(الصفحة 364)مسأ لـة 6: لو فقد الـصعيد تيمّم بغبار ثوبه، أو لبد سرجه، أو عرف دابّته ممّا يكون على ظاهره غبار الأرض، ضارباً على ذي الـغبار، و لايكفي الـضرب على ما في باطنه الـغبار دون ظاهره و إن ثار منه با لـضرب عليه، هذا إذا لم يتمكّن من نفضه و جمعه ثمّ الـتيمّم به و إلاّ وجب.
و مع فقد ذلك تيمّم با لـوحل، ولو تمكّن من تجفيفه ثمّ الـتيمّم به وجب، و ليس منه الأرض الـنديـة و الـتراب الـندي، فإنّهما من الـمرتبـة الاُولى، و إذا تيمّم با لـوحل لاتجب إزا لـته على الأصحّ، لكن ينبغي أن يفركه كنفض الـتراب، و أمّا إزا لـته با لـغسل فلاشبهـة في عدم جوازها1 .
في الـتيمّم با لـغبار
(1) لا إشكال نصّاً و فتوىً في أنّه مع فقد الـصعيد أو تعذّر استعما لـه يجوز الـتيّمم بغبار الـثوب، أو لبد الـسرج، أو عرف الـدابـة، و عن «ا لـمعتبر» هو مذهب علمائنا و أكثر الـعامّـة، و مستند الـحكم أخبار مستفيضـة:
كصحيحـة زرارة قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): أرأيت الـمواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع و لايقدر على الـنزول؟
قال:
«يتيمّم من لبده، أو سرجه، أو معرفـة دابّته، فإنّ فيها غباراً، و يصلّي».(1)
و موثّقته، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال:
«إن كان أصابه الـثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو من شيء معه، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلابأس أن يتيمّم منه».(2)
ولايبعد أن يكون «معه» مصحف «مغبر»، و تؤيّده صحيحـة رفاعـة الآتيـة.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 1.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 2.
(الصفحة 365)
و صحيحـة رفاعـة، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«إذا كانت الأرض مبتلّـة، لـيس فيها تراب و لاماء، فانظر أجفّ موضع تجـده فـتيمّم منه، فإنّ ذلك توسيع من اللّه عزّوجلّ».
قال:
«فإن كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره، أو شيء مغبر، و إن كان في حال لايجد إلاّ الـطين فلا بأس أن يتيمّم منه».(1)
و صحيحـة أبي بصير يعنى الـمرادي، عن أبي عبدا للّه (عليه السلام) قال:
«إذا كنت في حال لاتقدر إلاّ على الـطين فتيمّم به، فإنّ اللّه أولى با لـعذر إذا لم يكن معك ثوب جافّ أو لبد تقدر أن تنفضه و تيمّم به».(2)
فلا إشكال في أصل الـحكم، نعم يبقى الـكلام في اُمور:
الأوّل: أنّ الـظاهر من تعليل صحيحـة زرارة بقوله (عليه السلام):
«فإنّ فيها غباراً» و كذا إطلاق قوله (عليه السلام):
«أو شيء معه» في موثّقته، و كذا
«أو شيء مغبر» في صحيحـة رفاعـة، أنّ الـحكم لايختصّ بالأمثلـة الـمذكورة في الـنصوص، بل لولا ذلك لايكاد يفهم منها الاختصاص، و الـتخصيص با لـذكر إنّما هو لأجل خصوصيـة الـمورد الـمقتضيـة لذكره، كا لـمحارب في الـصحيحـة الاُولى، و الـمسافر الـذي يكون مفروض سائر الـروايات ظاهراً، فمفادها مطلق ما له غبار، كما لايخفى.
ا لـثاني: ظاهر الـمتن أنّ جواز الـتيمّم با لـغبار إنّما هو مع فقد الـصعيد، فا لـجواز مشروط به، كما نسبه في محكيّ «ا لـتذكرة» إلى علمائنا، و عن «ا لـكفايـة» أنّه ظاهر أكثر الأصحاب، و الـمحكيّ عن الـسيّد (قدس سره) صحّـة الـتيمّم به اختياراً، و عن
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 4.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 7.
(الصفحة 366)
«ا لـمنتهى» و «إرشاد الـجعفريـة» تقويته، لكنّ عبارتهما كعبارة الـسيّد قابلـة للتوجيه و الـحمل على الـجواز في الـجملـة، و مع ذلك فا لـلازم ملاحظـة الأدلّـة.
فنقول: أمّا الآيـة و الـروايات الـدالّـة على أنّ التيمّم إنّما هو بالأرض و التراب، فمقتضاهما عدم صحّته با لـغبار مطلقاً ولو في حال الاضطرار; لعدم صدق الـعنوانين على الـشيء الـمغبر، أو نفس الـغبار على مثل الـسرج و اللبد، لأنّ الـغبار أثر الـتراب لانفسه، كا لـرطوبـة بالإضافـة إلى الـماء.
و أمّا الـروايات الـواردة في الـتيمّم با لـغبار، فمقتضى عموم الـتعليل في صحيحـة زرارة جواز الـتيمّم بما فيه الـغبار مطلقاً، و فرض الـسائل عدم الـقدرة على الـنزول لايوجب تنزيل الـتعليل عليه; لأنّ الـمورد لايوجب تضييقاً في سعـة الـتعليل عموماً أو إطلاقاً.
نعم، لو كان تقديره في كلام الإمام (عليه السلام) كان ظاهراً في الـتأخّر، كما في ذيل الـروايـة الـوارد في الـتيمّم با لـطين، هذا مع تسليم أنّ الـمفروض في الـصحيحـة عدم الـقدرة على الـتيمّم بالأرض، لكنّه ممنوع; لأنّ الـمفروض فيها بحسب الـظاهر الـمتفاهم عرفاً عدم الـتمكّن من الـنزول للوضوء.
و أما فرض عدم الـتمكّن من الـنزول للتيمّم فهو أمر آخر لابدّ من فرض فقدان الـماء معه، و لم يفرضه مع أنّ فقدانه نادر، و عدم الـقدرة على الـنزول لصرف ضرب الـكفّ على الأرض نادر أيضاً، بخلاف عدم الـقدرة للوضوء لاحتياجه إلى زمان معتدّبه، فا لـمفروض فيها هو الـعذر عن الـوضوء، فكأنّه قال: إذا تعذّر الـنزول للوضوء يتيمّم بلبدسرجه، لأنّ فيه غباراً، فيدلّ على أنّه عند فقدان الـماء يجوز الـتيمّم با لـغبار، و مجرّد كون الـمورد مَنِ الـذي لايتمكّن من الـتيمّم على الأرض لو فرض فقدان الـماء
(الصفحة 367)
على فرض تسليمه، لايوجب تقييد الإطلاق و رفع الـيد عن الـتعليل بعد عدم فرض فقدان الـماء، هذا بالإضافـة إلى الـصحيحـة.
و أمّا الـموثّقـة، فهي و إن كانت ظاهرة بدواً في الـترتيب بلحاظ كون الـتقدير واقعاً في كلام الإمام (عليه السلام)، إلاّ أنّه يحتمل أن يكون الـمقصود الـتنبيه على فرد مغفول عنه، و الإرشاد إلى صحّـة الـتيمّم با لـغبار لئلاّ يتوهّم أنّه مع إصابـة الـثلج يكون فاقداً للمتيمّم به أيضاً، كفقدانه للماء، فتدبّر.
و يؤيّده بل يدلّ عليه: أنّه لو كان بصدد إفادة الـترتيب كان الـمناسب أن يقول: إن لم يجد الـتراب، لأنّ إصابـة الـثلج لاتكون مانعـة من تحصيل الـتراب و الأرض الـيابسـة نوعاً، من دون أن تكون هناك مشقّـة رافعـة للتكليف، خصوصاً في الـمناطق الـباردة الـتي تكون الأرض تحت الـثلج يابسـة، و خصوصاً مع أن الـتيمّم بالأرض الـنديـة جائز قد ادّعي عليه اتّفاق الأصحاب، و يأتي الـبحث فيه في ذيل هذه الـمسأ لـة.
فتجويز الـتيمّم بلبد الـسرج، أو شيء معه، أو مغبر، دليل على كون الـغبار من الـمصاديق الاختياريـة لما يتيمّم به، فجعل إصابـة الـثلج كنايـة عن عدم وجدان الـتراب و الأرض خلاف الـظاهر، فلايبعد أن يكون الـتعليق على إصابته إنّما هو للتنبيه على أنّه لايلزم مع إصابته أن يتكلّف برفعه من الأرض و يتيمّم بها، بل يجوز الـتيمّم بغبار الـثوب و نحوه.
و يؤيّد ما ذكر من احتمال كون الـتعليق للإرشاد إلى مصداق آخر اختياري مغفول عنه، صحيحـة رفاعـة الـمتقدّمـة، نظراً إلى أنّه لايراد منها الـترتيب بين الـتراب، و بين أجفّ موضع من الأرض الـمبتلّـة، بل الـمراد دفع توهّم عدم جواز الـتيمّم بالأرض
(الصفحة 368)
ا لـمبتلّـة و الإرشاد إلى مصداقيتها، فيمكن الاستيناس به للفرض الـثاني الـذي هو بعينه الـفرض الأوّل في الـموثّقـة.
فالإنصاف: أنّه لو لا مخافـة مخا لـفـة الأصحاب لعدم ثبوت مخا لـف في الـمسأ لـة حتّى الـسيّد كما عرفت، لكان الـجواز اختياراً غير بعيد، لكن بعد تسلّم الـمسأ لـة بينهم و ظهور الآيـة و طائفـة من الـروايات في تعيّن الـتيمّم با لـصعيد، يمكن دعوى أنّ الـتجويز با لـغبار إنّما هو من جهـة كونه ميسور الأرض. لكونه أثرها، و لذا ترى أنّ أدلّـة تجويزه قد وردت في موارد خاصّـة، كغير الـقادر على الـنزول، و الـمصاب با لـثلج، و أشباههما، و لايكون في الـروايات الـكثيرة الـعامّـة عين منه و لاأثر، مع أنّ الـورود في مقام الامتنان يقتضي الـتعرّض له أيضاً على تقدير الـجواز اختياراً، فيحصل الاطمئنان بما عليه الـمشهور بل الـجميع، كما مرّ.
ا لـثا لـث: لا إشكال في اعتبار كون الـغبار محسوساً على ذي الـغبار بحيث يرى ظاهره مغبراً، و لايكفي ضرب الـيد على ما يكون الـغبار كامناً فيه و إن أثار الـغبار منه با لضرب عليه; لعدم صدق التيمّم با لغبار المأمور به في موثّقـة زرارة وصحيحـة رفاعة.
و دعوى صدق الـتيمّم به إذا ضرب يده على ذي غبار كامن فيه فأثار منه مدفوعـة بمنعها; لأنّ الـظاهر من الأمر با لـتيمّم على الـغبار أن يضرب يده عليه، و مع عدم كون ظاهره مغبراً لايقع الـضرب عليه، نظير الـضرب على ما يقع با لـضرب عليه أرضاً بعد ما لم يكن كذلك، فإنّه لايتحقّق به الـتيمّم على الـصعيد.
و ممّا ذكرنا يظهر: أنّ الـمراد من صحيحـة أبي بصير الـدالّـة على النفض هو النفض بحيث يظهر الـغبار على الـثوب أو اللبد بعد كمونه فيهما و عدم ظهوره، لا الـنفض بحيث يتحقّق الافتراق بينهما و يصير الـغبار خارجاً، ضرورة أنّ ظاهرها الـتيمّم