(الصفحة 41)
ا لـقول في أحكام الـجنب
منها: أنّه يتوقّف على الـغسل من الـجنابـة اُمور ـ بمعنى أنّه شرط في صحّتها ـ :
الأوّل: الـصلاة بأقسامها، عدا صلاة الـجنازة، و كذا لأجزائها الـمنسيـة، و الأقوى عدم الاشتراط في سجدتي الـسهو، و إن كان أحوط.
ا لـثاني: الـطواف الـواجب، بل لايبعد الاشتراط في الـمندوب أيضاً.
و الـثا لـث: صوم شهر رمضان و قضائه، بمعنى بطلانه إذا أصبح جنباً متعمّداً، أو ناسياً للجنابـة.
و أمّا سائر أقسام الـصيام فلا تبطل بالإصباح جنباً في غير الـواجب منها، ولايترك الاحتياط في ترك تعمّده في الـواجب منها.
نعم، الـجنابـة الـعمديـة في أثناء الـنهار تبطل جميع أقسام الـصيام حتّى الـمندوب منها، و غير الـعمديـة ـ كالاحتلام ـ لايضرّ بشيء منها حتّى صوم شهر رمضان1 .
ما يتوقّف على الـغسل
(1) قد تقدّم الـبحث في اعتبار الـطهارة الـحدثيـة في الـصلاة و الـطواف في فصل غايات الـوضوء فراجع، و الـذي يزيد هنا استثناء صلاة الـجنازة، فإنّها لاتكون مشروطـة بها، لما سيأتي من الـنصوص الـكثيرة، الـدالّـة على جواز إيقاعها على غير طهور و على غير وضوء.
(الصفحة 42)
في توقّف صوم شهر رمضان و قضائـه
و أمّا صوم شهر رمضان و قضائه فاشتراط صحّتهما با لـغسل من الـجنابـة، بمعنى بطلانهما إذا أصبح جنباً متعمّداً، أو ناسياً للجنابـة، فقد صرّح به في الـمتن، و لابدّ من ملاحظـة الـدليل و الـفتاوى في كلّ واحدة من صوره.
فنقول: أمّا صورة الـعمد في شهر رمضان فالاشتراط فيها هو الـمشهور، بل عليه الإجماع عن جماعـة، و في «ا لـجواهر»: يمكن دعوى تواتر نقله، و أنّ الـحكم فيه من الـقطعيات، و يدلّ عليه جملـة من الـنصوص، كصحيحـة الحلبي عن أبي عبدا للّه(عليه السلام)في رجل احتلم أوّل الليل، أو أصاب من أهله، ثمّ نام متعمّداً في شهر رمضان حتّى أصبح.
قال:
«يتمّ صومه ذلك، ثمّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان، و يستغفر ربّه».(1)
و روايـة سليمان بن جعفر (حفص) الـمروزي، عن الـفقيه (عليه السلام) قال:
«إذا أجنب الـرجل في شهر رمضان بليل، و لايغتسل حتّى يصبح، فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك الـيوم، و لايدرك فضل يومه».(2)
و غيرهما من الـروايات الـدالّـة على وجوب القضاء، أو مع الكفّارة، أو الكفّارة وحدها من دون الـتعرّض للقضاء، الـظاهرة في الـبطلان أيضاً، كما هو غير خفيّ.
و تعارض هذه الـروايات جملـة اُخرى منها، كصحيحـة حبيب الـخثعمي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلّي صلاة الـليل في شهر رمضان، ثمّ يجنب، ثمّ يؤخّر الـغسل متعمّداً حتّى يطلع الـفجر».(3)
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 16، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 16، الـحديث 3.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 16، الـحديث 5.
(الصفحة 43)
و روايـة عيص بن الـقاسم قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل، فأخّر الـغسل حتّى طلع الـفجر.
فقال:
«يتمّ صومه، و لا قضاء عليه».(1)
وروايـة أبي سعيد الـقمّاط، أنّه سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) عمّن أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل، فنام حتّى أصبح.
قال:
«لا شيء عليه، و ذلك أنّ جنابته كانت في وقت حلال».(2)
و روايـة ابن رئاب الـمحكيـة عن «قرب الإسناد» قال: سئل أبوعبدا للّه (عليه السلام) و أنا حاضر عن الـرجل يجنب با لليل في شهر رمضان، فينام و لايغتسل حتّى يصبح.
قال:
«لا بأس، يغتسل، و يصلّي، و يصوم».(3)
و غير ذلك من الـروايات الـظاهرة في ذلك.
ولكن قال صاحب «ا لـوسائل» بعد نقلها: «إن كان الـمراد من هذه الأحاديث ظاهرها، وجب الـحمل على الـتقيـة في الـفتوى، أو في الـروايـة، لما يأتي، ذكره الـشيخ و غيره، و استشهدوا له بإسناده إلى عائشـة ـ كما في بعضها ـ و بعضه يحتمل الـحمل على تعذّر الـغسل، و بعضه يحتمل الـنسخ، و بعضه يحتمل الـحمل على أنّ الـمراد با لـفجر الأوّل، جمعاً بينه و بين ما يأتي، و لما هو معلوم من وجوب صلاة الليل على الـنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)».
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 13، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 13، الـحديث 1.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 13، الـحديث 7.
(الصفحة 44)
و بعض هذه الاحتمالات و إن كان مخدوشاً، بل ممنوعاً، كاحتمال الـنسخ، إلاّ أنّ الـبعض الآخر لامانع من الالتزام به، كما أنّه يمكن حمل بعض الـروايات على غير صورة الـعمد.
و على تقدير الـمناقشـة في الـجميع لامحيص عن طرحها، بعد كون الـطائفـة الاُولى مفتىً بها للمشهور، بل الـجميع، و قد مرّ مراراً أنّ أوّل الـمرجّحات هي الـشهرة في الـفتوى، فلا يبقى إشكال في الـحكم في هذه الـصورة.
و أمّا صورة الـنسيان في شهر رمضان، فا لـمحكي عن الأكثر فيها هو الـبطلان للروايات الـدالّـة عليه، كصحيحـة الحلبي عن الصادق (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: سئل أبوعبداللّه (عليه السلام)عن رجل أجنب في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتّى خرج شهر رمضان.
قال:
«عليه أن يغتسل، و يقضي الـصلاة و الـصيام».(1)
و روايـة إبراهيم بن ميمون قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يجنب با لليل في شهر رمضان، فنسي أن يغتسل حتّى تمضي بذلك جمعـة، أو يخرج شهر رمضان.
قال:
«عليه قضاء الـصلاة و الـصوم».(2)
و عن الـحلّي و جماعـة الـصحّـة في هذه الـصورة، و في محكي «ا لـشرائع» أنّه الأشبه، و لعلّه إمّا لحديث رفع الـنسيان، الـذي لامجال له مع الـتصريح با لـتعميم لصورة الـنسيان، كما عرفت دلالـة الـنصّ عليه، أو لما دلّ على الـصحّـة مع غلبـة الـنوم، و هو كما ترى.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 39، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 17، الـحديث 1.
(الصفحة 45)
و أمّا صورة الـتعمّد في قضاء شهر رمضان، فا لـمنسوب إلى الـمشهور أيضاً ذلك، و يدلّ عليه ما عن الـصدوق و الـشيخ في الـصحيح، عن عبدا للّه بن سنان أنّه سأل أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـرجل يقضي شهر رمضان، فيجنب من أوّل الـليل، و لايغتسل حتّى يجيء آخر الليل، و هو يرى أنّ الـفجر قد طلع.
قال:
«لايصوم ذلك الـيوم، و يصوم غيره».(1)
و مثله ما رواه الـكليني، عن ابن سنان، و لاتكون تلك روايـة مستقلّـة، و إن جعلها في «ا لـوسائل» كذلك.(2)
و موثّقـة سَماعـة بن مهران قال: سأ لـته عن رجل أصابته جنابـة في جوف الليل في رمضان، فنام و قد علم بها و لم يستيقظ حتّى أدركه الـفجر.
فقال (عليه السلام) :
«عليه أن يتمّ صومه، و يقضي يوماً آخر».
فقلت: إذا كان ذلك من الـرجل و هو يقضي رمضان.
قال:
«فليأكل يومه ذلك، و ليقض، فإنّه لايشبه رمضان شيء من الـشهور».(3)
و الـمراد بقوله (عليه السلام):
«لايشبه رمضان شيء من الـشهور» يحتمل أن يكون أنّ الـقضاء ليس حا لـه حال الأداء في شهر رمضان حتّى يجب الإمساك و الـقضاء معاً، و يحتمل أن يكون اختصاص عدم جواز الـبقاء على الـجنابـة بصوم رمضان أداءً و قضاءً، كما اختاره غير واحد من متأخّري الـمتأخّرين.
و با لـجملـة: فلا إشكال في الـبطلان في صورة الـتعمّد في قضاء شهر رمضان.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 19، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 19، الـحديث 2.
- (3)
وسائل الـشيعـة، أبواب ما يمسك عنه الـصائم، الـباب 19، الـحديث 3.