(الصفحة 355)مسأ لـة 4: لا يصحّ الـتيمّم با لـصعيد الـنجس و إن كان جاهلاً بنجاسته أو ناسياً، و لا با لـمغصوب إلاّ إذا اُكره على الـمكث فيه كا لـمحبوس، أو كان جاهلاً با لـموضوع، و لا با لـممتزج بغيره بما يخرجه عن إطلاق اسم الـتراب عليه، فلا بأس با لـمستهلك، و لا الـخليط الـمتميّز الـذي لا يمنع عن صدق الـتيمّم على الأرض، و حكم الـمشتبه با لـمغصوب و الـممتزج هنا حكم الـماء با لـنسبـة إلى الـوضوء و الـغسل، بخلاف الـمشتبه با لـنجس مع الانحصار فإنّه يتيمّم بهما، و لو كان عنده ماء و تراب و علم بنجاسـة أحدهما يجب عليه مع الانحصار الـجمع بين الـتيمّم و الـوضوء، أو الـغسل مقدّماً للتيمّم عليهما، و اعتبار إباحـة الـتراب و مكان الـتيمّم كاعتبارهما في الـوضوء، و قد مرّ ما هو الأقوى1 .
(1) يقع الـكلام في هذه الـمسأ لـة في مقامات:
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـنجس
الأوّل: في اعتبار الـطهارة فيما يتيمّم به، فلا يجوز الـتيمّم با لـتراب الـنجس كما عن «ا لـمدارك» نسبته إلى الأصحاب، و عن «ا لـمنتهى» نفي الـخلاف عنه، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.
و يدلّ عليه: توصيف الـصعيد با لـطيّب في قوله تعا لـى:
(فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)بناء على كونه بمعنى الـطاهر الـذي يقابل الـقذر، كما عن ابن عباس و عن غير واحد تفسيره به، و عن «جامع الـمقاصد» نسبته إلى الـمفسّرين، ضرورة عدم كون الـمراد به الـمستلذّ الـذي قيل إنّه معناه الـحقيقي; لعدم مناسبـة الـحكم و الـموضوع.
كما أنّ احتمال كونه مقابل الـخبيث بمعنى الأرض غير الـنابتـة، كما في قوله
(الصفحة 356)
تعا لـى:
(وَ الْبَلَدُ الطَيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِاِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً)(1)
مندفع ـ مضافاً إلى عدم كون الـخبيث لغـة بمعنى الأرض غير الـنابتـة، بل بمعنى الـرديّ و ما يساوقه، و الـنجس خبيث بهذا الـمعنى ـ بما مرّ من كون الـمراد با لـصعيد في آيـة الـتيمّم هو مطلق وجه الأرض للشواهد الـمتقدّمـة، فلا مجال لهذا الاحتمال.
نعم، يمكن أن يقال: بأنّ الـمراد منه هو الـنظيف عرفاً، الـذي جعل مقابل الـقذر في بعض الـروايات، لكن الإجماع على عدم اعتبار الـنظافـة الـعرفيـة زائدة على الـطهارة الـشرعيـة يدفع هذا الاحتمال، أو يخرج منه غير الـنجس، فتدبّر.
و ربّما يؤيّد الـمطلوب بعض الـروايات، كمرسلـة عليّ بن مطر، عن بعض أصحابنا قال: سأ لـت الـرضا (عليه السلام) عن الـرجل لا يصيب الـماء و لا الـتراب، أيتيمّم با لـطين؟
قال:
«نعم، صعيد طيّب، و ماء طهور»(2)
.
بناء على أنّ الـمراد أنّ الـطين مركّب من الـصعيد الـطيّب و الـماء الـطهور، فإنّ تقييد الأمرين با لـطيّب و الـطهور مع عدم كون محطّ الـسؤال إلاّ مجرّد الـتيمّم با لـطين من حيث الـصحّـة و الـعدم، لا من جهـة صيرورة الـبدن نجساً، لا يكون له وجه إلاّ الإشعار بوجود قيد الـطهارة الـمعتبرة فيما يتيمّم به في ا لـطين أيضاً، بل نفس ذكر الـطيّب في الـصعيد مقام الـطهور إشارة إلى كون الـمراد به هو الـطهور، و أنّ الاختلاف بين الأمرين إنّما هو في الـعبارة، فتدبّر.
هذا، ولكنّ الـمحكيّ عن «ا لـفقه الـرضوي» و «معاني الأخبار» تفسير الـطيّب با لـمكان الـذي ينحدر عنه الـماء، و الـظاهر أنّه أيضاً ناظر إلى ما ذكرنا; لأنّ انحدار
- (1)
الأعراف / 58.
- (2)
وسائل الـشيعـة، أبواب الـتيمّم، الـباب 9، الـحديث 6.
(الصفحة 357)
ا لـماء عنه كاشف عن طهارته و عدم تلوّثه، مع أنّ توصيف الأرض بكونه طهوراً، أو الـتراب بكونه أحد الـطهورين، يؤيّد بل يدلّ على ما ذكرنا، بناء على كون الـمراد به هو الـطاهر الـمطهّر، أو خصوص الـمطهّر بضميمـة أنّه لا يكاد يمكن أن يكون الـمطهّر غير طاهر.
فلا يبقى مع ملاحظـة جميع ما ذكر ارتياب في اعتبار الـطهارة في الأرض الـتي يتيمّم بها، و إن كان كلّ واحد من الامور لعلّه لا يخلو عن مناقشـة إذا لوحظ منفرداً، ثمّ إنّ مقتضى إطلاق دليل اعتبار الـطهارة أنّه لا فرق في ذلك بين صورتي الـعلم و عدمه، و كذا بين صورتي الالتفات و عدمه; لعدم ما يقتضي الـتخصيص ببعض الـصور.
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـمغصوب
ا لـثاني: في اعتبار الإباحـة فيما يتيمّم به، فلا يصحّ الـتيمّم با لـمغصوب في الـجملـة إجماعاً، كما عن «ا لـتذكرة»، بل و عقلاً بناء على كون الـضرب على الأرض مأخوذاً في ماهيـة الـتيمّم و داخلاً في حقيقته.
و أمّا لو قيل بخروجه عنها، و أنّ الـتيمّم هو إمرار الـيد الـمضروبـة على الأرض على الـجبهـة و الـيدين، بأن لم يكن الـضرب مأخوذاً في ماهيّـة، و كان من مقدّماته الـتوصّليـة، يتّجه الـقول با لـصحّـة عقلاً لاختلاف الـمتعلّقين وجوداً، كاختلافهما عنواناً.
نعم، يمكن أن يقال با لـصحّـة كذلك على الـتقدير الأوّل أيضاً، بناء على الـقول بجواز اجتماع الأمر و الـنهي، و صحّـة الـمجمع إذا كان عبادة، نظراً إلى ثبوت الـعنوانين الـمختلفين با لـعموم من وجه في الـمقام، و هما الـضرب على الأرض و الـتصرّف في
(الصفحة 358)
مال الـغير بغير إذنه و رضاه.
كما أ نّه يمكن أن يقال با لـبطلان على الـتقدير الـثاني أيضاً فيما إذا علّق با لـيد عند الـمسح بها شيء من الـمغصوب، بحيث يكون إمرار الـيد على محلّ الـمسح تصرّفاً في ذلك الـشيء، فإنّه حينئذ يتّصف جزء الـعبادة با لـحرمـة، فلا تقع صحيحـة.
و كيف كان: فا لـمسأ لـة بناء على خروج الـضرب عن ماهيـة الـتيمّم، و جواز اجتماع الـحكمين، و صحّـة الـمجمع إذا كان عبادة، مشكلـة إلاّ إذا كان للإجماع أصا لـة، و لم يعلم أو يحتمل الاتّكال على الـعقل في مسأ لـة الاجتماع، كما لا تبعد دعويه.
ثمّ إنّ الـبطلان إنّما هو فيما إذا لم يكن جاهلاً با لـموضوع; لأ نّه مع الـجهل به لا تتنجّز الـحرمـة، بل الأمر يبقى على حا لـه، و الـقدر الـمتيقّن من الإجماع غير مثل صورة الـجهل، و أمّا حكم الإكراه فسيأتي في الـمسأ لـة الآتيـة إن شاء اللّه تعا لـى.
في عدم صحّـة الـتيمّم با لـممتزج
ا لـثا لـث: في عدم صحّـة الـتيمّم با لـممتزج بغير الـتراب مثلاً بما يخرجه عن إطلاق اسم الـتراب عليه، و الـوجه فيه واضح، فإنّ فرض الـخروج عن إطلاق اسم الـتراب مع اعتباره فيما يتيمّم به يقتضي عدم الـصحّـة في الـمورد الـمفروض.
نعم، لو لم يخرج عن ذلك الإطلاق كما إذا استهلك غير الأرض فيها، كما إذا وقع مقدار يسير من الـرماد في التراب الـكثير، و تحقّق الامتزاج بحيث لايرى غير التراب أصلاً، فإنّه يجوز الـتيمّم به بلا إشكال، للصدق الـحقيقي عند الـعرف من دون مسامحـة و إغماض.
(الصفحة 359)
و يلحق بذلك بعض الأجزاء الـضعيفـة الـتي لاتقبل الاستهلاك حتّى عند الـعرف، كا لـشعرة مثلاً، و كذا مثلها من الاُمور الاُخرى، الـذي لاينفكّ عن الأرض نوعاً كبعض ذرّات الـتبن; لأنّه لايفهم الـعرف من الـصعيد و الأرض إلاّ تلك الأراضي الـمتعارفـة.
و قد فرّق بعض بين صورة الاستهلاك، و بين الـصورة الأخيرة، با لـمنع في الـثاني دون الأوّل، نظراً إلى اشتراط استيعاب ملاصقـة الـكفّ لما يضرب عليه من الـصعيد، لظهور الأدلّـة في ذلك و هو لايحصل فيما إذا امتاز الـخليط و إن قلّ كشعرة و نحوها، لا لعدم صدق اسم الـصعيد على الـمضروب عليه، بل لعدم تحقّق ملاصقـة جميع أجزاء الـكفّ للصعيد بواسطـة حاجبيـة الـخليط الـمتمايز.
و أورد عليه صاحب «ا لـمصباح» (قدس سره): بأنّ الـمعتبر إنّما هو ضرب باطن الـكفّ و ملاصقته لما يسمّى في الـعرف صعيداً، و هو حاصل في الـفرض ما لم يكن الـجزء الـمختلط ملحوظاً لدى الـعرف بحيا لـه، لكون الـمجموع من حيث الـمجموع مصداقاً للصعيد في الـفرض، و لايعتبر فيه كون كلّ جزء جزء يفرض منه ممّا يقع عليه الاسم، و إلاّ لامتنع تحقّقه على سبيل الـتحقيق في الـفرض الأوّل أيضاً، و لايدور الأحكام الـشرعيـة مدار الـتدقيقات الـحكميـة، و لذا لايرتاب أحد في حصول امتثال الأمر بوضع الـيد على الـحنطـة مثلاً عند وضعها على ما يسمّى في الـعرف حنطـة، فهل ترى فرقاً بين ما لو قال: اضرب يدك على الـحنطـة، أو تصدّق با لـحنطـة على الـفقير، فكلّ طبيعـة يحصل بدفعها للفقير برائـة الـذمّـة عن الأمر با لـتصدّق، يتحقّق بوضع الـيد عليها امتثال الأمر با لـضرب بلاشبهـة.
و يمكن الإيراد على كليهما ـ بعد اشتراكهما في تسليم صدق اسم الـصعيد على الـمضروب في الـصورة الأخيرة حقيقـة عند الـعرف ـ بمنع الـصدق الـحقيقي عندهم،