(الصفحة 176)
قال:
«غسل الـجنابـة و الـحيض واحد».(1)
فإنّه يظهر من سؤا لـه أنّه كان يحتمل ارتفاع وجوب غسل الـجنابـة بمجيء الـحيض، كما أنّه يرتفع با لـغسل عنها، و الـظاهر أنّ الـمراد من الـجواب بوحدة الـغسلين عدم ثبوت مزيـة في غسل الـحيض ـ بالإضافـة إلى غسل الـجنابـة ـ موجبـة لتعلّق الـتكليف به، و زوال الـتكليف عن غسل الـجنابـة.
فلا دلالـة له على الاجتزاء بغسل واحد و عدمه; لعدم كونها في مقام بيان هذه الـجهـة بوجه، و إن كان الـمراد به هي الـوحدة في الـخارج بأن اكتفى با لـواحد عنهما، لكان الـجواب حينئذ ما يستفاد من ذلك بالالتزام، و هو عدم سقوط وجوب غسل الـجنابـة بمجيء الـحيض، فليتأمّل.
في فروع الـمسأ لـة
و قد انقدح من جميع ما ذكرنا: أنّه إذا اجتمع عليه أغسال متعدّدة، فإن كان ناوياً للجميع بغسل واحد صحّ في الـجميع، سواء كانت الـجميع واجبـة أو مستحبّـة أو مختلفـة.
و عن «ا لـتحرير» و «ا لـقواعد» و «الإرشاد» عدم الـصحّـة فيما إذا كانت الأغسال مستحبّـة، و عن «جامع الـمقاصد» أنّه أرجح، و عن ظاهر «ا لـدروس» الـميل إليه، و الـذي يمكن أن يستند إليه أمران:
الأوّل: أصا لـة عدم الـتداخل بعد عدم ما يوجب الـخروج عن هذه الـقاعدة; إذ ليس في الـبين ما يوهم ذلك، سوى قوله (عليه السلام) في صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة:
«فإذا
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 43، الـحديث 9.
(الصفحة 177)
اجتمعت عليك حقوق (ا للّه) ...» و هو غير صا لـح لذلك; لأنّ الـظاهر من الـحقوق هو خصوص الـواجبـة، و لا أقلّ من عدم ظهورها في الإطلاق حتّى تشمل الـمستحبّـة أيضاً.
و الـجواب عنه: ما عرفت من كون هذه الـفقرة مسوقـة لبيان الاكتفاء بكلّ غسل عن سائر الأغسال، و أنّه لا يختصّ ذلك با لـجنابـة، و من الـواضح أنّ الـمراد من الـحقوق هي مثل ما أفاده في الـجملـة الاُولى، و هو يشمل الـمستحبّات أيضاً.
ا لـثاني: روايـة عثمان بن يزيد ـ الـذي استظهر أنّه عمرو بن يزيد فتكون صحيحـة ـ عن الـصادق (عليه السلام) قال:
«من اغتسل بعد الـفجر كفاه غسله إلى الليل في كلّ موضع يجب فيه الـغسل، و من اغتسل ليلاً كفاه غسله إلى طلوع الـفجر».(1)
و ناقش فيه الـشيخ الأعظم (قدس سره) فيما حكي عنه، حيث قال: إنّها ظاهرة في أنّ من اغتسل لغايـة في ليل أو نهار، لم تلزم الـمبادرة إليها، بل جاز إيقاعها و لو في آخر الليل أو الـنهار.
و الـظاهر أنّ موردها هو الـغسل مع نيّـة بعض الأسباب دون الـجميع، فلا ترتبط بهذا الـفرض.
و على تقدير الإطلاق، فإن كان الـمراد من قوله (عليه السلام):
«اغتسل بعد الـفجر» هو خصوص الـجنابـة، بقرينـة نظائرها، فهي أيضاً لا ترتبط به.
و إن كان الـمراد منه أعمّ منها بقرينـة الـذيل، فا لـروايـة تدلّ على الاكتفاء مطلقاً، و أنّ الـمراد من الـوجوب في قوله (عليه السلام):
«كلّ موضع يجب فيه الـغسل» هو الأعمّ من الـثبوت الـمتحقّق في الـمستحبّ.
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الإحرام، الـباب 9، الـحديث 4.
(الصفحة 178)
و على تقدير الاختصاص با لـواجبات، لا دلالـة لها على الـنفي في الـمستحبّات، الـذي هو الـمدّعى، فا لـظاهر حينئذ أنّه لا فرق بين ما إذا كانت كلّها واجبـة، أو كانت الـجميع مستحبّـة.
و أمّا إذا كان بعضها واجباً و بعضها مستحبّاً، فعن ظاهر الـمشهور الـصحّـة عن الـجميع، بل عن «ا لـخلاف» الإجماع على الاجتزاء بغسل واحد للجنابـة و الـجمعـة.
لكن عن ظاهر «ا لـقواعد» و «الإرشاد» و صريح «جامع الـمقاصد» و «ا لـتذكرة» الـبطلان، و منشأه: أنّه كيف يعقل أن يكفي غسل واحد عن الـواجب و الـمستحبّ؟ و هل هذا إلاّ اجتماع الـوجوب و الاستحباب في شيء واحد شخصي؟
و أجاب عن هذه الـشبهـة في «ا لـمصباح» بما حاصله: أنّه في أمثال الـمسأ لـة يكون الـمجتمع هي جهات الـطلب لا نفسها، غايـة الأمر أنّه يتولّد منها حكم عقلي متأكّد، فإن كان فيها جهـة ملزمـة يتبعها الـطلب الـعقلي، و يكون الـفرد ـ لأجل اشتما لـه على جهات اُخر راجحـة ـ أفضل أفراد الـواجب، و إن لم يكن فيه جهـة ملزمـة يكون الإتيان بهذا الـفرد مستحبّاً مؤكّداً.
قال: ألا ترى أنّ الـبديهـة تشهد بأنّ اختيار التصدّق على الـفقير المؤمن، العا لم، من ذوي الأرحام، بقصد سرور الـمؤمن، و إكرام الـعا لـم، و مواصلـة ذي الـرحم، أرجح من الـتصدّق على الـفقير الـفاقد لهذه الأوصاف و لو في مقام إبراء الـذمّـة عن الـنذر، و ليس هذا إلاّ لكون هذا الـفعل الـخاصّ محصّلاً لما هو الـمقصود من جميع الأوامر، و إن ارتفع عنه الـطلب الاستحبابي فعلاً; لأجل صيرورته مصداقاً للواجب.
و نحن قد حقّقنا في الاُصول في مبحث اجتماع الأمر و الـنهي: أنّ متعلّق الأحكام هي نفس الـطبائع و الـعناوين، و أنّه لا يعقل أن يكون الـموجود الـخارجي متعلّقاً لها،
(الصفحة 179)
لأنّه قبل وجوده لا يكون شيئاً متحقّقاً حتّى يتعلّق به الـحكم، و بعده يحصل الـمطلوب أو الـمزجور عنه، و لا يعقل تعلّق الـطلب أو الـزجر به.
فلا مانع على هذا الـتقدير من أن يكون متعلّق الأمر الـوجوبي هو غسل الـجنابـة مثلاً بعنوانه، و متعلّق الأمر الاستحبابي هو غسل الـجمعـة بعنوانه، و اجتماعهما في موجود واحد شخصي لايوجب تعلّق حكمين بشيء واحد شخصي، و الـتفصيل موكول إلى ذلك الـمبحث، هذا كلّه مع نيّـة الـجميع.
و أمّا إذا نوى الـبعض:
فإن كان هو غسل الـجنابة، وكان الـجميع واجباً، فلاخلاف في ذلك، كما عن «شرحي الجعفرية وا لـموجز»، بل عن «ا لـسرائر» و «جامع الـمقاصد» الإجماع عليه.
و أمّا إذا كان بعضها مستحبّاً، ففي الاجتزاء با لـغسل الـمنوي به الـجنابـة عنها و عدمه، قولان: و الـمشهور الأوّل، و الـمحكي عن جماعـة من الأساطين الـثاني، و الأقوى هو الاكتفاء في الـفرضين، لما عرفت من دلالـة صحيحـة زرارة الـمتقدّمـة على أنّ غسل الـجنابـة بعنوانه يكفي لها و لسائر الأغسال، واجبـة كانت أو مستحبّـة.
كما أنّه يدلّ عليه أيضاً مرسل جميل الـمتقدّم، بناء على أن يكون الـمراد من قوله (عليه السلام):
«يلزمه» هو الـثبوت، الـذي هو أعمّ من الاستحباب، لا خصوص الـوجوب و اللزوم في مقابله.
و أمّا إذا كان الـمنوي واجباً غير الـجنابـة، فقد وقع الـكلام فيه تارة: من حيث صحّته في نفسه، و اُخرى: في الاجتزاء به عن غسل الـجنابـة لو كان عليه جنابـة، وثا لـثـة: في الاجتزاء به عن غير غسل الـجنابـة من الأغسال الـواجبـة و الـمندوبـة.
أمّا من الـحيثيـة الاُولى: ففي محكي «ا لـتذكرة» الاستشكال فيها، قال: «فإن نوت
(الصفحة 180)
ا لـجنابـة أجزأ عنهما، و إن نوت الـحيض فإشكال ينشأ من عدم ارتفاع الـحيض مع بقاء الـجنابـة لعدم نيّتها»، بل عن بعض الـجزم با لـعدم.
و الـجواب: أنّ احتمال اعتبار عدم الـجنابـة في صحّـة غسل الـحيض خلاف إطلاق الأدلّـة الـبيانيـة، و قد تقرّر في محلّه أنّ الإتيان با لـمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء، فلا مجال لعدم اجتزاء غسل الـحيض بعنوانه عمّا هو الـواجب عليها من هذه الـجهـة، مع أنّ لازمه وجوب تقديم غسل الـجنابـة على غسل الـحيض إذا أرادت الـجمع بينهما; لأنّ غسل الـحيض لا أثر له على هذا الـتقدير، و إذا قدّمته لايبقى مجال لغسل الـحيض، فا لـجمع بين الـغسلين لا أثر له أصلاً، مع أنّ لازمه عدم الاجتزاء بغسل واحد عنهما، ولو مع نيّـة الـجميع; لأنّ ظاهره كون اعتبار عدم الـجنابـة في ارتفاع الـحيض إنّما هو على نحو الـشرطيـة، و الـشرط لابدّ من تحقّقه عند تحقّق الـمشروط، و لا يكفي تحقّقهما في آن واحد.
و كيف كان: فلا ينبغي الاستشكال في صحّـة غسل الـحيض مع بقاء الـجنابـة، و عدم ارتفاعها، نعم الإشكال إنّما هو في صحّـة غسل الـجنابـة في حال الـحيض، لأنّ مقتضى روايـة عمّار الـمتقدّمـة هو الـجواز.
و ربّما يستفاد من بعض الـروايات الـعدم، كروايـة عبدا للّه بن يحيى الـكاهلي قال: سأ لـت أباعبدا للّه (عليه السلام) عن الـمرأة يجامعها الـرجل، فتحيض و هي في الـمغتسل، فتغتسل أم لا؟
قال:
«قد جاءها مايفسد الـصلاة، فلا تغتسل».(1)
لكنّ الـظاهر أنّ الـمراد بها أنّ غسل الـجنابـة حيث لا يكون واجباً لنفسه، بل
- (1)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـجنابـة، الـباب 14، الـحديث 1.