(الصفحة 418)
مقتقضى إطلاق الآيـة و بعض الـروايات ـ كروايتي زرارة و الـمرادي الـمتقدّمتين ـ هو الـثاني، لكنّ الـروايات الـبيانيـة غير خا لـيـة عن الإشعار، بل الـدلالـة على أنّ عمل الـمعصوم (عليه السلام) كان بنحو الـدفعـة، نعم يمكن الـمناقشـة في استفادة اللزوم منها بأنّ تعارف الـدفعـة يوجب عدم الـظهور في الـتعيين، و ليس هذا مثل سائر الـخصوصيات الـمعمولـة كا لـضرب با لـيدين لا بيد واحدة، لعدم جريان هذا الـتعارف فيها، بل تكون رعايتها من دون مدخليـة بلا وجه، كما أنّ الـسيرة الـمستمرّة على الـدفعـة لا تدلّ إلاّ على صحّتها لا تعيّنها، إلاّ أن يقال بأنّ الـتزام الـمتشرّعـة في مقام الـعمل يكشف عن اعتبارها، كما ذكرناه في اعتبار الـمعيّـة في الـضرب أو الـوضع على الأرض.
في اعتبار كون الـمسح بجميع الـكفّ
ا لـجهـة الـرابعـة: أنّه هل يعتبر كون الـمسح بجميع الـكفّ، أم لا؟
و نقول: الـوجوه الـمتصوّرة في مسح الـجبهـة با لـيدين خمسـة، كما ذكره بعض:
الأوّل: أن يمرّ كلّ جزء من الـكفّين بكلّ جزء من الـممسوح.
ا لـثاني: أن يمرّ تمام كلّ منهما على تمام الـممسوح.
ا لـثا لـث: أن يمرّ تمام أحدهما على بعضه، و تمام الآخر على الـباقي.
ا لـرابع: أن يمرّ كلاًّ من الـكفّين في الـجملـة ولو بعضاً من كلّ منهما على جميع أجزاء الـممسوح.
ا لـخامس: أن يمرّ كلاًّ من الـيدين في الـجملـة و لو بعض كلّ منهما على بعض الـممسوح، بحيث لا يبقى منه جزء إلاّ و قد مرّ عليه بعض الـماسح.
(الصفحة 419)
أمّا الأوّل: فمضافاً إلى أنّه لم يقل به أحد يكون متعذّراً أو متعسّراً، لأنّه يتوقّف على إمرار كلّ من الـيدين مرّات متعدّدة بتعدّد الـخطوط الـطوليـة للممسوح.
و أمّا الـثاني: فقد نسب إلى ظاهر «ا لـمدارك» و غيرها، و اُورد عليه بأنّه يتوقّف على ظهور الأدلّـة في استيعاب الـماسح، و على ظهورها في لزوم مسح تمام أجزاء الـممسوح بكلّ منهما، و هما معاً غير ثابتين، بل الأوّل منهما خلاف قول الـباقر (عليه السلام) في صحيحـة زرارة:
«ثمّ مسح جبينه بأصابعه». و يتوقّف حصوله على الـمسح بكلّ من الـيدين تدريجاً، و هو غير ظاهر منها لو لم يكن الـظاهر منها الـدفعـة.
أقول: منشأ توهّم ظهور الأدلّـة في استيعاب الـماسح هو لزوم الاستيعاب في الـضرب أو الـوضع، فإنّه مع كون الـواجب فيهما هو ضرب جميع الـكفّ أو وضعه، و من الـظاهر أنّه بلحاظ الـمسح يكشف ذلك عن لزوم استيعاب الـماسح، و وصول جميع أجزائه إلى الـممسوح.
و يندفع: بظهور الأدلّـة في أنّ ضرب الـيد على الأرض إنّما هو لإيصال أثرها ولو اعتباراً إلى الـممسوح، و ليس للكفّين إلاّ سمـة الآليّـة للمسح منها، فإذا حصل ببعض الـكفّ سقط الـتكليف.
و يمكن أن يقال: إنّ منشأ الـتفكيك هو عدم ثبوت الـخصوصيـة لبعض أجزاء الـماسح على الـبعض الآخر، و ثبوت الـتخيير بين أبعاضه، و لا يتحقّق ذلك إلاّ بالاستيعاب في مقام الـضرب أو الـوضع، لأنّه مع عدمه يتعيّن خصوص الـبعض الـمضروب أو الـموضوع للمسح، مع أنّه لا تعيّن له بوجه.
هذا، مع أنّ صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة صريحـة في عدم لزوم الاستيعاب، فإنّ الاقتصار في مقام الـنقل الـذي يكون الـغرض منه بيان الـحكم على خصوص الأصابع
(الصفحة 420)
ا لـتي هي بعض الـكفّ، صريح في عدم لزوم الاستيعاب و إلاّ لم يجز هذا الـتعبير كما هو ظاهر.
و بهذا يجاب عن الاحتمال الـثا لـث الـمنسوب إلى ظاهر الـنراقي في «ا للوامع».
و أمّا الاحتمال الـرابع الـمنسوب إلى بعض، فيرد عليه أنّ لازمه تكرار الـمسح، بمعنى عدم تحقّقه دفعـة واحدة، لأنّ وصول الـكفّين ولو ببعض أجزائهما على جميع أجزاء الممسوح لايتحقّق دفعـة واحدة، مع أنّ ظاهر الـنصوص الـبيانية تحقّقه كذلك، و لا أقلّ من إمكان تحقّقه كذلك، فيتعيّن الاحتمال الـخامس الـذي أفاده في الـمتن.
الأمر الـثا لـث: في مسح الـيدين
مسح تمام ظاهر الـكفّ الـيمنى من الـزند إلى أطراف الأصابع بباطن الـكفّ الـيسرى، ثمّ مسح تمام ظاهر الـكفّ الـيسرى بباطن الـكفّ الـيمنى. و في هذا الأمر أيضاً جهات من الـكلام:
في أصل الـوجوب
الاُولى: في أصل وجوب مسح الـيدين في الـجملـة، و اعتباره في الـتيمّم، و الـظاهر أ نّه إجماعي بين الـمسلمين، و يدلّ عليه الـكتاب و الـسنّـة.
في تحديد الـممسوح
ا لـثانيـة: في تحديد الـممسوح، و الـمشهور بين الأصحاب بل عليه تكرّر نقل الإجماع هو وجوب مسح الـكفّين من الـزند ـ و هو الـمفصل بين الـساعد و الـكفّ ـ
(الصفحة 421)
إلى أطراف الأصابع، و عليه جملـة من الـعامّـة كأحمد و ما لـك و الـشافعي في «ا لـقديم».
و عن علي بن بابويه وجوب استيعاب الـمسح إلى الـمرفقين، و هو الـمحكيّ عن أبي حنيفـة و الـشافعي في «ا لـجديد»، و عن ابن إدريس عن بعض أصحابنا أنّ الـمسح من اُصول الأصابع إلى رؤوسها، و روي عن ما لـك أيضاً أنّ الـتيمّم على الـكفّ و نصف الـذراع، و عن الـزهري: يمسح يديه إلى الـمنكب.
و يدلّ على الـمشهور روايتا زرارة الـمتقدّمتان الـحاكيتان لتيمّم رسول ا للّه (صلى الله عليه وآله وسلم)تعليماً لعمّار، الـمشتملـة إحداهما على قوله (عليه السلام):
«ثمّ مسح جبينه (جبينيه) بأصابعه و كفّيه إحداهما بالاُخرى ...» و ثانيتهما على قوله (عليه السلام):
«ثمّ مسح كفّيه كلّ واحدة على الاُخرى ...» و أصرح منهما صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة أيضاً الـحاكيـة لتيمّم أبي جعفر (عليه السلام) الـمتضمّنـة لقوله:
«ثمّ مسح وجهه و كفّيه، و لم يمسح الـذراعين بشيء».
نعم، في روايـة أبي أيّوب الـخزّاز الـمتقدّمـة:
«ثمّ مسح فوق الـكفّ قليلاً»، و مثلها روايـة داود بن الـنعمان الـمتقدّمـة أيضاً، حيث قال: فمسح وجهه و يديه و فوق الـكفّ قليلاً، و الـظاهر أنّ الـمراد منه هو حدّ الـمفصل أو فوقه الـذي يتوقّف الـعلم بحصول الـمسح الـمأمور به عليه.
و احتمال كون الـمراد من «ا لـفوق» فيهما هو ظهر الـكفّ و ظاهره حينئذ عدم استيعاب ظاهر الـكفّ با لـمسح ففي غايـة الـبعد، خصوصاً في الـروايـة الـثانيـة الـتي يكون الـتعرّض فيها للفوق بعد الـتعرّض لليدين، كما لا يخفى.
و أمّا روايـة ليث الـمرادي الـمتقدّمـة أيضاً، الـمتضمّنـة لقوله (عليه السلام):
«و تمسح بهما وجهك و ذراعيك»، و كذا روايـة محمّد بن مسلم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن
(الصفحة 422)
ا لـتيمّم، فضرب بكفّيه الأرض، ثمّ مسح بهما وجهه، ثمّ ضرب بشما لـه الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع، واحدة على ظهرها و واحدة على بطنها، ثمّ ضرب بيمينه الأرض، ثمّ صنع بشما لـه كما صنع بيمينه، ثمّ قال:
«هذا الـتيمّم على ما كان فيه الـغسل، و في الـوضوء الـوجه و الـيدين إلى الـمرفقين و أ لـقى (أبقى) ما كان عليه مسح الـرأس و الـقدمين، فلا يؤمّم با لـصعيد»(1)
.
و كذا روايـة سماعـة قال: سأ لـته كيف الـتيمّم؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه و ذراعيه إلى الـمرفقين(2)
. فمحمولـة على الـتقيّـة، و تظهر آثارها من روايـة محمّد بن مسلم.
نعم، الـروايـة الاُولى الـمشتملـة على الـذراعين من دون الـتعرّض للمرفق قابلـة للحمل على الـروايات الـموافقـة للمشهور; لأنّ مسح الـذراعين يتحقّق بمسح بعضهما، كما لا يخفى.
و هنا مرسلتان ظاهرتان في اجتزاء الـمسح على الأصابع:
إحداهما: مرسلـة حمادّ بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) أنّه سئل عن الـتيمّم فتلا هذه الآيـة:
(وَ الـسّارِقُ وَ الـسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)، و قال:
(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ)، قال:
«فامسح على كفّيك من حيث موضع الـقطع»، و قال:
(وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)(3)
.
قال في «ا لـوسائل» ـ بعد نقل الـروايـة ـ: «أقول: فيه تعليم للسائل الاستدلال
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 12، الـحديث 5.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 13، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمم، الـباب 13، الـحديث 2.