الإضافـة و تغيّر الانتساب و الـجزئيـة.
بل لأجل كون نفس هذا الـتبدّل، موجباً للاتّصاف با لـجزئيـة للمنتقل إليه، و الـمفروض أنّ مقتضى الـدليل طهارة دمه; لكونه غير ذي الـنفس، فدم الإنسان إذا انتقل إلى بقّ أو قمل أو سمك فرضاً; بحيث صار جزء من أحد هذه الـحيوانات، و منقطعاً عنه الإضافـة الأوّليه، يكون طاهراً لذلك.
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ ما هو الـمعمول في هذه الأزمنـة; من تزريق دم الإنسان إلى إنسان آخر قليل الـدم بعنوان الـعلاج، يؤثّر في صيرورته طاهراً، بعد اتّصافه بكونه من الـبواطن للمنتقل إليه، على تقدير كون الـدم في الـباطن طاهراً; فإنّ الـدم بعد الـخروج
|